الوقت - أجريت الانتخابات البلدية في الـ31 من مارس/آذار في تركيا، وتم استدعاء حوالي 63 مليون ناخب مؤهل، لانتخاب رؤساء بلديات 81 مدينة في تركيا.
وأفادت وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية، بمقتل شخصين وإصابة 11 آخرين خلال الانتخابات المحلية في مدينة ديار بكر الكردية جنوب شرق تركيا.
وفي منطقة أخری، نتيجة نزاع حول انتخاب رئيس محلي، وقع اشتباك وهاجم الأشخاص المتورطون بعضهم البعض بالأسلحة النارية والحجارة والعصي، وأصيب أربعة أشخاص على الأقل في هذا الصراع، ولم يتم بعد تحديد هوية الشخص الرئيسي المسؤول عن هذه الأحداث.
إذا كان من الممكن اعتبار السنوات العشرين الأخيرة من عمر النظام السياسي التركي فترة ازدهار حزب العدالة والتنمية، فإن الانتخابات الأخيرة لديها القدرة على بدء حقبة جديدة بعد حزب العدالة والتنمية.
وبطبيعة الحال، فإن الفارق الرئيسي بين تلك الفترة والآن، هو أن المؤسسات التركية المسؤولة عن إدارة الانتخابات، مارست القدر الكافي من النفوذ في عام 1994.
واعتماداً على كيفية التغلب على المأزق السياسي في إسطنبول، فإن تركيا إما أن تستعيد تدريجياً مصداقيتها الانتخابية والديمقراطية، أو أن شرعية النظام السياسي في هذا البلد سوف تتعرض للطعن والشکوك.
تحدي الأزمة الاقتصادية
بالنظر إلى الركود الاقتصادي الذي تشهده تركيا والتضخم السنوي الذي يبلغ نحو 20% والبطالة التي تبلغ نحو 14%، فإن هذه المسألة ستؤثر على عملية التصويت.
وكردّ فعل على سوء الإدارة الاقتصادية، صوّت سكان المناطق الأكثر إنتاجيةً وديناميكيةً في البلاد، لمصلحة مرشحي المعارضة في الانتخابات البلدية، وسلّموا بلديات المدن الكبرى إليهم.
من المؤكد بناءً على هذه النتائج، أن تراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم قد تأكّد ضمنياً، وكان هذا ملحوظاً أيضاً في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في حزيران/يونيو الماضي.
بعد 25 عاماً من النمو المطرد وتوطيد السلطة، يبدو أردوغان أضعف مما توحي به سلسلة نجاحاته الانتخابية، فأردوغان الآن محدود للغاية في خياراته المستقبلية، بسبب الميول الأيديولوجية لشريكه السياسي الحالي، أي حزب الحركة الوطنية.
ويظهر غياب العديد من ناخبي حزب العدالة والتنمية عن صناديق الاقتراع، خيبة الأمل التي شعرت بها هذه القاعدة الموالية حتى ذلك الحين، لكن من المهم الإشارة إلى أن هذه القاعدة لم تتغلغل بعد في صفوف المعارضة بشکل كبير.
وفي ليلة الانتخابات، ليلة السبت، سيطر حزب العدالة والتنمية على 9 مدن، أي أقل مما كان عليه قبل التصويت، وتعدّ هذه المدينة الآن بلدية في 39 مدينة من أصل 81 بلدية في تركيا، وفي إسطنبول، فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو بنسبة 48.79% من الأصوات، متغلباً على بن علي يلدريم، آخر رئيس وزراء لتركيا وآخر رئيس للبرلمان التركي، بأقل من ثلاثة أعشار بالمئة.
ومن بين ما يقرب من 9 ملايين صوت، يبلغ الفارق في هذه المرحلة من إعادة الفرز ما يقرب من 15 ألف صوت، وبالإضافة إلى أنقرة، التي قبل حزب العدالة والتنمية الهزيمة فيها من قبل على مضض، كانت المدن الكبرى التي تحولت إلى المعارضة هي إزمير وأضنة وأنطاليا ومرسين.
وتمثّل هذه المدن مجتمعةً، بما في ذلك إسطنبول، 60% من سكان تركيا وحوالي 62% من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، لقد أنتجت إسطنبول، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في تركيا، 31٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2017، وهي أيضًا مصدر کبير للتواصل مع العملاء والشركات.، وخسارة اسطنبول لها عواقب وخيمة لا تقتصر على فقدان السلطة والموارد المادية.
إن إسطنبول ليست المدينة التي بدأ فيها صعود رجب أردوغان إلى السلطة العليا فحسب، بل إن الفوز الانتخابي فيها أيضاً، باعتبارها عاصمة الإمبراطورية العثمانية، كان في أذهان الإسلاميين رمزاً للانتصار على المؤسسة العلمانية.
وأخيرًا، من المؤكد أيضًا أنه مع خسارة حزب العدالة والتنمية والعاصمة لأنقرة، فإن سياسات المعارضة وفرص عودتها إلى السلطة ستزداد بشكل كبير.
ولولا دعم الناخبين، الذين هم عادةً من أنصار "حزب الشعوب الديمقراطي"، لما أمكن تحقيق انتصار المعارضة في المراكز الحضرية الكبرى، كما أن طلب صلاح الدين دميرطاش ساعد المعارضة، من خلال مطالبة أنصاره بتسليم هذه المدن.
وبينما أثبت الأكراد أنهم لاعب رئيسي في العملية الانتخابية، فإن قدرة الائتلاف الحاكم على حصد حوالي 51% من الأصوات، تتطلب أن تظل القومية التركية حيةً أيضاً.
ورغم صعوبة حساب عدد الأصوات بدقة مقارنةً بالانتخابات السابقة، ولکن بالنظر إلى أن هذه الانتخابات خاضتها تحالفات انتخابية في العديد من المدن، يعتقد معظم المحللين أن نسبة الـ 44 في المئة المعلنة، لا تعكس المستوى الحقيقي للتأييد لحزب العدالة والتنمية.
ويرجع ذلك إلى ميزات وتعقيدات نظام التحالف الجديد، وفي الواقع، فإن أصوات حزب العدالة والتنمية نفسه قد تكون أقرب إلى 40%، وربما أقل.
كما يُظهر التوزيع الديموغرافي للأصوات، أن حزب العدالة والتنمية لم يعد يحظى بدعم الأجيال الشابة، وأن الاتجاه العلماني المتمثل في انخفاض أصوات الشباب، والذي لوحظ لأول مرة في استفتاء عام 2017، لا يزال مستمرًا.