الوقت- بعد ذوبان جليد الصراع وتبدّد الغمام، بدأت الأصوات في الإعلام الإسرائيلي تتعالى، ولم يعد الحديث محصورًا في إشادة بالدول العربية المشاركة في صد الهجمات الصاروخية الإيرانية، بل انتقل إلى مناقشة فكرة تحالف أمني يجمع بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية تحت راية مشتركة، ومع ذلك، فإن هذا التحالف لا يعني بأي حال من الأحوال أن الدول العربية، التي تُعتبر معتدلة وتتمتع بتصنيف إسرائيلي وأمريكي، ستشارك في أي هجوم محتمل قد يشنه الكيان الإسرائيلي ضد جمهورية إيران الإسلامية، كما أن المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية ودولاً عربية أخرى تسعى جاهدة للتوازن بين استقرارها الداخلي والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وحتى الكيان الإسرائيلي.
لا شك أن القيام بأي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران قد يكون له تداعيات كبيرة على الكيان، بما في ذلك عدم قيام الدول العربية المعتدلة بالانضمام إلى تحالف دفاعي مع الكيان الإسرائيلي، كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تمكن حتى قبل تلاشي الدخان من إضعاف حكومة الكيان الإسرائيلي ومنعها من الرد العسكري ضد إيران، وقبل وصول الصواريخ الإيرانية إلى الأراضي الإسرائيلية في صباح يوم الأحد الماضي، أعلن المسؤولون الإيرانيون نهاية "الحادثة"، وأنهم ليس لديهم أي نية لتكرار الهجمات، وأعلنوا أنه في حال رد الكيان الإسرائيلي، سيكون إيران أكثر قوة مما كان عليه في اليوم السابق.
وبالاستناد إلى مصادر أمنية موثوقة في تل أبيب، تتحدث معلومات أن هذه الحادثة تمثل أول اختراق إيراني للجبهة الداخلية الإسرائيلية، ما يعني أن الحواجز قد انهارت، وبمعنى آخر، فإن التصعيد مع طهران قد يتسبب في هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مثلما شهدنا في الأحداث الأخيرة، وبالتالي، سيكون على كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تقييم الردود المحتملة من إيران، وسيتعين عليهم أيضاً اتخاذ سلسلة من التوصيات، فهل نقوم برد فعل قوي وندفع الثمن الكبير من خلال محاولة استهداف القواعد العسكرية للحرس الثوري الإيراني والمواقع التي تم إطلاق الطائرات دون طيار وصواريخ الكروز والباليستية، أو محاولة استهداف شخصيات أمنية إيرانية.
وبالإضافة إلى ما تم ذكره سابقًا، سيتعين عليهم حسب الإعلام العبري أيضًا دراسة ما إذا كانوا سيكتفون بعملية محدودة، حيث سيتجه طيارو سلاح الجو في مهمة تستهدف هدفًا رمزيًا إيرانيًا على بعد 1500 كيلومتر، وهناك خيارات متنوعة، وبمثل هذا النطاق، يمكن استهداف مبانٍ حكومية ومخازن أسلحة وآبار نفط، وحتى سفن إيرانية في البحر، كما أن الخيار الثالث، كما يبدو من تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ووزير الأمن يوآف غالانت، هو أن الكيان الإسرائيلي لن يستعجل في اتخاذ الرد، بل سيقوم بدراسة درجة الرد بعناية وسيحددها في الوقت المناسب، وفي الخلفية الخاصة بهذا الاعتبار، هناك الحقيقة الواضحة للجميع، وهي أن إيران كانت تسعى إلى تدمير القواعد الجوية والتفوق على الجيش الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، أفاد مصدران إسرائيليان لصحيفة "نيويورك تايمز" بأن "إيران شنت هجوما مباشرا وغير مسبوق على الكيان الإسرائيلي، وكان هناك اقتراح لرد إسرائيلي محتمل على إيران، تم إلغاؤه من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعد محادثته الليلية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن جانبه، أورد موقع "يديعوت احرونوت" أنه "وفقاً للتقديرات، لا يتوقع أن يتضمن الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني غير المسبوق أي إجراء عسكري داخل إيران، بل سيتمحور حول إجراءات تشبه تلك التي تم تنفيذها سابقاً وتُعزى إلى الكيان الإسرائيلي في الصراع السري ضد برنامج إيران النووي ومحاربتها في المنطقة.
في الختام، من المستبعد أن نشهد ردا اسرائيليّاً، وفي حال حدث ذلك إن التحدي الرئيسي في الكيان الإسرائيلي يتمثل في وضع استراتيجية الرد وكيفية التعامل مع نتائج الهجوم، سواء بناءً على نواياه أو نتائجه، وتوقع المسؤولون الإسرائيليون مسبقًا أن الإيرانيين سيتجاهلون التحذيرات الأمريكية، وبالتالي فإن التحدي يتمثل في التفكير في رد يستهدف الأراضي الإيرانية دون زيادة في التصعيد أو شن جولة جديدة من الاشتباكات، بل ينشئ ردعًا لمحاولة صعبة للغاية تمنع إيران من تكرار الهجمات المستقبلية.