الوقت- أخيراً، وبعد ثماني سنوات من الإهمال والكلام السيئ للحكومة الهندية للاستثمار في ميناء تشابهار، تم يوم الإثنين توقيع عقد طويل الأمد بين إيران وشركة IPGL الهندية لتطوير ميناء تشابهار، ويتضمن هذا العقد، الذي تم توقيعه بحضور مهرداد بازارباش، وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني، ومسؤولين هنود، تجهيز وتشغيل محطات الحاويات والبضائع العامة في ميناء تشابهار، وزاد مبلغ هذا العقد بمقدار 35 مليون دولار إلى 120 مليون دولار ومدته 10 سنوات، كما ذكر مسؤولو هيئة الموانئ والملاحة البحرية أنه تمت إضافة ثلاث آلات لشفط الحبوب بطاقة 600 طن في الساعة إلى العقد السابق.
وعلى هامش توقيع الاتفاقية بين إيران والهند لتطوير تشابهار، قال وزير الطرق والتنمية الحضرية للصحفيين: "لدينا تخطيط منتظم في تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق والبحر، ويستمر نمو النقل في مختلف القطاعات في إيران"، وذكر بازرباش: "أن هناك خطًا مباشرًا لشحن الحاويات بين إيران والهند والصين، وفي العام الجديد زاد نقل البضائع على هذا الطريق، وسيتم قريباً إطلاق شركة شحن مشتركة بين إيران والهند.
ويلعب ميناء تشابهار دورًا إستراتيجيًا في الفرع الشرقي لممرنا بين الشمال والجنوب، وبعد الانتهاء من قسم السكك الحديدية بين تشابهار وزاهدان بحلول نهاية العام، سيخدم هذا الميناء تنمية العبور في البلاد بشكل أكبر"، وقال عن تغير مبلغ العقد الهندي في ميناء تشابهار: "قيمة العقد سابقا كانت 85 مليون دولار، ارتفعت إلى 120 مليون دولار، كما لدينا 250 مليون دولار في قطاع التمويل، ما زاد العدد إلى 370 مليون دولار".
والتقى سفير الهند لدى إيران، رودرا غوراف شريست، يوم الأحد الماضي، مع نائب وزير الطرق والتنمية الحضرية والرئيس التنفيذي لمنظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية، وخلال الزيارة إلى ميناء تشابهار، قال: إن الهند تلتزم بالتزاماتها لتطوير ميناء تشابهار، كما قال سارباناندا سونوال، وزير الموانئ والشحن والممرات المائية الهندي، في حفل توقيع عقد تجهيز وتشغيل محطات الحاويات والبضائع العامة في ميناء تشابهار: "يعد تشابهار ميناء قيمًا من حيث العبور ويمكن أن يُستخدم في اتصال الهند مع أفغانستان والدول الاخرى"، كما التقت سونوال وتحدثت مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وفي هذا الاجتماع، قال وزير الخارجية: "إن نهجنا في العلاقات مع الهند هو نهج إستراتيجي ونحن على استعداد لتوسيع تعاوننا مع الهند على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف وفي إطار منظمات البريكس وشانغهاي".
وقال أمير عبد اللهيان إن إيران تعتبر الهند شريكًا موثوقًا به، وشدد على نهج طهران في التعاون طويل الأمد مع الهند، وقيّم وزير الخارجية إبرام عقد تجهيز وتشغيل محطات ميناء الشهيد بهشتي في تشابهار وتعزيز التعاون في الممر الشمالي الجنوبي باعتباره فرصة مهمة للغاية لتوسيع حجم العلاقات التجارية بين البلدين والمنطقة، وأعرب عن استعداد مختلف الإدارات في الحكومة الإيرانية للمساعدة في تنفيذ هذا العقد، كما أعرب سونوال في هذا اللقاء عن ارتياحه لإبرام هذه الاتفاقية وقيم هذا اليوم بأنه مهم وتاريخي في العلاقات بين البلدين والروابط الإقليمية، وأضاف: "اليوم شهد البلدان، إيران والهند، توقيع عقد طويل الأجل لتجهيز ميناء الشهيد بهشتي، ونعتقد أن هذا العقد يمكن أن يوفر فرص تطوير الأعمال للبلدين".
وقال وزير الشحن الهندي: إن هذه الاتفاقية لا تعزز العلاقات بين البلدين العظيمين إيران والهند فحسب، بل إنها أيضًا خطوة قوية للهند في سلسلة التوريد العالمية والقطاع البحري، ووصفت سونوال هذه الاتفاقية بأنها جزء من خطط الأعمال الهندية التي توفر ممرًا تجاريًا بديلاً للهند وإيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، وأكد هذا المسؤول الهندي: "اليوم نقوم بخطوة تاريخية بين إيران والهند، بالنظر إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، وقبل ذلك تم توقيع اتفاقية عام 2016، والآن تم توقيع عقد طويل الأجل، وهو علامة على الثقة بين البلدين، "لقد تبادلت وجهات النظر بشكل جيد للغاية مع وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني فيما يتعلق بالنقل والممر بين الشمال والجنوب، وسنبذل قصارى جهدنا لتطوير ميناء تشابهار قدر الإمكان"، وحسب الاتفاقية طويلة الأمد الموقعة بين إيران والهند، يبدو أن عملية تعاون الهند في هذا الميناء الإستراتيجي ستأخذ منحى أكثر جدية، وستخلق هذه المذكرة فصلاً جديداً في العلاقات الثنائية في القطاع التجاري.
تأثير الاتفاق على العلاقات الاقتصادية بين إيران والهند
إن التغيرات الأمنية والسياسية التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين دفعت الدول الرائدة في المجال الاقتصادي إلى التعاون الإقليمي، كما أن القوى الناشئة في الشرق، والتي تجهز نفسها لتصبح قوة عظمى في النظام العالمي الجديد، تنظر إلى دور ومكانة إيران كمنطلق في هذا الاتجاه وتحاول توسيع علاقاتها مع طهران، وفي هذه الأثناء، قدمت إستراتيجية "النظر إلى الشرق" للحكومة الثالثة عشرة العديد من عوامل الجذب للدول الآسيوية، ويدل تطور العلاقات بين إيران والهند في السنوات الأخيرة على أن نيودلهي تحاول تعزيز علاقاتها مع إيران في كل المجالات.
قبل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2017، كانت التبادلات التجارية بين إيران والهند في حالة مقبولة، وكانت هذه الدولة ثاني أكبر مشتر للنفط الإيراني، ولكن في السنوات الأخيرة، تحت تأثير العقوبات الجائرة، ومع سياسات الولايات المتحدة، عانت هذه العلاقات كثيرا، لكن وسائل الإعلام الهندية أعربت عن أملها في إعادة هذا الوضع إلى الماضي.
ويعد ميناء تشابهار، الذي يقع في أقصى جنوب شرق إيران، أحد المكونات الرئيسية لمبادرات الاتصال الهندية ويحظى بأهمية كبيرة لأنه يوفر طريقًا مناسبًا وأقصر للتجارة بين الهند وإيران وأفغانستان وآسيا الوسطى، والغرض من استثمار الهند في هذا الميناء هو الوصول إلى أفغانستان ودول آسيا الوسطى دون الحاجة إلى جارتها المنافسة باكستان، لأن البضائع الهندية يمكن أن تصل إلى آسيا الوسطى عبر ميناء تشابهار بدلا من المرور عبر ميناء كراتشي في باكستان، كما أن اهتمام الهند بميناء تشابهار يأتي في إطار الممر الشمالي الجنوبي الذي يوفر إمكانية نقل بضائع التصدير من الساحل الغربي للهند إلى أوروبا، وفي العقد الماضي، كانت الهند تتطلع إلى دخول خطوط السكك الحديدية الإيرانية إلى الأسواق الأوراسية، ولهذا الغرض، استثمرت في ميناء تشابهار لتسريع العملية التجارية مع إيران وجمهوريات آسيا الوسطى.
وفي عام 2015، توصلت الهند إلى اتفاق مع إيران بشأن تطوير ميناء تشابهار وبناء خط للسكك الحديدية يربط الهند بأفغانستان، وفي عام 2016، وقع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتفاقية استثمار بقيمة 500 مليون دولار خلال زيارته لإيران، وفي وقت سابق، اقترح وزير الخارجية الهندي أن يقع ميناء تشابهار في الممر الدولي بين الشمال والجنوب من أجل الوصول الآمن ودون عوائق لدول آسيا الوسطى إلى البحر، وكان وزير خارجية الهند قد قال في وقت سابق: "عبر ميناء تشابهار لن تصل الهند إلى مناطق آسيا الوسطى فحسب، بل هناك احتمال أن تصل أيضا إلى روسيا وسنصل إلى روسيا عبر شمال إيران، واليوم كيف يمكن ذلك؟ إن إنشاء طرق اتصال للدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية أمر مهم للغاية".
ورغم أن الهنود تحت تأثير العقوبات الأمريكية لم يفعلوا الكثير لتطوير التجارة عبر ميناء تشابهار، فإن استثمار نيودلهي في هذا الميناء الإستراتيجي لن يساعد فقط على النمو الاقتصادي والازدهار في إيران، بل سيسرع أيضًا عملية التجارة الإقليمية مع دول آسيا الوسطى، وتقع إيران عند تقاطع بعض ممرات النقل الدولية المهمة، مثل الممر الشمالي الجنوبي، والممر الشرقي الغربي، وبرنامج ممر النقل بين أوروبا والقوقاز الآسيوي، وقد حاول كلا البلدين تحديد قدرات العبور الإيرانية من أجل استكمال هذه المشاريع، ونتيجة لذلك، يُنظر إلى ميناء تشابهار على أنه بوابة لإطلاق إمكانات الهند التجارية مع الدول الأوروبية لأنه يوفر طريقًا أقصر إلى أوروبا.
وشهدت التبادلات التجارية بين طهران ونيودلهي نموا في العامين الماضيين، وتشير الإحصاءات التي نشرتها مؤخرا وزارة التجارة والصناعة الهندية إلى أن إجمالي تجارة البلاد مع إيران بلغ 377 مليون دولار في الشهرين الأولين من هذا العام، وشهدت التبادلات التجارية بين إيران والهند في شهري يناير وفبراير 2024 نموا بنسبة 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وأفادت التقارير بأن قيمة التجارة بين البلدين في الشهرين الأولين من عام 2023 بلغت 358 مليون دولار.
جوهرة المحيط الإيراني... تنافس الهند مع الصين
إن موقع تشابهار الإستراتيجي، بالقرب من ميناء جوادار المنافس في باكستان، جعل الميناء جذابًا للهند، حيث أصبح ميناء تشابهار أكثر أهمية عندما بدأت الصين في تطوير ميناء جوادار كجزء من مبادرة الحزام والطريق، ووقعت باكستان والصين اتفاقية لبناء ميناء بحري عميق في جوادار في السنوات الماضية، ولذلك، فإن التقارب الاقتصادي للهند مع إيران يجري في سياق المنافسة الاقتصادية مع الصين وباكستان، وحسب التقارير، وقعت بكين اتفاقية تشغيلية طويلة الأمد مع إسلام آباد يوم الأحد لمدة 40 عامًا، وتم توقيع الاتفاقية بهدف دعم التجارة الصينية المطلة على منطقة الخليج الفارسي وبحر العرب، وكذلك نقل الطاقة عبر خط أنابيب يمتد على طول شمال وجنوب باكستان، وتحاول الهند والصين الحصول على مكانة أعلى في الاقتصاد العالمي في العقود القادمة، ويتم الاستثمار في ممرات العبور أيضًا في هذا الاتجاه، لأن دور خطوط السكك الحديدية هذه في تنمية التجارة العالمية يتزايد يومًا بعد يوم، وكل دولة تستخدم ممرات العبور التي تهيمن عليها من أجل أن يصبح وزنها أقوى في ساحة المنافسة الاقليمية والعالمية.