الوقت- تحاول "إسرائيل" في الأيام الأخيرة من خلال جهات وهيئات دولية إيجاد بديل للحكومة التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة من خلال تشكيل منظمات أهلية من العشائر، إلا أن هذه المحاولات قوبلت برفض كبير من قبل العائلات الفلسطينية، ووفقًا لمسؤولين فلسطينيين وحقوقيين ومصادر محلية، فإن مسؤولين دوليين التقوا مؤخرًا بالعائلات الفلسطينية في مدينة غزة لتولي إدارة قطاع غزة تحت قيادة إسرائيلية، إلا أن هذه المحاولات قوبلت برفض كبير من قبل العائلات الفلسطينية، وإن "إسرائيل" تهدف من وراء إقصاء حماس عن إدارة غزة إلى إعادة نفوذ العائلة في القطاع وإشاعة القلاقل والفتن العائلية التي قد تؤدي إلى حالة من الفوضى داخل المجتمع الفلسطيني، بالإضافة إلى إقصاء حماس عن إدارة غزة، في ظل الحملة العسكرية الإسرائيلية التي أدت لاستشهاد عشرات الآلاف من الأبرياء وتدمير القطاع بأكمله.
داعم في مواجهة الكيان
قبل سيطرة حماس على قطاع غزة في العام 2007، كانت بعض العائلات تتمتع بنفوذ كبير وأسلحة خاصة متنوعة، وفي السنوات الأخيرة، حافظت هذه العائلات على هذه المكانة وشكل مخاتيرها (الشخصيات المتنفذة) لجانًا وتجمعات للعمل مع الحكومة لحل الصراع والمشاكل المجتمعية، وإن تجمع عشائر وعائلات غزة أوضح أن العشائر ليست "بديلا للنظام السياسي الفلسطيني"، بل هي مكون وطني و"داعم للمقاومة وحماية الجبهة الداخلية" في مواجهة "إسرائيل".
وفي هذا الشأن، شدد التجمع على ضرورة تعزيز المشاركة الشعبية في صنع قرار الدولة من خلال المؤسسات الوطنية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني في البلاد، كما أنه ممنوع التعامل مع إعادة توظيف النظام القروي في خدمة العدو الصهيوني المحتل الغاصب أو إقامة الصحوات العشائرية، ومن يشارك في ذلك يعامل معاملة المحتل، واتحادات القرى هي هيكل إداري أنشأته "إسرائيل" عام 1978، وحاولت من خلاله خلق قيادة فلسطينية تحل محل منظمة التحرير الفلسطينية لتتمكن من المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ خطة الإدارة المدنية الإسرائيلية، لكن خطة تل أبيب آنذاك لم تنجح.
وإن جهات دولية عقدت تحت قيادة إسرائيلية 12 اجتماعًا مع المخاتير والعشائر في قطاع غزة في إطار الجهود المبذولة للبحث عن إدارة ما بعد الحرب لقطاع غزة، وجميع العائلات التي تلقت العرض أعربت عن رفضها التام للعرض، حيث رفضت قوات الاحتلال خطط الهجوم على الجبهة الداخلية الفلسطينية، وعقدت أطراف دولية بقيادة إسرائيلية 12 اجتماعًا مع المختار والعشائر في غزة، وكان آخر هذه الاجتماعات قد عُقد في مكاتب عائلة شحيبر في منطقة السبلة، لكن لم يوافق أي فرد من أفراد العائلة على المقترح المتعلق بدور إدارة غزة.
بالمقابل، ذكرت مصادر فلسطينية في قطاع غزة أن جهات سياسية إسرائيلية، بدعم من منظمات دولية، أجرت مناقشات مع المختار وممثلي العائلات من أجل إنشاء منظمة لإدارة بعض المناطق والأحياء، ومع ذلك، إن هذه العائلات رفضت العرض بشدة وأعلنت رفضها التام للجلوس مع أي طرف سياسي إسرائيلي، أما حركة حماس فجددت قولها حول إن "قبول التواصل مع قوات الاحتلال من المخاتير والعائلات للعمل في قطاع غزة هو عمل من أعمال الخيانة الوطنية التي لن نتسامح معها".
وتحاول قوات الاحتلال خلق تنظيم لإدارة غزة وهو أمر فاشل لن يحدث، وستضرب حماس بيد من حديد كل من يعبث بالجبهة الداخلية في قطاع غزة، ومن غير المعقول أن تسمح لهم بفرض قواعد جديدة، ولن تسمح للعدو بتعويض ما خسره على الأرض من خلال ألاعيبه السياسية داخل غزة، وكل محاولات زعزعة الأمن والاستقرار في قطاع غزة ستبوء بالفشل ولن تسمح بذلك، وخاصة أن قوات الاحتلال تحاول أن تطلب من العشائر الفلسطينية أن تحل محل حماس والسلطة الفلسطينية وحركة فتح في إدارة قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، وهو ما لن يقبله أحد.
محاولة لتقسيم الفلسطينيين
لا شك أن قطاع غزة ليس منطقة عشائرية وغالبية السكان لا ينتمون إلى عشيرة، وتسعى قوات الاحتلال لإعادة إحياء العلاقات الوثيقة مع القرى التي فشلت عام 1978، ومع العشائر والعائلات في قطاع غزة، وإن توجه "إسرائيل" نحو هذا الخيار يعكس الأزمة التي تعيشها تل أبيب وعدم رغبتها في السيطرة على حماس والسلطة الفلسطينية.
أيضا، إن "إسرائيل" لم تحقق هدفها المتمثل في هزيمة حماس، وإن هدف الكيان هو تجاوز أي تنظيم فلسطيني رسمي، بما في ذلك حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وخلق حالة من الفوضى والفراغ، والاحتلال لا يريد أن يقوي السلطة الفلسطينية التي تربط بين غزة والضفة الغربية، لذلك هو يرفض السلطة الفلسطينية ولا يريد أن يسمح لحماس بالبقاء خوفاً من عودة فيضانات الأقصى، كما أن قوات الاحتلال لم تنجح في تجنيد العائلات والعشائر لأنها ترفض ولا تتفاعل، ويجب أن يكون واضحاً أن مراكز القوى في غزة لا تقوم على العشائر بل على الفصائل الوطنية.
ومن المتوقع أن تفشل "إسرائيل" في توظيف العائلات واستبدال حكومة حماس، الأمر الذي اعتبر خيانة للمشروع الوطني الفلسطيني والعائلات لا تريده، وفي آخر مواقفه حول ما أسماه 'الأيام القادمة في غزة'، أعرب رئيس الوزراء نتنياهو عن معارضته للسماح للسلطة الفلسطينية بالمشاركة في حكم قطاع غزة بعد 'القضاء على حماس'، معتبراً ذلك '"الملاذ الأخير"، مع الحديث أنه بمجرد القضاء على حماس، فإن آخر شيء يجب أن نفعله هو استدعاء السلطة الفلسطينية إلى غزة'.
من ناحيتها، تؤكد المقاومة الفلسطينية وبالأخص حماس أن "إسرائيل" "تشن حربًا نفسية ضد شعبنا، ولن نسمح لهم بالإفلات من العقاب"، ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تشن "إسرائيل" حرباً مدمرة على قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من الأطفال والنساء، وتسبب في دمار هائل للبنية التحتية وكارثة إنسانية أدت إلى مثول "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية"، وقد حذرت حماس الأفراد والعشائر من التعاون مع "إسرائيل" في حراسة قوافل المساعدات خلال الحرب المستمرة منذ خمسة أشهر على قطاع غزة.
وبالتالي، إن قيادة المقاومة ستضرب بيد من حديد كل من يعبث بالجبهة الداخلية في قطاع غزة، ولن تسمح بفرض قواعد جديدة، ويأتي هذا التحذير في أعقاب تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية تفيد بأن "إسرائيل" تدرس تسليح أفراد أو عشائر في قطاع غزة لحراسة قوافل المساعدات إلى القطاع في إطار خطة لنقل المساعدات الإنسانية بعد انتهاء القتال، ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على هذه التقارير، التي جاءت بعد أسبوع من مقتل عشرات الفلسطينيين في حشد تجمع حول قافلة شاحنات المساعدات التي دخلت شمال غزة وفتحت القوات الإسرائيلية النار على الحشد بعد ذلك، وإن قيام قوات الاحتلال بالتواصل مع بعض مخاتير العائلات وأبناء العشائر ومحاولة العمل داخل قطاع غزة هو عمل مباشر مع قوات الاحتلال وعمل خيانة وطنية لن يتسامح معه لا السكان ولا حماس، وإن محاولات الاحتلال إنشاء منظمة لإدارة غزة هي محاولة فاشلة لن تتحقق.