الوقت - ترأس الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وفداً سياسياً واقتصادياً رفيع المستوى إلى باكستان لمدة يومين، وذلك لبدء فصل جديد من العلاقات والتعاون بين البلدين.
تتمتع باكستان وإيران بعلاقات ثنائية قوية متجذرة في التاريخ والثقافة والدين، وستكون هذه الزيارة فرصةً مهمةً لتعزيز العلاقات بشكل أكبر، وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي الزيارة الأولى لرئيس دولة أجنبية إلى باكستان بعد الانتخابات العامة في البلاد، والتي سلطت وسائل الإعلام المحلية الباكستانية الضوء عليها.
وقال محسن نقوي، وزير الداخلية الباكستاني، خلال لقائه مع السفير الإيراني رضا أميري مقدم في إسلام آباد، إن زيارة الرئيس الإيراني إلى باكستان ستكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، وأضاف: "باكستان تثمن العلاقات الأخوية مع جارتها وشقيقتها إيران".
وحسب بيان وزارة الخارجية الباكستانية، فقد تم خلال هذه الزيارة وضع جدول أعمال واسع لمواصلة تعزيز العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التجارة والاتصالات والطاقة والزراعة والعلاقات العامة.
كما أفادت مصادر دبلوماسية بأن الرئيس الإيراني سيكون لديه جدول عمل مكثف واجتماعات خلال هذه الزيارة القصيرة التي تستغرق يومين، والتي ستبدأ باجتماع مع رئيس الوزراء شهباز شريف وعدد من الوزراء، من بينهم رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس الأمة في اليوم الأول للزيارة.
كما التقى إبراهيم رئيسي بالرئيس الباكستاني آصف زرداري مساء الاثنين، ومن ثم سيتوجه يوم الثلاثاء إلى لاهور، حيث سيلتقي برئيسة وزراء إقليم البنجاب مريم نواز شريف وحاكم البنجاب محمد بليغ الرحمن، وبعد ذلك سيتوجه الرئيس الإيراني إلى كراتشي، ويلتقي برئيس وزراء إقليم السند مراد علي شاه، وحاكم السند محمد كمران خان تسوري.
والبرنامج الأخير للدكتور إبراهيم رئيسي سيكون زيارة مدينة مزار القائد في كراتشي، وأهمية زيارة الدكتور رئيسي دفعت محافظ كراتشي إلى إعلان يوم الثلاثاء عطلةً رسميةً في جميع أنحاء الولاية.
التركيز على تطوير العلاقات الاقتصادية
كما هو الحال مع معظم الرحلات الخارجية للحكومة الإيرانية الحالية، فإن القضايا الاقتصادية وتوفير أسس لمزيد من تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الجيران، هي من بين أولويات زيارة رئيسي إلى إسلام آباد، بحيث يقال إن الخطط تسعى إلى رفع مستوى العلاقات الاقتصادية من 2 مليار دولار سنوياً، إلى 10 مليارات دولار خلال فترة زمنية قصيرة.
في العام الماضي، كان افتتاح سوق ماند-بيشين الحدودي وخط نقل الكهرباء إلى باكستان في مايو، وكذلك التوقيع على مذكرة المنطقة الاقتصادية الخاصة المشتركة في نوفمبر، بمثابة تطور مهم في العلاقات الاقتصادية بين باكستان وإيران. واستمرار هذا النهج في الزيارة الحالية، هو المفتاح لبداية عهد جديد في مجال التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وحسب مصادر باكستانية، فقد تم إعداد مسودة مذكرة تفاهم لإنشاء منطقة اقتصادية خاصة مشتركة على حدود رمدان-کبد (في مدينة دشتياري بمحافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية)، ومن المحتمل أن يتم التوقيع عليها من قبل المسؤولين السياسيين خلال هذه الزيارة.
وفي السابق، كان افتتاح سوق ماند-بيشين الحدودي وخط کبد-بلان لنقل الكهرباء بقدرة 100 ميغاوات، بداية فصل جديد في العلاقات الباكستانية الإيرانية، وهذا الأمر يستفيد من الإمكانات الكبيرة لمشاريع الطاقة والنفط الثنائية بين البلدين.
ولا شك أن الطاقة ستكون الجزء الأهم من الملف الاقتصادي على طاولة المفاوضات بين الوفدين الإيراني والباكستاني، خلال زيارة رئيسي إلى إسلام آباد، وفي الأساس، تعتمد العلاقات الاقتصادية بين باكستان وإيران حاليًا على تجارة الطاقة، وإن باكستان بحاجة إلى مصادر الطاقة، ومن بينها النفط والغاز والبنزين الإيراني، والذي يعتبر أفضل الخيارات المتاحة للباكستانيين.
وفي هذا المجال، فإن استكمال مشروع بناء خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان بعد سنوات، هو موضوع من المتوقع أن يتم إنجازه بالكامل خلال هذه الرحلة، حيث تم التوقيع على هذا المشروع الكبير، والمعروف أيضًا باسم خط أنابيب السلام، بين طهران وإسلام آباد في عام 2009، وتقرر أن تقوم إيران بتصدير 750 مليون قدم مكعب من الغاز إلى باكستان خلال 25 عامًا.
يتكون خط الأنابيب هذا من خط أنابيب بطول 1150 كيلومترًا داخل إيران، وخط أنابيب بطول 781 كيلومترًا داخل باكستان، وبينما كانت إيران تدفع حصتها في بناء خطوط الأنابيب لسنوات، لم تتمكن الحكومة الباكستانية من الوفاء بالتزاماتها، ويرجع ذلك أساسًا إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة.
لكن بموجب هذا الاتفاق، إذا انسحبت باكستان من التزامها، فسيتعين عليها دفع 18 مليار دولار كعقوبة، وأصدرت إيران إنذاراً نهائياً لإسلام آباد في كانون الثاني/يناير الماضي، وعندها أعلنت الحكومة الباكستانية عن بدء استكمال الـ 80 كيلومترًا المتبقية من مشروع بناء خط الأنابيب.
تقدّر تكلفة إنشاء خط الأنابيب هذا بطول 80 كيلومترًا بـ 44 مليار روبية على مدار 24 شهرًا، وفي ميزانية 2024-2025، تمت الموافقة على قطاع البترول في خطة تطوير القطاع العام (PSDP)، وقد دفع هذا القرار الباكستاني مرةً أخرى حكومة الولايات المتحدة إلى ثني إسلام آباد، عن طريق ممارسة ضغوط جديدة.
وحسب وسائل الإعلام الباكستانية، فقد وجهت إدارة جو بايدن دعوةً لرئيس وزراء باكستان، لإجراء محادثات اقتصادية ثنائية رفيعة المستوى، بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الإيراني، وحسب موقع بيزنس ريكوردر، خلال هذه المفاوضات، سيطرح الجانب الأمريكي أيضًا مسألة خط أنابيب الغاز الباكستاني إلى إيران.
تنخرط باكستان حاليًا في واحدة من أكثر معاركها تحديًا، حيث يتغير مشهدها السياسي والاقتصادي بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، ولا يمكنها تحمل تكاليف ارتفاع أسعار النفط، ومن الممكن أن يحقق المنظور الجديد للتعاون الاقتصادي مع إيران، العديد من الفوائد لباكستان، ومن الممكن أن تكون مسألة مقاصة السلع والنفط إحدى الفوائد المهمة للتجارة مع إيران.
حتى الآن كان أمل باكستان ينصب على النفط الروسي الرخيص، لكن تكلفة نقل النفط الروسي آخذة في الارتفاع، وفي الآونة الأخيرة، اتخذت دول مجموعة السبع قرارات لزيادة تكاليف مخاطر نقل النفط الخام الروسي إلى الأسواق العالمية، من أجل خفض دخل روسيا من النفط، والتي ستزيد الرسوم الجمركية على نقل النفط من بحر البلطيق إلى الهند، بما يصل إلى 20 دولارًا للبرميل للشحنات بعد 5 ديسمبر.
ربط ميناء تشابهار وجوادر
يعدّ التعاون في مجال النقل، جزءاً آخر من القدرات القائمة والمحتملة لتنمية العلاقات الاقتصادية.
جوادر، المدينة الساحلية الباكستانية، ليست بعيدةً عن تشابهار، ووفقاً لباكستان، فإن ميناءي جوادر وتشابهار يجب أن ينمواا كأخوين وليس كمنافسين.
ومع زيادة الاتصالات عبر السكك الحديدية والطرق والروابط البحرية، يمكن لهذين الميناءين الاستراتيجيين اللذين يربطان الشرق بالغرب، أن يكمل كل منهما الآخر في تعزيز التجارة في المنطقة، کما أن الرابط الجيوسياسي بين تشابهار وجوادر، لديه القدرة على إحداث تغيير كبير في التجارة والاتصالات الإقليمية.
كل من إيران وباكستان عضوان في منظمة شنغهاي، ويتمتع كلا البلدين بعلاقات اقتصادية وثيقة مع الصين، ويسعيان إلى الاستفادة قدر الإمكان من الممر الاقتصادي الكبير للصين تحت اسم مبادرة الحزام والطريق الصينية.
ومن ناحية أخرى، وحتى لا تتخلف الهند عن منافستها الشرقية، أبدت الهند رغبةً في الاستثمار وتطوير ميناء تشابهار الإيراني، وتم إبرام اتفاقيات بين البلدين على طول ممر الشمال-الجنوب.
وفي هذا الوضع، ومن أجل ضمان النتائج المربحة للجانبين لربط ميناءي تشابهار وجوادر للمساعدة في زيادة ثروة المنطقة واستقرارها، يعدّ الحوار البناء والتعاون العملي بين البلدين أمرًا مهمًا للغاية.
القضايا السياسية والأمنية
إلى جانب القضايا الاقتصادية المختلفة، تحظى القضايا السياسية والأمنية أيضاً بأهمية كبيرة في العلاقات بين البلدين، وستلعب دوراً بارزاً في مفاوضات الوفد الإيراني رفيع المستوى في إسلام آباد.
تأتي زيارة رئيسي إلى باكستان بعد أشهر قليلة من تبادل إطلاق الصواريخ لفترة وجيزة بين البلدين، ما أدى إلى توتر قصير الأمد في العلاقات السياسية، حيث استهدفت إيران أولاً مخابئ جماعة "جيش العدل" الإرهابية في مدينة بنجغور الحدودية ببلوشستان، وبعد أقل من 48 ساعة، ردت باكستان على هذا الهجوم بمهاجمة أماكن في إقليم سيستان وبلوشستان، ولم يدم هذا التوتر السياسي طويلاً، وعلى الفور اتفق البلدان على منع حدوث أزمة.
لكلا البلدين مصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب والتطرف، ومحاولة تعزيز الاستقرار الإقليمي، حيث شهدت المنطقة دائماً نشاط العديد من الجماعات الإرهابية والانفصالية، ما أدى إلى الإرهاب العابر للحدود وخلق تهديدات لاستقرار وسيادة البلدين، ولمكافحة هذه المخاطر وضمان أمن الحدود، أبدت باكستان وإيران استعدادًا أكبر للتعاون في مجال القضايا الأمنية والعسكرية والاستخباراتية.
کما أن باكستان وإيران لديهما مخاوف مماثلة بشأن التطورات الداخلية في أفغانستان، ولمعالجة هذه المشاكل الأمنية المشتركة، أصبح من الضروري الآن زيادة التنسيق العسكري والاستخباراتي بين البلدين.
أيضًا، نظرًا لقربهما من بحر العرب، فإن لدى البلدين مصالح مشتركة في الحفاظ على الأمن البحري وحماية خطوط الشحن الإقليمية، وأجرت طهران وإسلام آباد العديد من التدريبات البحرية المشتركة لتحسين التعاون البحري، والاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية المحتملة.