الوقت- في خطوة مثيرة للجدل، طلبت تل أبيب من الفلسطينيين إخلاء أجزاء من مدينة رفح، ما أثار مخاوف من احتمالية شن هجوم عسكري على المدنيين بحجة وجود معاقل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة، ويأتي هذا الطلب بعد سبعة أشهر من الحملة العسكرية على حماس، ويشير إلى استعداد كيان الاحتلال لتصعيد الوضع في قطاع غزة، فيما أثار التحرك الإسرائيلي موجة من القلق داخل وخارج المنطقة، حيث يتساءل البعض عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الطلب الذي يشكل تهديداً مباشراً للمدنيين الفلسطينيين، ومن المهم فهم السياق الواسع لهذه الأحداث، حيث تأتي هذه الخطوة بعد فترة من التوتر المستمر بين كيان الاحتلال وحماس، والتي شهدت عمليات تبادل لإطلاق النار وتصعيداً في العمليات العسكرية، وتحاول "إسرائيل"، بدورها، الضغط على حماس وإظهار قوتها بعد أن فضحت الحرب على غزة حقيقتها.
تهديد لأرواح المدنيين
تعتبر حماس هذه الخطوة تهديداً مباشراً لأرواح المدنيين، وتحذر من أن أي هجوم على رفح سيؤدي إلى مزيد من المعاناة والدمار بين السكان النازحين أساسا، كما أن مصر تحاول التوسط في الموقف، حيث تسعى للتوصل إلى هدنة جديدة قد تشمل إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وهذا يعكس حاجة المنطقة إلى حل سياسي يلجم الكيان ويوقفه عند حده بعد ارتكابه أبشع الجرائم، والذي يمكن أن يخفف التوترات ويعيد بناء المستقبل الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية.
ومن الواضح أن الوضع في رفح لا يزال متقلباً ومحفوفاً بالمخاطر، ويتعين على القوى الدولية والإقليمية التدخل بحزم لمنع تصعيد الوضع والسعي لإيجاد حل سلمي يضمن الأمن والاستقرار للجميع في المنطقة، وفي الوقت نفسه، يثير طلب كيان الاحتلال إخلاء أجزاء من رفح تساؤلات حول الإستراتيجية الإسرائيلية وأهدافها النهائية في الصراع مع حماس وفي قطاع غزة بشكل عام، هل تعتقد تل أبيب أن الحل النهائي يمكن تحقيقه عن طريق العمليات العسكرية المتكررة بعد فشلها لأشهر؟ أم إن هناك إستراتيجية خبيثة وأوسع ترتكز على العوامل السياسية والاقتصادية والإنسانية؟.
وتشير تصريحات قادة حماس إلى أن هذا الطلب يمثل "تطوراً خطيراً"، ما يوحي بأن الوضع قد يتصاعد إلى مرحلة أخطر من التوتر، بالنظر إلى أن حماس تحظى بدعم شعبي واسع في غزة، فإن أي عمل عسكري قد يؤدي إلى زيادة التصعيد وتفاقم الوضع الإنساني في المنطقة، ومن الواضح أن الحلول العسكرية الإسرائيلية لا يمكن أن تحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل تجعل دولة الاحتلال تسير نحو النهاية، ويجب أن تتضمن أي إستراتيجية جديدة للسلام جهودًا دولية أوسع نطاقًا للتوسط وتشجيع الحلول في فلسطين التي عانت من الاحتلال لعقود طويلة، كما يتعين على المجتمع الدولي الضغط الكيان للامتثال للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وضمان الحماية الكاملة للمدنيين في ظل التصعيد المحتمل للنزاع، وعلى المدى البعيد، يجب أن يتم التركيز على إيجاد حل سياسي شامل يضمن السلام والأمن للفلسطينيين، وهذا يتطلب التزامًا حقيقيًا بعملية السلام وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى محاسبة الكيان على جرائمه الشنيعة.
المقاومة مستعدة للمواجهة
ينبغي أن نرى معركة رفح كشبح على المدنيين يلوح في الأفق، ولكن من جهة المقاومة هناك استعداد كبير للمواجهة، وفي الأيام الأخيرة، أبلغ القائدان يحيى السنوار ومحمد الضيف المفاوضين نيابة عن المقاومة عن استعدادهما التام للتعامل مع أي سيناريو تصعيدي عسكري في منطقة رفح، بغض النظر عن درجته من التصعيد، وتتضمن الرسالة المباشرة للسياسيين داخل المقاومة مطالب بعدم الانحياز أو التراجع عن المواقف، سعيًا لمنع نشوب معركة في رفح، ما يظهر الاستعداد الكبير لها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التصريح دفع المقاومة إلى التأكيد على استعداد الكتائب العسكرية بالكامل لأي معركة في رفح، وأنها لم تفقد القدرة أو السيطرة كما يُشاع، وتُظهر "رسائل داخلية" وجود جاهزية كبيرة للتعامل مع معركة رفح، على غرار التعامل مع المعارك في خانيونس وشمال قطاع غزة، كما تظهر التهديدات العسكرية المبالغ فيها من العدو بإجراء عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح ومحيطها، لكن الأمر الملفت للانتباه هو الحديث عن وجود قوات أو مجموعات فلسطينية أمنية في منطقة ممر فيلادلفيا، نتيجة لاتفاقيات مع مصر وكيان الاحتلال، هذه المسألة تعتبر جزءًا من التطورات اللافتة أيضًا.
ومع ذلك، توضح الأوساط الداخلية في المقاومة أن معركة رفح ليست بالمعركة الصعبة أو المخيفة كما يتم تصويرها، وباستثناء مسألة المدنيين، فإن الجاهزية في الجانب العسكري للكتائب وتفاصيل التخطيط والتنفيذ تُعد بشكل دقيق، وخاصة بعد تجربة وتراكم الخبرة في الميادين، وذلك بعد تصحيح بعض الأخطاء التي حدثت في المناطق الشمالية والوسطى للقطاع، ويبدو من سياق تبادل الرسائل أن قيادة الداخل تسعى لتعزيز جبهة التفاوض الخارجية لمواجهة الضغوط التي تشعر بأنها تهدف إلى تحييد المقاومة، وخاصة من خلال تجنب معركة رفح، ويأتي هذا في ظل تفاقم معاناة المدنيين، وتهديدات كيان الاحتلال بارتكاب مجازر، والتي تقول الداخلية إنها لم تتوقف في الأشهر السابقة.
ولذلك، إن خطاب القوة الذي يتبناه القادة مثل يحيى السنوار يهدف في الغالب إلى تعزيز الصورة العسكرية لحماس وإظهار جاهزيتها للتصدي لأي تحديات محتملة، بما في ذلك اندلاع حرب في منطقة رفح، من خلال التأكيد على القدرة والجاهزية العسكرية، ويسعى السنوار وغيره من قادة حماس إلى تعزيز الثقة بين جماهيرهم وإظهار الاستعداد للتصدي لأي تهديدات محتملة، وتتضمن دلالات هذا الخطاب القوة والجاهزية العسكرية لحماس في حال اندلاع حرب في رفح، أهمها توجيه رسالة تحذيرية للعدو، فمن خلال التأكيد على الجاهزية العسكرية، يرسل القادة في حماس رسالة واضحة إلى الكيان بأنها لن تتردد في الرد بقوة في حال شنت هجومًا على رفح، ويعمل الخطاب على تعزيز الدعم الشعبي لحماس وقادتها، حيث يعتبر الاستعداد العسكري عنصرًا مهمًا في بناء الثقة بين القيادة والجماهير.
ومن خلال التأكيد على جاهزية القوات العسكرية، يهدف القادة في حماس إلى تحقيق الردع وإظهار القدرة على التصدي لأي هجوم يتعرضون له، ويمكن أن يكون هذا الخطاب جزءًا من إستراتيجية لإعطاء درس للعدو بضرورة عدم التجاوز والاعتداء على أراضي رفح، مع التأكيد على جاهزية حماس للرد بقوة إذا ما تمت مهاجمة رفح والمدنيين، ويعكس خطاب القوة والجاهزية العسكرية للسنوار وحماس تفانيهم في الدفاع عن قضاياهم وتحقيق أهدافهم بوسائل عسكرية إذا لزم الأمر، ما يعكس الجانب الإستراتيجي والتكتيكي للحركة ورغبتها في الحفاظ على الاستقرار والسيادة في المنطقة.
في الختام، يظهر بوضوح أن حماس مستعدة بشكل كامل لمواجهة أي سيناريو محتمل في رفح أو أي جزء آخر من قطاع غزة، بينما تستمر التهديدات بحرب الكيان على رفح، يجب على العالم أن يدرك أن هذه الحرب لن تكون سوى المسمار الأخير في نعش الكيان الإسرائيلي أمام الرفض الدولي والرغبة العنيدة والجاهزية العسكرية لحماس بصد الكيان، وبينما تستمر الأحداث في التطور، يبقى الأمل في معاقبة الكيان وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة مع مواصلة جهود المجتمع الدولي للتوسط وإيجاد حلول تضع حداً للإجرام الإسرائيلي وتضمن العدالة والأمن لجميع الفلسطينيين.