الوقت - في خطوة كانت أشبه بما يسمى "زلزالا سياسيا"، أعلنت محكمة العدل الدولية، مساء الجمعة ال 19 من تموز، بطلان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأمرت بإنهاء ذلك الاحتلال في أسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى إخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967.
وهو ما اعتبره كيان الاحتلال بمثابة الكابوس الأسوأ بين جميع السيناريوهات التي توقعتها تل أبيب، بسبب تداعياته التي ستضرب الاقتصاد الإسرائيلي، والمكانة الدولية ل"إسرائيل"، بالإضافة إلى زيادة وتيرة حملات المقاطعة والعقوبات.
وكعادة حكومة الاحتلال ما جاء منها إلا أنها رفضت الاعتراف أصلا بأي سلطة للمحكمة في هجوم سياسي عنيف.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: إن القرار "كاذب" و"يشوه حقائق تاريخية"، فيما اتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكنيست المحكمة بأنها "مختطفة على يد إسلاميين" وأنها "تدعم الإرهاب"، حسب وصفه.
ونادى وزراء من اليمين المتطرف في "إسرائيل"، مثل بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير بضم الضفة الغربية بالكامل بشكل فوري كرد على المحكمة التي اتهموها بـ"معاداة السامية".
فيما يتساءل الكثيرون عن تداعيات القرار؟ وما الذي ينتظر "إسرائيل" في الأيام المقبلة؟
ويعد هذا القرار هو الأبرز للمحكمة فلم يسبق أن أعلنت أي جهة رسمية او شعبية بأن الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 1967 "غير شرعي" ومخالف للقانون الدولي ويجب أن ينتهي.
وصوت قضاة المحكمة بأغلبية 11 صوتا مقابل 4، على إلزام "إسرائيل" بإنهاء احتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية في أسرع وقت ممكن.
كما صوتت محكمة العدل الدولية بأغلبية 14 صوتا مقابل صوت واحد، على وقف جميع الأنشطة الاستيطانية فوراً وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي المحتلة.
وصوت نفس عدد القضاة على إلزام "إسرائيل" بدفع تعويضات لجميع الفلسطينيين الذين تعرضوا لأضرار ناجمة عن الاحتلال.
وصوت 12 قاضيا مقابل 3، لمطالبة دول العالم بعدم تقديم العون أو المساعدة ل"إسرائيل" لمواصلة وجودها في الأراضي المحتلة عام 1967، ودعوة جميع الدول إلى التمييز بين "إسرائيل" واحتلالها أي أراضٍ فلسطينية، وعدم اعتراف المنظمات الأممية والدولية باحتلال "إسرائيل" أو ضمها للأراضي المحتلة.
كما صوت نفس القضاة على إلزام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تنظر في الآليات والعمليات التي يمكن من خلالها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في أسرع وقت ممكن.
ووفقا لمحكمة العدل فإن "إسرائيل" خالفت جميع الشروط التي تسمح بفرض الاحتلال العسكري تحت القانون الدولي، وأن إجراءاتها على الأرض تهدف لإبقاء الاحتلال للأبد بشكل دائم.
ومن ناحيته، عدد رئيس المحكمة، القاضي اللبناني نواف سلام، تلك الانتهاكات مثل ضم "إسرائيل" للقدس بشكل رسمي عام 1980 والقيام بضم فعلي للمنطقة "ج" التي تشكل مساحة أكثر من 60% من الضفة الغربية، وطرد وتهجير الفلسطينيين وتوسعة المستوطنات، بالإضافة إلى سرقة موارد الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومحاصرتهم وإطلاق يد المستوطنين للقيام بأعمال إرهابية ضد الفلسطينيين.
وفي رد فعل غاضب على القرار، هاجم الإسرائيليون من تيارات اليمين والوسط واليسار، المحكمة وقضاتها ووصفوها بأنها "معقل لأنصار حركة حماس".
ووصف وزير الأمن إيتمار بن غفير، المحكمة بـ"معاداة السامية"، وقال: إن الوقت قد حان لضم الضفة الغربية بشكل رسمي ل"إسرائيل".
وانضم له رئيس الحكومة نتنياهو الذي قال "الشعب اليهودي لا يحتل أرضه، لا في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في أرض أجدادنا في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)".
وأضاف: إن القرار الكاذب في لاهاي لن يشوه هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الطعن في شرعية الاستيطان الإسرائيلي في كل أراضي وطننا".
وانضم إليه زعيم المعارضة بيني غانتس، الذي قال إن "دولة إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط".
فيما دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريش، إلى تطبيق السيادة على الضفة الغربية "الآن" كرد على القرار، وانضم له جميع أعضاء حزب الصهيونية الدينية.
وعلق وزير الخارجية يسرائيل كاتس على القرار، قائلا: "رأي مشوه وأحادي الجانب، وخاطئ بشكل أساسي.. إنه يتجاهل الماضي، والحقوق التاريخية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وهو منفصل عن الحاضر بشكل منقطع النظير".
بينما اعتبر جوزيب بوريل، رئيس الدبلوماسية الأوروبية، القرار متوافقاً بشكل كبير مع مواقف الاتحاد الأوروبي.
وأكد بوريل في بيانه الصادر يو السبت أن “الاتحاد الأوروبي يأخذ علماً بهذا الرأي الاستشاري الصادر عن أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة”، وأوضح أن على إسرائيل “التوقف فوراً عن جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وأشار بوريل إلى أن هذه القرارات تتماشى مع مواقف الاتحاد الأوروبي، التي تتوافق تماماً مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأضاف: “في عالم مليء بانتهاكات القانون الدولي المتزايدة، من واجبنا الأخلاقي تأكيد التزامنا الثابت بجميع قرارات محكمة العدل الدولية”.
في حين انتقدت الولايات المتحدة في بيان لها الرأي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتخشى واشنطن من أن يؤدي القرار إلى تعقيد جهود حل القضية الإسرائيلية - الصراع الفلسطيني .
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عبر البريد الإلكتروني: "لقد أوضحنا أن برنامج دعم الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات لا يتوافق مع القانون الدولي ويعرقل قضية السلام"، ومع ذلك، تعرب الولايات المتحدة عن قلقها بشأن نطاق رأي المحكمة، قائلة إنه "قد يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى حل الصراع وتحقيق السلام العادل والدائم الذي تشتد الحاجة إليه، حيث تعيش دولتان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن".
وفي سياق متصل أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في أن يشكل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية اعتبار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير شرعي، "صحوة لدى المجتمع الدولي".
فهل ستثمر هذه الخطوة عن عمل حقيقي باتجاه إنهاء وجود الاحتلال في فلسطين.