الوقت- منذ بداية الحرب على غزة التي توصف بأنها الحرب الأكثر دموية للصحفيين في التاريخ الحديث حيث شكلت حجم الجرائم الدولية التي ترتكب بحق الصحفيين، وخطورتها وطبيعتها المتكررة، أمراً يستدعي إعطاء الأولوية لإجراء تحقيق من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ما دفع منظمة مراسلون بلا حدود إلى تقديم ثالث شكوى حول مقتل صحفيين في غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد شكوى أولى في الـ31 من تشرين الأول (أكتوبر) وأخرى في الـ22 من كانون الأول (ديسمبر).
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، قتل 147 صحفيًا في القطاع الفلسطيني، (أي 12 في المئة من إجمالي عدد الصحفيين في غزة)، وفقدان الكثيرين منهم أفراداً من عائلاتهم وأصدقائهم وأحبائهم، وقد وصفت المنظمة ما تتعرّض له الصحافة الفلسطينية بأنه "اجتثاث"، وحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في الـ16 من مايو الجاري، تم فيه التأكيد أن الاحتلال يتبع سياسة ممنهجة تهدف إلى ترهيب الصحفيين وإسكات أصواتهم من أجل التعتيم والإخفاء على جرائمها داخل القطاع.
تؤكد الشكوى على مناشدة "مراسلون بلا حدود" المدعي العام بتطبيق المادة 15 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بمنح الأولوية بالتحقيق في جرائم الجيش الإسرائيلي بحق الصحفيين في غزة منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومن جانبها، ذكرت المحكمة الجنائية الدولية في شهر يناير أنها تحقق في جرائم محتملة ضد الصحفيين منذ اندلاع الحرب في غزة.
تفاصيل شكاوي "مراسلون بلا حدود"
حسب بيان المنظمة "بعد تقديم مراسلون بلا حدود للشكوى الأولى بتاريخ الـ 31 من أكتوبر/تشرين الأول والثانية في الـ 22 من ديسمبر/كانون الأول، تأتي الثالثة لتوثِّق ثماني حالات جديدة لقتل صحفيين فلسطينيين بين الـ 20 من ديسمبر/كانون الأول 2023 والـ 20 من مايو/أيار 2024، بالإضافة إلى حالة أخرى تعرّض فيها الصحفي للإصابة، مع العلم أن الصحفيين المعنيين كافة الذين قُتلوا أو أصيبوا كانوا يمارسون نشاطهم المهني، ولدى مراسلون بلا حدود قناعة تستند إلى أسباب معقولة لاعتبار أن بعض هؤلاء الصحفيين تعرّضوا للقتل عمداً، وأن الآخرين كانوا ضحية هجمات متعمدة للجيش الإسرائيلي على المدنيين".
الإفلات من العقاب خطر عالمي
ونقل البيان عن مدير المرافعة والدعم في "مراسلون بلا حدود"، أنطوان برنار، أن "الإفلات من العقاب يُعرِّض الصحفيين للخطر، لا في فلسطين فحسب، بل في أرجاء العالم كافة، فأولئك الذين يقومون بقتل الصحفيين يُهاجمون حق الناس بالحصول على المعلومات، وهو أمر تتضاعف أهميته أكثر خلال فترات النزاعات، ويجب أن يخضع أولئك للمحاسبة، وستستمرّ مراسلون بلا حدود في مساعيها لتحقيق ذلك، تضامناً مع الصحفيين في غزة"، وإلى جانب تقديم تفاصيل الحالات التسع الجديدة، شددت "مراسلون بلا حدود" على طلبها بأن يُحقق المدعي العام في جميع حالات قتل الجيش الإسرائيلي للصحفيين في غزة منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول.
قتل أُسر الصحفيين وارتكاب مجازر بحقهم "إجرام إسرائيلي ممنهج"
لم تكتفِ آلة الإجرام الإسرائيلية بالمجازر بحق الصحفيين بل استهدفت أسرهم بشكل واسع النطاق وغير مسبوق في التاريخ غالباً، ما يشكل نمطاً واضحاً لاستهداف الصحفيين وعائلاتهم من قبل الجيش الإسرائيلي.
وكانت جريمة قتل أسرة الصحفي وائل الدحدوح مدير مكتب قناة "الجزيرة" في غزة، التي تمت على عدة مرات، من أبشع جرائم الاحتلال، فلقد بدأت في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حينما استُهدفت بغارة جوية أسرته التي نزحت من تل الهوا (شمال غزة) إلى مخيم النصيرات للاجئين، ما أدى إلى استشهاد زوجته وابنه محمود وابنته شام البالغة من العمر 8 سنوات.
وبعد أسابيع من مقتل زوجته وابنته وابنه وحفيده، اغتالت القوات الإسرائيلية في الـ 7 من يناير/كانون الثاني 2024، حمزة وائل الدحدوح المصور الصحفي، البالغ من العمر 27 عاماً، إلى جانب الصحفي في قناة الجزيرة مصطفى ثريا.
منطق الحساب والعقاب غير موجود في القاموس الإسرائيلي
أثبتت جميع الحروب التي وقعت في المنطفة وكانت "إسرائيل" كالعادة طرفاً بها أن تعامل الجيش الإسرائيلي مع حوادث القتل التي تعرض لها الصحفيون يعتمد على التعتيم المتكرر والتهرب من التحقيق وتبقى مزاعم حكومة الاحتلال بأنها ستحقق في استهداف جيشها للصحفيين مرتبطة بالضغوط الخارجية حيث تقوم ببعض التحقيقات السريعة والخفيفة في مقتل الصحفيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، ولكن ذلك نادراً ما يحدث مع الصحفيين الفلسطينيين المستهدفين، وفي النهاية لا أحد منهم نال أي نوع من العدالة
ختام القول
أظهرت الحرب الحالية على غزة مدى تخلي الحكومات والساسة في الغرب، باعتبارهم حملة لشعار الديمقراطية، عن ضميرهم الأخلاقي، ومسؤولياتهم الأخلاقية، ودوافعهم الإنسانية، وينبغي تذكير هذه الحكومات بأن الصحفيين يقدمون حقائق في وقت التضليل والمعلومات المضللة، وحتى أثناء التعتيم الإعلامي، إنهم الذين يساعدون في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واستعادة إنسانيتهم، وتحفيز الناس في جميع أنحاء العالم للوقوف في وجه الظلم ومقاومة الاستعمار ودعوة حكوماتهم للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل إجبارها على وقف إطلاق النار.
من هنا يجب أن تكون الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها منظمة مراسلون بلا حدود بداية لانتفاض جميع المنظمات الإنسانية العاملة في غزة ومنها منظمة أطباء بلاحدود التي عانت وكادرها ويلات الإجرام الصهيوني والتي أكدت في بيان لها، "شهد زملاؤنا نمطًا متكررًا من الهجمات على الرعاية الصحية والمدنيين بشكل مباشر، ورغم اتّخاذ كل الاحتياطات اللازمة لإبراز هويتنا والمطالبة بالحمايات الممنوحة لنا بموجب القانون الدولي الإنساني، إلا أننا تعرّضنا للهجوم العنيف أكثر من 20 مرة، فالفرق الطبية تُقتل وتُعتقَل ويُساء معاملتها بشكل منتظم من قبل القوات الإسرائيلية".
