الوقت- في تحليل عميق للوضع الراهن في قطاع غزة، أشار يوآف زيتون، الخبير العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، إلى تطورات مهمة تشير إلى نجاح حركة حماس في استعادة مناطق كبيرة كانت قد تعرضت للهجوم الإسرائيلي من قبل، وتأتي هذه التطورات في ظل تركيز الجيش الإسرائيلي حربه على مدينة رفح في جنوب القطاع، ما أتاح لحماس فرصة ذهبية للعودة وتنظيم صفوفها من جديد، ولا شك أن تركيز الجيش الإسرائيلي على العمليات العسكرية في مدينة رفح أدى إلى غياب السيطرة على مناطق أخرى في القطاع، وقد استغلت حماس هذه الثغرة بذكاء، لتعود إلى هذه المناطق وتشن حرب عصابات ضد الجيش الإسرائيلي.
تقدم كبير لحماس
بالفعل، تمكنت حماس من التقدم في استعادة أراضٍ كبيرة ما أجبر الجيش الإسرائيلي على إعادة النظر في استراتيجياته العسكرية في قطاع غزة، كما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أنشأ مؤخراً قواعد ومساكن له على طول ممر نتساريم، المعروف بممر صلاح الدين، يأتي ذلك بهدف توفير وجود عسكري مستمر وسريع في تلك المناطق، إلا أن هذا الانتشار لم يكن كافيًا لمنع حماس من تعزيز قوتها العسكرية، وعلى الرغم من انتشار مئات الجنود الإسرائيليين، نجحت حماس في تجميع عناصرها من مختلف المناطق ودعم كتائبها في المنطقة الوسطى من القطاع.
وبالتالي، استخدمت حماس استراتيجيات حرب العصابات بمهارة، من خلال نصب الكمائن والأفخاخ المختلفة لمواجهة تقدم الجيش الإسرائيلي.
الجيش الصهيوني، بدوره، يواجه تحديات كبيرة في تفكيك هذه الكتائب التي أصبحت أكثر تنظيماً وصلابة، حيث يتزايد القلق الإسرائيلي من سيناريو محتمل يمكن أن يتحول إلى كابوس عسكري، وهو تدفق آلاف المدنيين من غزة باتجاه المناطق الشمالية عبر محور نتساريم، وهذا السيناريو، إذا تحقق، سيكون بمثابة انتصار آخر لحماس، وسيتسبب في مواجهات دعائية أكثر سلبية لـ"إسرائيل"، حيث ستواجه قواتها العسكرية مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى أزمة إنسانية ودعائية.
وإن التطورات الأخيرة في قطاع غزة تشير إلى تحول كبير في ديناميكية الصراع بين حماس والآلة العسكرية الإسرائيلية، ونجاح حماس في استعادة مناطق كبيرة، وإن تطبيق استراتيجيات حرب العصابات يعكس تغيراً في موازين القوى الميدانية، فالجيش الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة في تأمين المناطق المستعادة، ما يتطلب إعادة تقييم استراتيجياته والتعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته حماس على الأرض، وهذا الواقع يعكس تعقيد المشهد الميداني في غزة، والحاجة الملحة لحلول سياسية شاملة من قبل الاحتلال للتعامل مع التحديات المتزايدة عبر الرضوخ لمطالب حماس.
فشل إسرائيلي ذريع
إن فشل العدو الصهيوني في تدمير حماس بالكامل، يعكس الواقع الميداني المعقد الذي يشهده الصراع في قطاع غزة، فعلى الرغم من العمليات العسكرية الإبادية الكبيرة التي نفذتها "إسرائيل" على مر السنين وبالأخص خلال الأشهر الأخيرة للقضاء على حماس، إلا أن الحركة لا تزال قوية وتحتفظ بقدراتها العسكرية والتنظيمية، حيث تقف الكثير من التحديات أمام محاولات تدمير حماس بالكامل، فأولاً، تتمتع حماس بقوة وشرعية واسعة داخل القطاع الفلسطيني، وتحظى بدعم شعبي كبير، ما يجعل من الصعب على تل أبيب القضاء عليها بشكل نهائي وقد أثبتت التجارب ذلك.
ثانياً، تمتلك حماس شبكة تنظيمية متشعبة وتمتلك مراكز تحكم وقيادة موزعة، ما يجعل من الصعب التعامل معها بشكل فعال عسكرياً دون تدمير البنية الاجتماعية والتحتية في القطاع وهذا غير ممكن أساسا، وثالثاً، الدعم الدولي والإقليمي على المستويين الشعبي والحكومي الذي تحظى به حماس يجعل من الصعب تطبيق أي عملية عسكرية كبيرة ضدها دون مواجهة تدخلات خارجية.
وبناءً على ذلك، يتبين أن حماس ليست فقط حركة عسكرية، بل هي كيان سياسي واجتماعي يمتلك جذوراً عميقة في القطاع، ولذا، تدميرها بالكامل ليس مهمة سهلة وربما لا تتحقق أبداً بالنسبة للعدو الصهيوني، والحلول السياسية والتفاوضية قد تكون الطريقة الأنسب للتعامل مع الصراع الدائر في المنطقة، بجانب تحسين الظروف المعيشية للسكان في قطاع غزة للحد من التوترات وزيادة الاستقرار في المنطقة.
ومن خلال تحليل الوضع الحالي في قطاع غزة، يظهر بوضوح أن حركة حماس قد انتصرت بكل المقاييس، وتمكنت حماس من استعادة السيطرة على مناطق كبيرة كانت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، ونجحت في تنظيم حرب عصابات تستهدف الجيش الإسرائيلي بشكل فعال، وتأثرت الأوضاع السياسية والعسكرية في قطاع غزة بشكل كبير نتيجة لنجاح حماس، فقد أدت الانتصارات المتتالية للحركة إلى تعزيز شرعيتها وسط الشعب الفلسطيني ورفع معنويات قواتها، كما أظهرت الحملات العسكرية الناجحة لحماس قدرتها على مواجهة القوات الإسرائيلية وتكبيدها خسائر فادحة.
وبناءً على الوضع الحالي، يبدو أن حماس لا تواجه تحديات قوية تهدد وجودها في غزة، ولا يوجد فصيل فلسطيني آخر يمتلك نفس الشعبية والتنظيم اللذين تتمتع بهما حماس، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك الدعم يسهم في تعزيز وجودها وقدرتها على الصمود في وجه التحديات، ويتبين أن حماس قد نجحت بشكل كبير في تحقيق أهدافها وتعزيز وجودها في قطاع غزة، وتحديات تدميرها بالكامل تبدو بعيدة المنال على المستوى البعيد، ويظهر أنه لا سبيل لوجود فصيل آخر يمكن أن يحل محلها في فلسطين.
وفي نهاية المطاف، يتضح بوضوح أن حماس قد حققت نجاحاً بالغ الأهمية في قطاع غزة، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، وتمكنت من استعادة السيطرة على مناطق كبيرة وتنظيم حرب عصابات تهدف إلى مواجهة الجيش الإسرائيلي بكل فعالية، ومع وجود الدعم الشعبي الواسع والتنظيم القوي والدعم الدولي، يبدو أن حماس لا تواجه تحديات كبيرة تهدد وجودها في الوقت الحالي، ومع تحقيق حماس لهذه الانتصارات، يبقى التحدي الأكبر بالنسبة للاحتلال هو وضع الأسرى وذلك نتيجة القوة التفاوضية لحماس بالتزامن مع الضغط الدولي فالحرب الإسرائيلية المستمرة تؤدي إلى مزيد من الدمار والمعاناة للشعب الفلسطيني، وبالتالي، يجب العمل الدولي على إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية تسهم في إحلال السلام وتحقيق العدالة والاستقرار للشعب الفلسطيني في المنطقة، وذلك من خلال محاسبة الكيان والتفاوض والتعاون البناء مع الفصائل الفلسطينية المقاومة.