الوقت - في سياق انفتاح الدول على سورية جاء موقف الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، في الأسابيع الفائتة، حين أعلن، أنه "قد يدعو نظيره الرئيس السوري بشار الأسد إلى تركيا في أي وقت" وهي دعوة تركية علنية لعودة العلاقات بين البلدين كما كانت عليه.
حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن تركيا مستعدة لمناقشة انسحاب القوات من سوريا، مشيراً إلى أنه لم يكن من الممكن بعد الاتفاق على المعايير المحددة لهذه العملية.
وقال لافروف في تصريحات لقناة "روسيا اليوم" السبت: "الأتراك مستعدون لذلك، لكن حتى الآن لا يمكن الاتفاق على معايير محددة"، مضيفاً: "نحن نتحدث عن عودة اللاجئين، وعن التدابير اللازمة لقمع التهديد الإرهابي، الأمر الذي سيجعل بقاء الوحدات التركية غير ضروري"، مشدداً على أن "كل هذا قيد الإعداد".
كما أوضح أنه "في رأي الحكومة السورية، من الضروري اتخاذ قرار واضح بشأن إجراءات الانسحاب النهائي للوحدات التركية من الجمهورية العربية السورية" من أجل تطبيع العلاقات مع إسطنبول، وفق وكالة "تاس".
ومهما كانت التحليلات السياسية حول بدء مرونة الجانبين السوري والتركي لحل الخلافات لكن من المحسوم، أن دمشق سترفض أي محادثاتٍ قد تحاول فيها أنقرة التدخل في الشأن الداخلي السوري، حسب تأكيد كبار المسؤولين السوريين، ولو رضخت القيادة السورية للإملاءات الخارجية، تحديدًا الأمريكية، لكانت تجنّبت الدخول في مواجهة حربٍ كونيةٍ لإخضاع دمشق ودفعها إلى التنازل عن موقعها ودورها في محور المقاومة، فكيف تقدم تنازلات للجانب التركي، إثر 14 عاما من الصمود؟!.
وفي وقت سابق قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: إن هناك خطوات يجب أن تتخذها تركيا بالتعاون مع دمشق في ملفات عدة، بينها الحدود والإرهاب واللاجئون، مؤكداً استعداد بلاده لبدء الحوار.
وأشار فيدان إلى أن تركيا تريد تطبيع العلاقات مع دمشق على غرار تطبيع العلاقات مع دول في المنطقة، مضيفاً في مقابلة: “أعلن رئيسنا أننا مستعدون لبدء الحوار على كل المستويات، بما في ذلك الرئاسة، لحل المشكلات القائمة”.
الأحداث الأخيرة وتصريحات بعض السياسيين الأتراك تشير إلى رغبة تركيا في المصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من عقد من الزمن، عندما انهارت العلاقات التركية السورية تمامًا، وفر ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا، واستولت مجموعات المعارضة الموالية لتركيا على مناطق في شمال سوريا.
رغم التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين الجانبين، ترسم تركيا الآن مسارًا جديدًا للدرجة التي تتحدث فيها مصادر تركية عن قرب انعقاد لقاء بين الرئيس الأسد ووزير الخارجية التركي.
ولفت الوزير التركي إلى أن البلدين أجريا محادثات عبر قنوات متعددة، منذ عام 2017، معتبراً أن “فترة الهدوء المستمرة من 6 – 7 سنوات يجب تحويلها من حالة مؤقتة إلى حالة أكثر ديمومة”.
وأوضح أن “هناك خطوات يجب أن نتخذها في تركيا بالتعاون مع الدولة السورية، تشمل أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى عودة اللاجئين بشكل آمن وحر”.
لا شك أن المصالحات العربية مع دمشق والتي تم إقرارها في القمة العربية التي عقدت في المملكة العربية السعودية في أيار 2023،" تشكل دافعا قويا لأنقرة ودمشق لإنتاج مقاربات جديدة باتجاه المصالحة.
يشار إلى أنه بعدما فتح الرئيس السوري بشار الأسد الأبواب قبل أيام للتفاوض مع تركيا، وصف وزير الدفاع التركي يشار غولر تلك التصريحات بالإيجابية للغاية.
وقال غولر في مقابلة مع صحيفة "حرييت" المحلية في وقت سابق السبت: إن للبلدين مصلحة في إنهاء بيئة الصراع الحالية.
كما اعتبر أنه لا "توجد مشكلة بين البلدين يصعب حلّها"، مضيفاً: "أعتقد أنه بعد حل المشاكل، يمكننا مواصلة أنشطتنا الطبيعية كدولتين متجاورتين".
وشدد على أن أنقرة ودمشق قادرتان على حل جميع المشاكل.
ورغم وجود بعض التقاطعات بين الجانبين، في تفاصيل المفاوضات المفترضة، فإن تنفيذ أي اتفاقات قد يتم التوصل إليها سيتطلب موارد واسعة والتزامات زمنية.
يرى مراقبون أن الرئيس السوري بشار الأسد يملك الورقة الأهم، لإجبار الأتراك على الانسحاب من بلاده، وهي مخاوف أنقرة من وجود تهديد لأمنها القومي بوجود “كيان كردي” عند حدودها الجنوبية، هذه المخاوف ستبقى قائمة طالما بقيت القوات التركية، ولم تفرض حكومة دمشق المركزية سيطرتها الكاملة على البلاد، وتواصل الدعم التركي للمُعارضة السورية “المُتفكّكة، والضعيفة الآن”، والتي تعتبرها دمشق “جماعات إرهابية”.
كما يملك الأسد ورقة أخرى، وهي ورقة اللاجئين، إذ يواجه أردوغان ضُغوطًا مُتزايدة.
والأمر المهم هو أنه على الرغم من الظروف الاقتصادية الضيقة والصعبة التي يعانيها المواطن السوريّ بشكل يومي، بسبب الحصار الاقتصاديّ والاحتلال والمعارك، التي كانت أنقرة سبباً رئيسيّاً فيها، فإنّ ردّة فعل الشارع السوري على بيان الخارجية ثم على تصريح الرئيس، كانت إيجابيّة جدّاً، ومن الواضح أنّ هذا المواطن بدوره، لا يرضى بتقديم أيّ هدايا مجانيّة للرئيس التركيّ، بعد كل ما حصل، ورغم كل هذا الضيق والحاجة إلى أي انفراج جديد.
فيما كان الردّ الرسميّ التركيّ الوحيد الذي يمكن أخذه بعين الاعتبار، بعد بيان الخارجية السورية، واعتباره كاشفاً لنيّات أنقرة على هذا الصعيد، هو تصريح وزير الخارجية التركيّ، حاقان فيدان، خلال مؤتمر صحفيّ جمعه بوزير الخارجية السعوديّ، يوم الأحد الفائت والذي مفاده بأن أكثر ما تبتغيه أنقرة من دمشق، ومن تطبيع العلاقات معها، هو محاربة التنظيمات الكردية معاً، والتسهيلات الاقتصادية التي تسمح لها بنقل بضائعها إلى دول المنطقة العربية.