الوقت- كتبت صحيفة دويتشه فيله الالمانية: إن نوع رد الفعل الذي أظهرته الحكومة الإسرائيلية في العملية الانتقامية "السيوف الحديدية" والأهداف الكبيرة التي تعهدت بها أصبحت عقبات صعبة أمام النصر في الحرب الأعنف منذ حرب "يوم الغفران" عام 1973، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية لن تنتصر في حرب غزة.
ولإثبات هذا العجز على المدى المتوسط يمكن سرد الأسباب التالية:
1- استمرار وجود حماس، منذ بداية الحرب، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن هدفها الرئيسي من العملية العسكرية واسعة النطاق هو القضاء على حماس وإخراجها من موقعها في حكم قطاع غزة، والهدف الآخر كان تدمير الأنفاق والقوة الإستراتيجية لحماس، وكان واضحاً منذ البداية أن هذه الأهداف كانت طموحة، ولم يكن الجيش الإسرائيلي قادراً على ذلك، ولم يدرك الجيش الإسرائيلي إلا بعد الحرب أن عدد أنفاق حماس كان أعلى بخمسة إلى ستة أضعاف من التقدير الأولي، ولا تزال معظم أنفاق حماس سليمة، حيث تقدر نسبتها بين 70 و80 بالمئة، ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن وضع حماس بين الفلسطينيين تحسن نسبيا، ولذلك، فإن الهياكل السياسية والعسكرية لحماس لم تتعرض لأضرار جسيمة وتم الحفاظ عليها، وإن الاستنزاف في الحرب له ميزة أكبر بالنسبة لحماس، لأنها تقاتل بطريقة غير متكافئة.
2- كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن الضعف الأمني لـ"إسرائيل" وقوضت فكرة قدرتها على هزيمة أي خصم في المواجهة العسكرية، حيث استمرت هذه العملية في المراحل اللاحقة من الحرب، ولم تتمكن "إسرائيل" من إثبات تفوقها السابق المتمثل في النصر السريع وإقامة الردع الكامل، وإن العدد الكبير من الخسائر البشرية والنفقات العسكرية الباهظة والأضرار الاقتصادية الجسيمة هي مشاكل أخرى لـ"إسرائيل" تشكل تحديًا لاستقرارها وسلطتها على المدى الطويل، وقد قُتل حتى الآن ما يقرب من 1500 مواطن إسرائيلي، بينما يعيش مئات الآلاف من الأشخاص بعيدًا عن المنزل والعمل، وأصبحت الحياة بشكلها الطبيعي والسابق بعيدة عن متناول بعض مواطني هذا البلد، وهذا الوضع يشجع الصراع العسكري لإضعاف "إسرائيل" في عملية تدريجية، كما أن فكرة أنه لا يمكن تجاهل حماس في إيجاد الحل النهائي للصراع تتعزز.
3- إضعاف "إسرائيل" لدى الرأي العام العالمي: إن مراقبة المواقف في الشرق الأوسط والعالم تظهر أن الوضع الحالي لـ"إسرائيل" قد تفاقم في الرأي العام العالمي، وقد حظيت المواجهة العنيفة لحماس مع "إسرائيل" في الدول العربية والمناطق الفلسطينية بمزيد من الدعم، وهذا يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الموقف السياسي لحماس والجهاد الإسلامي، وفي المناطق الفلسطينية، تزايد بشكل ملحوظ تأييد المواجهة المسلحة واليأس من الحل السلمي.
4- بروز "المكون الفلسطيني" في معادلات الشرق الأوسط. إن المعادلات الجيوسياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، والتي تشكلت في السنوات الماضية حول الانقسام السُنّي الشيعي الذي طال أمده والصراعات الطائفية، تواجه الآن تحولاً كبيراً، وأصبحت الجماعات الإسلامية الشيعية والسنية أقرب إلى بعضها البعض، "داعش" وحده هو الذي واصل مواجهته العدائية مع الفصائل الشيعية والجماعات الأصولية، كما تعززت علاقات حماس مع الجمهورية الإسلامية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التقارب بين الدول العربية والإسلامية يتزايد في كبح جماح "إسرائيل" والنظر بشكل ناقد إلى الغرب.
لقد استثمرت "إسرائيل" في السابق في اتفاقيات إبراهام والتقرب من الدول العربية، أما الآن فقد تم تهميش هذا المحور، وبشكل أوضح من ذي قبل، فقد جعلت الحكومة السعودية أي اتفاق سياسي وعسكري مشروطاً بالالتزام بتشكيل الدولة الفلسطينية وتحقيق المطالب الفلسطينية، وفي ظل الظروف الجديدة، تم تضييق الفجوة بين الكتلتين المتنافستين، إيران والمملكة العربية السعودية، في المنطقة إلى حد ما، كما تقاربتا على المستوى الكلي لوقف الحرب في غزة ومنح التنازلات للفلسطينيين، حالياً، في المنطقة، و يتم تشكيل تحالفات حول السيطرة على "إسرائيل"، وهو ما أدى إلى إنهاء المنافسات السابقة حتى إشعار آخر. وبناء على العوامل المذكورة، فإن انتصار "إسرائيل" النهائي في الحرب يبدو مستحيلا.