الوقت- في ظل الوضع الذي وصل فيه التوتر بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني إلى نقطة الغليان في الأيام الأخيرة وتزايد خطر نشوب صراع واسع النطاق، بدأ قادة المقاومة بالفعل بتحذير الدول التي قد تتدخل في هذه المعركة.
كما خاطب السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في كلمته مساء الأربعاء حول التطورات في غزة والتوتر مع الكيان الصهيوني في الجبهة الشمالية، بالإضافة إلى سلطات تل أبيب، رجال الدولة القبارصة كشركاء لهذا الكيان وقال: "إسرائيل تعتقد أنه إذا استهدفت مطاراتها، فإنها ستستخدم مطارات ومنشآت قبرص لمهاجمة لبنان، ولذلك على الحكومة القبرصية أن تعلم أن فتح المطارات والقواعد القبرصية أمام الحرب ضد لبنان سيجبر المقاومة على التعامل مع قبرص وكأنها جزء من الحرب".
وهذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها زعيم حزب الله قبرص باعتبارها عضوا في الاتحاد الأوروبي الواقع في البحر الأبيض المتوسط، ويأتي تحذير السيد نصر الله ردا على التهديدات المتزايدة التي أثارها قادة الكيان الصهيوني حول إمكانية فتح جبهة حرب على الحدود الشمالية مع لبنان لإظهار أن المقاومة على أتم الاستعداد لمثل هذه الظروف وحتى لتوسيع جبهات الحرب ضد القدرات العسكرية الصهيونية.
قبرص تخشى تحذيرات "نصر الله"
وحسب وسائل إعلام لبنانية، فإن تصريحات الأمين العام لحزب الله تزامنت مع زيارة وفد من جهاز المخابرات القبرصية إلى بيروت ومفاوضات هذا الوفد مع إدارة المخابرات في الجيش اللبناني بشأن موضوع الهجرة غير الشرعية، وحسب «الأخبار»، شاركت السلطات اللبنانية في هذا اللقاء تحذيرات «حزب الله» للسلطات القبرصية، وتعهد رئيس الوفد القبرصي بعدم السماح لأي دولة باستخدام أراضيها وقواعدها الجوية لمهاجمة لبنان، ومدينة "بافوس" هي المكان الذي يعتقد حزب الله والمسؤولون اللبنانيون أن "إسرائيل" تنظم من هناك حركات مناهضة للمقاومة.
لكن من أجل تبرئة أنفسهم، أعلن القبارصة في المفاوضات أن هناك قاعدتين بريطانيتين في هذا البلد لا تخضعان لسيادة الحكومة، وهو ذريعة من غير المرجح أن تتمكن من حماية قبرص من نطاق الأهداف المشروعة للمقاومة، في حال مشاركة هذا البلد في العمليات العسكرية للصهاينة ضد لبنان.
وفي هذا الصدد رد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس على تهديد نصرالله وقال: «لقد قرأت التصريحات التي صدرت وما يجب علي فعله، الجواب هو أن جمهورية قبرص ليست منخرطة على الإطلاق في صراعات حربية، فهي ليست جزءا من المشكلة بل جزءا من الحل، ودورنا في ذلك يظهر، على سبيل المثال، من خلال المساعدات الإنسانية لغزة، وقد تم الاعتراف بهذا الممر ليس فقط من جانب العالم العربي، بل أيضاً من جانب المجتمع الدولي ككل.
كما أكد وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس أن قبرص لا تشارك في أي عمليات عسكرية يمكن أن تبرر مثل هذه التهديدات، وقال: "التهديدات لا أساس لها من الصحة، ونحن نعمل بنشاط منذ أشهر بالتعاون مع مختلف الدول والأمم المتحدة لدعم شعب غزة"، لذلك نحن نستغرب بقدر اتهامات نصر الله نفسها، لأنها لا علاقة لها بتصرفات قبرص أو مبادئها”.
ويبدو أن تحذيرات نصر الله زرعت الكثير من الخوف في حياة القبارصة ويخافون من الانجرار إلى حرب مدمرة، وفي هذا الصدد عكست رويترز مزاج شوارع بافوس في تقرير نقلت عن قبارصة وسكان الجزيرة قولهم إنهم يشعرون بالقلق بعد تهديد نصر الله معتبرين أنه لا علاقة لهم بالحرب في شرق قبرص ولا يريدون ذلك.
وأصر الحزب الشيوعي المعارض، ثاني أكبر حزب قبرصي، على أن قبرص يجب أن تكون "جسراً للسلام والتعاون، وليس قاعدة حرب أو ساحة تدريب لأي جيش أجنبي"، وأكد: أن "هدف قبرص هو القتال للتخلص من الجيوش الأجنبية في جزيرتنا، وأي وجود عسكري أجنبي في هذه الجزيرة لا يزيد من أمن شعبنا، بل يزيد من المخاطر والأعداء".
وفي الأشهر التسعة الماضية، أثبت حزب الله تصميمه على دعم الشعب الفلسطيني، ولم تمنع تهديدات القادة المتطرفين في تل أبيب هذه الحركة من مواصلة عملياتها فحسب، بل إن الهجمات على الأراضي المحتلة أصبحت أكثر عنفاً وانتشارا يوما بعد يوم.
وحذر قادة حزب الله من أنهم لم يستخدموا سوى جزء صغير من ترسانة أسلحتهم، وأنه في حالة نشوب صراع واسع النطاق، فإنهم سيفتحون أبواب الجحيم للصهاينة، وحسب تصريحات سيد المقاومة فإن قبرص أو داعميها الغربيين لن يسلموا من غضب قوى المقاومة.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن خطاب نصر الله كان جزءًا من حرب نفسية، تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى أعداء حزب الله مفادها بأن أي محاولة من جانب "إسرائيل" لتوسيع نطاق الحرب ومهاجمة لبنان ستكون لها عواقب وخيمة على جميع حلفاء "إسرائيل" الغربيين، وخاصة أنه سيكون لها منطقة، وقال كريم إميل بيطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القديس يوسف في بيروت، لقناة الجزيرة: "إن الحرب النفسية التي يشنها حزب الله يمكن أن تجبر الاتحاد الأوروبي على الضغط على إسرائيل لتقليص نطاق المعركة ضد لبنان".
دور قبرص في حرب غزة
ورغم أن كلام السيد حسن نصر الله أعاد اسم قبرص إلى الواجهة، إلا أن عدة تقارير حول دور هذه الدولة في مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشأن حرب غزة كانت قد نشرت قبل أشهر، ومع استمرار جرائم "إسرائيل" في غزة والحصار المفروض على هذا القطاع والذي تسبب في أزمة إنسانية، تزايدت أيضا الضغوط الدولية والطلبات المتكررة لإرسال مساعدات إنسانية إلى غزة، وفي هذه الأثناء فإن قبرص وبسبب قربها من الاحتلال، فهي مركز إرسال المساعدات إلى القطاع، وقد تم اختيار الطريق البحري إلى غزة، وأرسلت في الأشهر الماضية عدة سفن محملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة.
وحتى قبرص يقال إنها كانت تحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بالتبرع بمليار يورو للبنان في الأشهر الماضية، وفي مايو أكد مسؤول قبرصي أن الاتحاد وافق على طلب مساعدة مالية لمنع اللاجئين السوريين من الدخول الى لبنان، وأعلنت فون دير لاين، رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي: "أن هذه الحزمة البالغة مليار دولار، والمتاحة حتى عام 2027، سيستخدمها شعب لبنان، الذي هو في أمس الحاجة إليها، وستساعد على إرساء الأمن والاستقرار في لبنان"، كما أنه مع بناء الرصيف الأمريكي العائم، لعبت قبرص دورا أقوى في تنفيذ البرامج الأمريكية الصهيونية في غزة.
مكانة قبرص في تحالفات "إسرائيل" الإقليمية
تعد قبرص أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي وأقرب دولة أوروبية إلى الشرق الأوسط، في جوار تركيا ولبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وتتمتع في هذا الصدد بموقع جيوسياسي مهم، فتح المجال أمامها، وقدم البلاد إلى المسابقات الإقليمية إلى حد ما.
وفي السنوات الأخيرة، وسعت قبرص علاقاتها مع الكيان الصهيوني واستضافت مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الصهيوني عدة مرات، وكانت بمثابة هجوم على لبنان، بالإضافة إلى ذلك، تتمتع وكالات التجسس الموساد والشين بيت بعلاقة وثيقة للغاية مع منظمة المخابرات القبرصية، ما يدل على النمو السريع للعلاقات الثنائية.
وخلافا لتصريحات السلطات القبرصية بأنها لا تشارك في أي عمل ضد لبنان، كشفت صحيفة الغارديان في تقرير لها الجمعة، أن قبرص سمحت للكيان الصهيوني باستخدام مجالها الجوي لإجراء تدريبات محاكاة ضد هجوم إيران على "إسرائيل".
ومنذ أن وافقت حكومة نتنياهو مؤخراً على خطة مهاجمة لبنان، تزايدت المخاوف من توسيع نطاق الحرب إلى ما وراء حدود لبنان والأراضي المحتلة، ولذلك، ربما تعول "إسرائيل" على حلفائها في المنطقة للمساعدة في أي حرب مع حزب الله، ويمكن لقبرص، بسبب قربها من الأراضي المحتلة ووجود ميناء على البحر الأبيض المتوسط، أن تقدم مساعدة كبيرة للصهاينة.
وتوجد في هذه الجزيرة قاعدتان "أكروتيري" و"دقلية" منذ أن كانت قبرص جزءاً من الإمبراطورية البريطانية، وتعمل هاتان القاعدتان الجويتان البريطانيتان الآن بشكل مستقل ولا تملك الحكومة القبرصية أي سيطرة عليهما، وفي نوفمبر الماضي، قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها ستستخدم هذه القواعد للمساعدة في إنقاذ الأسرى البريطانيين في غزة والقيام بطلعات استطلاعية في شرق البحر المتوسط فوق فلسطين ولبنان المحتلتين، ولذلك، فمن غير المستبعد أن يتم استخدام الجزيرتين التابعتين لإنجلترا لتقديم الدعم الجوي واللوجستي للصهاينة في الهجوم على لبنان، وسوف تتذرع السلطات القبرصية بحجة أن هذه القواعد ليست تحت تصرفها.
وفي مارس 2023، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن "إسرائيل" تحاول السيطرة على ميناء قبرص بحجة دعم استيراد البضائع، في حال استهداف ميناء حيفا شمال فلسطين المحتلة، وحسب هذه الصحيفة، فإن الإجراء المذكور يأتي في إطار سعي تل أبيب لإيجاد حل بحري لاستيراد البضائع إلى الأراضي المحتلة، وخاصة في ظل التحديات التي يواجهها الكيان في البحر الأحمر هذه الأيام مع صدور أمر بحظر استيراد البضائع إلى الأراضي المحتلة من قبل أنصار الله في اليمن.
إن العلاقات الودية بين قبرص والكيان الصهيوني، بالإضافة إلى البعد العسكري، تسير أيضًا على طريق التقدم في مجال التجارة والطاقة، وفي السنوات الأخيرة، شهدت اليونان وقبرص، وكلاهما عضوان في الاتحاد الأوروبي، توترًا كبيرًا مع تركيا بشأن سفن التنقيب التركية في البحر الأبيض المتوسط وقبالة سواحل قبرص، ومن أجل زيادة ثقلهما ضد تركيا، قامتا بذلك، لقد أضافوا "إسرائيل" إلى التحالف حتى يتمكنوا من استخراج موارد النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو نزاع مع تركيا، والحصول على فوائد كبيرة بهذه الطريقة.
كما أن قبرص جزء من ممر "الهند-الشرق الأوسط-أوروبا" الذي اقترحه الرئيس الأمريكي جو بايدن في سبتمبر الماضي، وهذا الممر الذي يهدف إلى تطوير التجارة البحرية مع الكيان الصهيوني، ضاعف دور قبرص بالنسبة للصهاينة، وبالنظر إلى رسو السفن القبرصية في ميناء حيفا، فليس من المستبعد أن تستورد هذه السفن أسلحة غربية إلى الأراضي المحتلة تحت ستار المساعدات الإنسانية لغزة في حالة نشوب صراع بين "إسرائيل" وحزب الله، وما لا شك فيه أن نصر الله حث القادة القبارصة على الابتعاد عن الدخول في أي صراع بين المقاومة وتل أبيب، لأنهم قد يتذوقون صواريخ المقاومة.