الوقت - أصبح الهجوم الصاروخي على منطقة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، والذي خلّف أكثر من 40 قتيلاً وجريحاً، ذريعةً لموجة جديدة من تهديدات الکيان الصهيوني ضد لبنان.
وبينما تتهم الولايات المتحدة والکيان الصهيوني حزب الله اللبناني بالتورط في الهجوم، يؤكد الحزب أن المجزرة نفّذت بواسطة نظام الدفاع الاعتراضي الإسرائيلي (المعروف باسم القبة الحديدية).
لكن مكتب بنيامين نتنياهو أصدر بياناً حذّر فيه من أن حزب الله "سيدفع ثمناً باهظاً لم يدفعه من قبل" جراء هذا الإجراء. ومن جهته، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس: إن "إسرائيل تقترب من لحظة حرب شاملة في الشمال ضد حزب الله"، وأوضح أن "هذا الحزب تجاوز الخط الأحمر، وسيكون رد إسرائيل حاسماً".
هذه التهديدات أعقبت رد حزب الله، الذي أعلن أن "أي مغامرة إسرائيلية سيقابلها رد مذهل، حتى لو كان الثمن هو بدء حرب شاملة، وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤوليتهم".
ويقال أيضًا إن حزب الله أبلغ اليونيفيل بأنه سيردّ بشكل حاسم على أي عملية عسكرية إسرائيلية، وتقول مصادر لبنانية إنه في حال وقوع أي هجوم، فإن ردّ حزب الله سيكون قوياً.
والآن، أثار الاستنفار العسكري والتهديدات الكلامية المتزايدة على جانبي الحدود اللبنانية والأراضي المحتلة، تكهنات حول احتمال نشوب حرب واسعة النطاق بينهما.
الأدلة المتوافرة حتى الآن، من شهادة شهود العيان الذين رأوا انطلاق صاروخ أنظمة الدفاع الإسرائيلية، إلی دوافع الصهاينة لتنفيذ عملية في منطقة نائية من الجولان السوري المحتل، وقتل الدروز المؤيدين للحكومة السورية، من أجل الاستخدام الدعائي والسياسي، والتحرر قليلاً من عبء الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة، يقدّم جميعها أدلةً على سيناريو يجري تنفيذه.
لكن، حتى لو اعتبرنا انفجار مجدل شمس حادثاً غير مقصود ناجماً عن خطأ في الأنظمة الدفاعية للكيان الصهيوني، فمع الهجمة الدعائية والسياسية التي يقوم بها قادة الصهاينة حول إلقاء اللوم على حزب الله وتهديد لبنان ببدء الحرب، من الآن فصاعدا السؤال الأساسي هو، ما هي حدود مساعي الکيان لاستغلال حادثة مجدل شمس؟ وهل سيناريو الحرب الشاملة على أجندة الصهاينة؟
يعيش في هضبة الجولان نحو 200 ألف عربي درزي، حيث إن مجدل شمس هي إحدى القرى المحتلة منذ عام 1967، وعلى عكس القرى الـ 163 التي هجّر الاحتلال الإسرائيلي سكانها منذ عام 1981، حافظ سكانها على هويتهم السورية حتى اليوم، ورفضوا الجنسية الإسرائيلية، وهذه المنطقة، التي تعتبر أرضًا محتلةً وفقًا للقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يسكنها أيضًا حوالي 50 ألف يهودي إسرائيلي.
وهذا العنصر مؤثر في الضغوط التي يمكن أن تُمارس على الحكومة الصهيونية المتطرفة على الساحة الداخلية، والحقيقة أن ترتيب أهمية سكان الأراضي المحتلة في کيان الفصل العنصري الصهيوني، هو حقيقة لا يمكن إنكارها، وخلال السنوات الماضية، احتج اليهود السود والأفارقة والآسيويون عدة مرات على التمييز الذي يواجهونه في البنية الاجتماعية والاقتصادية للنظام، مقارنةً باليهود الأشكناز.
ولذلك، على الرغم من ردود الفعل القوية والتهديدية التي اتخذها القادة الصهاينة على حادثة مجدل شمس، فإن حكومة نتنياهو العنصرية ليست مستعدةً بالتأكيد للرد بشكل متهور ضد حزب الله اللبناني، للانتقام من الدروز المناهضين للصهيونية.
خلال الأشهر التسعة الماضية، حيث الحرب مشتعلة في الجبهة الشمالية لحدود الأراضي المحتلة مع لبنان، كانت هناك العديد من الضربات العسكرية القاتلة التي تلقاها الصهاينة من حزب الله، ومن المؤكد أنه لو كان لدى الحكومة الصهيونية خطة للدخول في حرب واسعة النطاق مع لبنان، فلن يكون من الصعب تقديم الأعذار لهذا الإجراء.
وبعيداً عن الدعاية الإعلامية، فإن ما تواجهه وتدركه السلطات السياسية والعسكرية الإسرائيلية على مسرح الواقع الميداني، هو القوة التدميرية لحزب الله، وعدم القدرة على التنبؤ بعواقب دخولها الأراضي اللبنانية على سياسة وأمن واقتصاد الأراضي المحتلة، وهي القضية التي كانت أهم عامل يمنع الصهاينة من اختيار خيار الحرب واسعة النطاق مع لبنان.
في الأسابيع الأخيرة فقط، تمكنت صواريخ حزب الله وطائراته دون طيار من المرور بشكل متكرر عبر أنظمة القبة الحديدية الدفاعية العديدة التابعة للکيان، وتنفيذ عمليات استطلاعية وهجومية بنجاح في عمق الأراضي المحتلة، هذا في حين أن حزب الله لم يستخدم حتی ما يقرب من 10% من قدراته العسكرية في هذه الحرب.
والأمر الآخر هو خطر توسع الحرب، وهو ما يجعل الصهاينة والأمريكيين الداعمين لهم حذرين جداً في كتابة سيناريو الأيام المقبلة، وإذا تجاهلنا الهجمات الناجحة لمحور المقاومة في العراق واليمن على المراكز والشرايين الاقتصادية الاستراتيجية للکيان، فقد حذّرت إيران الکيان الإسرائيلي أيضاً من أي خطر جديد في لبنان، وهدّد ناصر كناني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية صراحةً، بأن "أي مغامرة جديدة، ستؤدي إلى عواقب غير متوقعة".
والجانب الأمريكي أيضًا، انطلاقاً من اعتبارات مختلفة، أهمها قلق الانتخابات الرئاسية، لا يريد أن تتوسع الحرب الإقليمية، لأن الحرب الإقليمية، بالإضافة إلى عواقبها التي لا يمكن إصلاحها على أمن الأراضي المحتلة وجرّ أمريكا إلى الصراع، ستؤدي إلى مشاكل كبيرة في مستوى أسعار النفط وسلسلة إمدادات الطاقة، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الوضع الاقتصادي للناخبين الأمريكيين ونتائج الانتخابات.
في ردود الفعل الأولية للکيان الصهيوني على حادثة مجدل شمس، قصف الجيش الصهيوني عددًا من القرى الحدودية اللبنانية الواقعة في منطقة صور (جنوب لبنان)، وقد يواصل هذا المسار في الأيام المقبلة؛ لكن من المتوقع أن تكون هذه الإجراءات ضمن إطار محدود، لا يدفع الطرف الآخر إلى توسيع الرد.