الوقت – منذ بداية الغزو العسكري للكيان الصهيوني لغزة، لعبت الدول الغربية الدور الرئيسي في دعم تل أبيب بالسلاح ونتيجة لذلك استمرت الحرب، والآن بعد ستة أشهر نرى الأداء الصادم للجيش الصهيوني واستخدام آلة القتل في غزة ما أدى إلى تزايد الضغوط العالمية على الحكومات الغربية لوقف إرسال الأسلحة إلى الأراضي المحتلة وظهور بوادر مراجعة لسياسة إرسال أسلحة غير محدودة إلى المحتلين، وفي هذا الصدد، كتبت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، رسالة موجهة إلى رئيس هذا البلد، جو بايدن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، تطالب فيها بوقف نقل الأسلحة إلى الكيان الصهيوني.
ووقع على رسالة بيلوسي 40 نائبا ديمقراطيا ودولة: "بالنظر إلى إضراب عمال الإغاثة الأخير والأزمة الإنسانية المتفاقمة، نعتقد أن الموافقة على نقل الأسلحة إلى إسرائيل غير مبررة"، وطلب هؤلاء الممثلون في رسالتهم من إدارة بايدن إجراء تحقيق خاص في الغارة الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل 7 موظفين في "المطبخ المركزي العالمي" في غزة يوم الاثنين الماضي، ودعم بيلوسي في وقف هذا الهجوم، ويظهر طلب الديمقراطيين وقف نقل الأسلحة إلى الكيان الصهيوني أن العديد من أعضاء حزب بايدن يعارضون إعادة تسليح الجيش الصهيوني بالأسلحة الفتاكة ويعتبرون استمراره نتيجة لاستمرار الحرب والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
وبالإضافة إلى الولايات المتحدة، تم تقديم طلبات مماثلة في الدول الأوروبية، وفي فرنسا، أرسل 115 عضوًا في البرلمان رسالة إلى رئيس هذا البلد إيمانويل ماكرون، يطلبون منه وقف بيع الأسلحة لـ"إسرائيل" ويحذرون من ذلك، وإن الفشل في القيام بذلك من شأنه أن يشكل مخاطر، وسيحول فرنسا إلى شريك في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وقال الممثلون الفرنسيون إن وقف مبيعات الأسلحة لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة من شأنه أن يعزز جهود السلام في المنطقة، وحثوا ماكرون على أن يحذو حذو دول أخرى مثل كندا وهولندا، التي اتخذت قرارات مماثلة بحظر مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل".
وفي ألمانيا، أعلن عدد من المحامين الجمعة أنهم رفعوا دعوى قضائية عاجلة لإجبار الحكومة الألمانية على وقف تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل"، التي انتهكت القوانين الدولية بقتل الفلسطينيين في غزة، كما وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، على قرار يحظر تصدير الأسلحة إلى الكيان الصهيوني في سياق الحرب المستمرة في غزة، وهو الموقف الأول لهذا المجلس فيما يتعلق بالحرب مع غزة، ورغم أن هذا القرار غير ملزم، إلا أنه يظهر أن الضغوط العالمية تزايدت لوقف آلة قتل الصهاينة في غزة، وأن هذه القضية ستزيد من عزلة تل أبيب عن العالم.
غضب العالم من مقتل عمال الإغاثة الأجانب
تزايد الضغوط الدولية لوقف إرسال الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، في حين أن العمل الإجرامي الذي قام به الجيش الصهيوني بمهاجمة سيارة منقذي منظمة "غلوبال سنترال اشباركانة"، أثار موجة من الكراهية والاشمئزاز العالمي في الأيام الماضية، ووفقا للإحصائيات المعلنة، في الحرب الأخيرة في غزة، قُتل ما يقرب من 200 من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى الذين كانوا يساعدون سكان غزة على يد الصهاينة، وهذا العدد من عمال الإغاثة الذين قتلوا في غزة يفوق عدد عمال الإغاثة الذين قتلوا في جميع حروب العالم خلال العقود الثلاثة الماضية.
ومن خلال فرض الحصار الاقتصادي ومنع إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، يحاول الصهاينة إجبار السكان الفلسطينيين على الاستسلام والانتقال إلى أماكن أخرى باستخدام العقاب الجماعي وأسلحة التجويع، وبالتالي أنشطة عمال الإغاثة الأجانب المسؤولين عن توزيع الغذاء في غزة من أجل رفاهية المدنيين، ويعتبرونها عائقاً أمام تنفيذ مخططاتهم، ولهذا السبب لا يرحمون موظفي المنظمات الحقوقية، حيث إن الوحشية التي أوصلت السكين الآن إلى عنق العالم تمنع بأي شكل من الأشكال من استمرار مثل هذه الجرائم، وخاصة طلب حظر إرسال الأسلحة.
الغرب يعيش وضعا تاريخيا صعبا
وتعتبر أمريكا وأوروبا الداعمين الرئيسيين لكيان الاحتلال في غزة، لكن موجة المعارضة العالمية وضعت هذه الدول في وضع تاريخي صعب، ووفقاً لقاعدة بيانات نقل الأسلحة التابعة لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن جميع واردات "إسرائيل" من الأسلحة تقريباً تأتي من شركات أمريكية وألمانية، ومن بين المصدرين العسكريين الآخرين المملكة المتحدة وفرنسا وكندا وهولندا، وحسب تقديرات المعهد، استوردت "إسرائيل" في الفترة من 2019 إلى 2023 نحو 69 بالمئة من أسلحتها من الولايات المتحدة و30 بالمئة من ألمانيا، والمساعدات المقدمة للكيان الصهيوني تتم بشكل أساسي على شكل منح، ولا يدفع الصهاينة الكثير للحصول عليها.
ورغم أن هذه المساعدات كانت تقدم بشكل روتيني خلال العقود الثمانية الماضية، إلا أن الحرب في غزة أجبرت الغربيين على إعادة النظر في سياساتهم، وتوصلت الدول الغربية إلى نتيجة مفادها بأن الدعم العسكري للكيان الصهيوني لن يساعد في حل الأزمة في الأراضي المحتلة فحسب، بل سيشجع الصهاينة أيضًا على مواصلة قتل المزيد، ولم تواجه تل أبيب بعد أي عواقب ملموسة على جرائمها، ولكن مع استمرار قتل الفلسطينيين والضغوط العالمية، فليس بعيداً أن تتخذ الولايات المتحدة وأوروبا القرار الصعب وتكرر ما فعلته كندا في وقت سابق.
وأظهر الجيش الصهيوني في غزة أنه لا يلتزم بأي قواعد وقوانين دولية، وأن الضغوط السياسية الخارجية لا تستطيع أن تمنع الصهاينة من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، ولذلك فإن المجتمع الدولي، وخاصة الغربيين، يعتبرون طريق وقف شحنات الأسلحة هو السبيل الوحيد لكبح جماح آلة الحرب الإسرائيلية، ومن الواضح أن الجيش الصهيوني لا يستطيع مواصلة الحرب في غزة لفترة طويلة دون مساعدة عسكرية غربية، وإذا توقف عن إرسال الأسلحة والمعدات، فإن الصهاينة سيكونون في وضع سيئ ولن يكون أمامهم خيار سوى الموافقة على وقف إطلاق النار.
ومن ناحية أخرى، وبسبب حجم ضغط الرأي العام في الغرب دعما لفلسطين، فإن تقديم الأسلحة للكيان الصهيوني بسبب الأدلة الموثقة على جرائم صهيونية يجعل الغربيين متواطئين مع الاحتلال، ووفقاً للموجة العالمية التي نشأت لوقف مبيعات الأسلحة للكيان الصهيوني، يرى بعض الخبراء أن هجوم هذا الكيان الأخير على القنصلية الإيرانية في دمشق تم بهدف توسيع نطاق الحرب في المنطقة واستمرار شحن الأسلحة من الغرب، ولأن نتنياهو يدرك أنه في ظل حرب الاستنزاف في غزة وعلى الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان، فإنه لن يتمكن من إقناع أمريكا وأوروبا بالاستمرار في إرسال الأسلحة، وبالتالي فقد رأى أن السبيل الوحيد للخروج يتلخص في تأجيج حرب إقليمية.
حتى الآن، فشلت الضغوط الدولية في وقف آلة القتل الصهيونية، لكن سياسياً، فإن خفض دعم الأسلحة للكيان بعد الموافقة على قرارات مجلس الأمن الدولي سيجعل حكومة الحرب التابعة للكيان أكثر انقساماً وطريق قبول وقف إطلاق النار أكثر سلاسة، حيث إن الحرب مستمرة في غزة منذ أكثر من ستة أشهر، وقد نفد صبر حلفاء تل أبيب، ولا تمتلك حكومة نتنياهو خطة قابلة للتطبيق لكيفية إنهاء الحرب أو ما سيأتي بعد ذلك، وكان هذا الارتباك والافتقار إلى خطة مقننة لمستقبل غزة سبباً في إثارة قلق المسؤولين الغربيين بشكل أكبر.
تأتي حملة وقف إرسال الأسلحة الغربية للكيان الصهيوني، في حين تخطط حكومة نتنياهو لتقديم الفصل الأخير من هذا العرض المأساوي بهجوم بري على مدينة رفح، ولهذا فهي تحتاج إلى دعم بالسلاح وأكثر من ذلك، تحتاج الدعم السياسي، لذلك، إذا نفذت الولايات المتحدة والأوروبيون الإجراء العملي الذي اتخذته كندا بوقف إرسال الأسلحة إلى "إسرائيل"، فإن خطة مهاجمة رفح برا ستبقى بلا شك حبرا على ورق، لأن نتنياهو وحلفاءه المتطرفين يدركون جيدا العواقب الخطيرة للدخول في هذا المستنقع.