الوقت- على الرغم من أن حزب الله اللبناني وفصائل المقاومة الأخرى في المنطقة يقاتلون الصهاينة نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم منذ بداية الحرب على غزة، إلا أن هجوما صاروخيا صهيونيا على منطقة في مرتفعات الجولان المسماة "مجدل الشمس" تسببت في حدوث مستوى جديد من التوتر بين الصهاينة والقوات اللبنانية.
وحسب مصادر طبية عبرية، قُتل ما لا يقل عن 12 شخصًا وأصيب 19 آخرون في هذا الهجوم الصاروخي على مجدل الشمس القريبة من المناطق التي تحتلها "إسرائيل" في هضبة الجولان، ويقال إن هذا هو الهجوم الأسوأ على الأراضي الشمالية المحتلة منذ بداية حرب غزة ويمكن أن يؤدي هذا الهجوم إلى حرب واسعة النطاق بين الصهاينة وحزب الله.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي حمّل حزب الله المسؤولية عن هذا الهجوم وادعى أنه يستعد للرد عليه، إلا أن المتحدث باسم حزب الله محمد عفيف "نفى أي صلة لهم بهذا الحادث"، وقال: "كل الادعاءات بتوريطنا في هذا الهجوم كاذبة"، وفي المقابل، قطع "بنيامين نتنياهو"، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، رحلته أيضًا إلى أمريكا وتوجه إلى حضور اجتماع مجلس الوزراء الأمني فور وصوله إلى تل أبيب لبحث الرد على حزب الله.
أين مجدل شمس؟
مجدل شمس هي إحدى القرى الأربع الواقعة في هضبة الجولان ويسكنها حوالي 25 ألف درزي، وتبلغ مساحة هضبة الجولان حوالي 1800 كيلومتر مربع، منها 1200 كيلومتر مربع تحتلها "إسرائيل"، ويحتل الصهاينة هذا الجزء من سوريا منذ حرب الأيام الستة بين العرب و"إسرائيل" عام 1967 (قبل 52 عاماً)، ويوجد حاليًا أكثر من اثنتي عشرة مستوطنة يهودية في هذه المنطقة، وفي الوقت نفسه، لا يزال يعيش في هذه المنطقة 20 ألف سوري من سكان هضبة الجولان، و تتألف هذه المجموعة بشكل عام من المواطنين الدروز السوريين الذين رفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية.
ومن ناحية أخرى، فإن الهجوم الصاروخي على هذه المنطقة يثير الكثير من الشكوك، ويقول بعض المحللين إن هناك احتمالا بأن يكون الصاروخ الذي أطلقته القبة الحديدية الإسرائيلية قد سقط بطريق الخطأ في ملعب مجدل الشمس، وخاصة أن القرية لا تعتبر هدفا لحزب الله، وقدر البعض الآخر نية "إسرائيل" للهجوم على مجدل الشمس على أنها محتملة ولم يرفضوها.
غموض واستفسارات
وبالنظر إلى أن تل أبيب تسعى فيما يبدو إلى نقل الحرب من غزة إلى مناطق أخرى، يبدو أن حادثة مجدل الشمس هي في الواقع ذريعة تل أبيب لجر حرب غزة إلى الجبهة الداخلية في لبنان، وفي هذه الحالة يُطرح بعض الغموض والتساؤلات حول نسب هجوم مجدل الشمس إلى حزب الله اللبناني:
لماذا ينفي حزب الله اللبناني؟
على الرغم من حقيقة أن حزب الله اللبناني قد نفذ عدة هجمات ضد مواقع صهيونية، إلا أنه من المشكوك فيه لماذا ينفي حزب الله الآن هذا الهجوم، في الواقع، لقد قبل حزب الله اللبناني المسؤولية عن جميع الهجمات ضد الصهاينة على الجبهة الشمالية، وحتى الآن لم يكن هناك مجال للإخفاء.
كما استهدف حزب الله اللبناني مواقع أكثر أهمية وأعلن عنها جميعاً علناً ورسمياً، وقبل نشر التقارير حول هجوم مجدل الشمس، كان حزب الله قد نفذ ما لا يقل عن أربع هجمات كبيرة أخرى ضد الغزاة وأعلن مسؤوليته عنها، بما في ذلك واحدة ضد المقر العسكري للواء الحرمون عند سفح جبل الشيخ، والذي تقع على الحدود مع لبنان، وتقع هذه القاعدة على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات من ملعب مجدل الشمس لكرة القدم الذي تم استهدافه، وقد أعلن حزب الله رسمياً عن عملياته فيها جميعاً، وحالياً، لا يبدو أن حزب الله كان له دور في هجوم مجدل الشمس، وقد أعلن ذلك رسمياً، ولا يوجد سبب لإخفاء هذه الحقيقة من قبل حزب الله.
من يستهدف المدنيين؟
لقد كان الهجوم على مجدل الشمس هجوماً على المدنيين في ملعب كرة القدم، وخلال حرب غزة، حتى الآن، استهدفت هجمات حزب الله اللبناني قواعد عسكرية وقوات العدوان العسكري الإسرائيلي، ولم تستهدف قوات حزب الله في أي من الهجمات السابقة مناطق سكنية أو مواطنين، وعلى النقيض من حزب الله اللبناني، فإن القوات الصهيونية هي التي استهدفت وذبحت نحو 40 ألف مدني فلسطيني في غزة وحتى في جنوب لبنان، ولذلك فإن للصهاينة تاريخ طويل في استهداف المدنيين، أما حزب الله اللبناني فيستهدف الأهداف العسكرية فقط.
من يهاجم القوى الداخلية؟
هناك عدة روايات تظهر أنه خلال هجوم ال7 من أكتوبر/تشرين الأول على الاحتلال الصهيوني العام الماضي، قامت القوات الصهيونية بمهاجمة المواطنين الإسرائيليين عن طريق الخطأ أو عمدا، وسبق أن قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تقرير كاشف لها خريف العام الماضي، إنه خلال مواجهات يوم ال 7 من أكتوبر (اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى)، التي أدت إلى مقتل أكثر من 1400 صهيوني، وقد قُتل بعض هؤلاء الأشخاص على يد الوحدات العسكرية الإسرائيلية، وترتبط تقارير هآرتس بشكل واضح بأحداث مهرجان الموسيقى في قرية رائيم القريبة من قطاع غزة، والذي قيل، إن طياري مروحيات الجيش الذين كانوا حاضرين في هذه العملية، خلافا للادعاءات السابقة، أخطؤوا وقاموا باستهدفت الإسرائيليين والأشخاص الحاضرين في المهرجان، وأطلقوا النار وقتل عدد كبير منهم.
كما يظهر تقرير آخر أن "باراك خيرم"، قائد القوات المساعدة في الجيش - الذي جاء إلى بيري لمواجهة المقاتلين الفلسطينيين - طلب من سلاح الجو الإسرائيلي ضرب روضة الأطفال في هذا المهرجان، لانه كان يعتقد أن يكون المحتمل أن يكون الفلسطينيون متواجدين هناك، وخلال هذا الهجوم، الذي تسبب في أضرار جسيمة لمبنى الروضة والمباني المحيطة به، قُتل أيضًا الكثير من السكان الإسرائيليين، ولم يتم الإعلان عن عددهم.
من المستفيد من الهجوم على أهالي مجدل الشمس؟
وسكان مجدل الشمس معظمهم من المواطنين السوريين الداعمين للرئيس بشار الأسد ومحور المقاومة، واستهداف هذه المنطقة من قبل حزب الله أو أي محور آخر للمقاومة أمر غير معقول، والحقيقة أن محور المقاومة لا يبحث عن هجوم على مجدل الشمس، لأن هذه المنطقة هي الأصل الاجتماعي للمقاومة داخل مناطق الجولان المحتلة، وعلى عكس حزب الله اللبناني وقوى المقاومة، تحاول "إسرائيل" جاهدة إجبار سكان مجدل الشمس على المواجهة والعداء ضد حزب الله اللبناني وقوات المقاومة.
والحقيقة أن إسناد الهجوم على مجدل الشمس في هضبة الجولان إلى حزب الله اللبناني يمكن أن يسبب انقساماً في الارتباط والوحدة بين دروز سوريا ولبنان مع محور المقاومة، وخاصة بعد طوفان الأقصى، وهذا هو الهدف الذي تسعى إليه "إسرائيل"، في الواقع، تسعى تل أبيب منذ فترة طويلة إلى خلق انقسام وتعطيل في محور المقاومة والشعب الدرزي في هضبة الجولان، والآن فإن نسب الهجوم الصاروخي على مجدل الشمس إلى حزب الله اللبناني يتماشى مع أهداف تل أبيب الخبيثة.
من يريد أن يجعل مجدل الشمس غير آمنة؟
ويجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا أن الصهاينة بذلوا الكثير من الجهد لجعل مجدل الشمس تبدو غير آمنة، وإن خلق حالة من الانفلات الأمني في مجدل الشمس يمكن أن يكون مقدمة للهجرة القسرية لسكان هذه المنطقة إلى مناطق أخرى بحجة توفير الأمن لحياة المواطنين الدروز، وتحاول "إسرائيل" منذ سنوات إقناع سكان مجدل الشمس الدروز بالانتقال إلى مناطق أخرى من أجل بناء قواعد عسكرية في مجدل الشمس للسيطرة على لبنان وسوريا، والآن يبدو أن هجوم مجدل الشمس هو مقدمة لانفلات أمني في هذه المنطقة من قبل الصهاينة لنقل المدنيين والدروز الذين يعيشون هناك إلى مناطق أخرى.