الوقت- يزيد إطالة أمد الحرب في غزة يوماً بعد يوم موجة التوتر بين الولايات المتحدة وفصائل المقاومة العراقية، وبعد الهجمات المتواصلة لهذه الجماعات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، تزايدت قوة هذه الجماعات في البلاد التي تقضي أياماً ملتهبة.
في غضون ذلك، فإن حلول واشنطن المختلفة، بدءًا من الضغط الدبلوماسي على حكومة السوداني وحتى الإعداد لبعض الهجمات المضادة على مقرات المقاومة العراقية، لم تذهب إلى أي مكان فحسب، بل واصلت الجماعات العراقية زيادة نطاق هجماتها، بل حتى الحملة السياسية للقضاء على أي وجود عسكري أمريكي في البلاد، وهذا البلد موجود أيضًا على قائمة المفاوضات البرلمانية هذه الأيام. وهي قضية يبدو أنها تجعل تصعيد المواجهات العسكرية الأمريكية والمقاومة العراقية محتملاً في الأسابيع والأشهر المقبلة، على الرغم من الاحتمال الغامض لانتهاء الحرب في غزة وإنكار واشنطن المستمر لسيادة العراق الإقليمية.
ومع هذا الافتراض، لا يغيب عن البال توقع بعض المفاجآت في تطورات العراق، بما في ذلك التساؤل عما إذا كان التوتر بين فصائل المقاومة والأمريكيين في العراق سيُخرج مقتدى الصدر من العزلة السياسة والعسكرية، ويصبح المنقذ للأمن والاستقلال فهل يدخل العراق إلى حفرة المواجهة مع أمريكا؟
ورغم أن مقتدى الصدر لعب دورا في السنوات الأخيرة كزعيم سياسي وديني بارز في تطورات العراق، إلا أنه في السنوات الأولى بعد الاحتلال العسكري للعراق من قبل الولايات المتحدة، كان الصدر حامل راية النضال العسكري ضد المحتلين من خلال إنشاء مجموعة مسلحة تسمى "جيش المهدي"، وقد أدى هذا الأداء إلى الاعتراف بالصدر باعتباره العنصر الأكثر أهمية المناهض لأمريكا في التطورات لفترة طويلة، وفي الواقع، وعلى الرغم من أن قسماً كبيراً من التيارات السياسية العراقية التزمت الصمت ضد احتلال الولايات المتحدة لهذا البلد، وحددت طريق التسوية مع حكومة جورج بوش الابن كاستراتيجية سياسية لها، إلا أن مقتدى أصبح أهم شخصية عراقية أراد صراحة رحيل الأمريكيين وقدمهم كمحتلين.
وفي السنوات التالية، من 2003 إلى 2008، كان جيش المهدي يقاتل الاحتلال الأمريكي في مدن بغداد والبصرة والنجف وألحق خسائر بشرية ومالية كبيرة بالولايات المتحدة والقوات الأجنبية الأخرى، وحتى في السنوات التالية، عندما أصدر الصدر عام 2008 أمر حل جيش المهدي وبدأ عملية دخوله مجال المعادلات السياسية والانتخابية، وكان الشرط الأهم له لمن يكون في منصب رئيس الوزراء العراقي (نوري المالكي آنذاك) أن تحدد حكومته فترة زمنية محددة ومرحلية لانسحاب القوات، حيث كان الأجانب، بما في ذلك الأمريكيون، متواجدين في هذا البلد.
وقد استمر هذا الاتجاه الأيديولوجي في ذلك الوقت بعد ظهور "داعش"، ودعا في عدة تصريحات إلى انسحاب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وأكد أن العراقيين يمكنهم الدفاع عن أنفسهم ضد "داعش" ولا يحتاجون إلى دعم واشنطن.
وبعد حل جيش المهدي، قام بتشكيل سرايا السلام، وفي كانون الثاني/يناير 2020، بعد اغتيال قادة النصر (الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس وعدد من مرافقيهما) بهجوم بطائرة مسيرة من قبل القوات الأمريكية دعا في بيان إلى إعادة تأسيس جيش المهدي، وهدد أمريكا بالانتقام.
ولم يغير مقتدى الصدر البوصلة السياسية المعارضة للوجود العسكري وتدخل واشنطن في الوضع السياسي لهذا البلد حتى في فترة الخلاف مع زملائه السياسيين من الشيعة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعامي 2018 و2021، وتابع نهجه كمدافع عن الاستقلال والسيادة الوطنية.
ونتيجة لأحداث ما بعد الانتخابات النيابية في تشرين الأول/أكتوبر 2021 والأزمة السياسية التي استمرت لأشهر، ودع الصدر عالم السياسة، ومنذ ذلك الحين لم يدلِ إلا بتعليقات قليلة تتعلق بالتطورات السياسية اليوم، لكن مع حدوث عملية اقتحام الأقصى ومن ثم الحرب القاسية التي شنها الصهاينة بدعم كامل من الولايات المتحدة ضد سكان غزة المحاصرين، برز مقتدى الصدر كغيره من قادة العراق وجماعات المقاومة، وانتقد علماء العالم الإسلامي الجرائم التي يرتكبها الصهاينة، على سبيل المثال، نشر زعيم التيار الصدري في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1402 تغريدة وصف فيها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بـ “فرعون الزمن"، واتهم في هذه الرسالة الولايات المتحدة بممارسة الإرهاب ضد أهل غزة وفلسطين، إلى جانب الصهاينة.
وفي تغريدة للزعيم الصدري، التي أعلنها بمناسبة دعم وقف إطلاق النار المؤقت في غزة، كتب: وقف إطلاق النار سيساعد على "إنهاء الإرهاب الصهيوني أمريكي" الذي يستهدف الشعب في فلسطين.
وكان الصدر قد نشر في وقت سابق منشورا على منصة "إكس" وقال: "هنا انتصار آخر لهم (المقاومة الفلسطينية) مع بدء وقف إطلاق النار الذي فرضه العدو الهمجي".
ويظهر موقف الصدر المتعاطف مع أهل غزة والمقاومة الإسلامية الفلسطينية أن مقتدى يعتبر دعم القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من خطابه السياسي والأيديولوجي، حيث إن هذا هو الرابط بين جميع حركات المقاومة في جميع أنحاء المنطقة، في غضون ذلك، من الممكن أن الإثارة العامة على مستوى الرأي العام في العالم الإسلامي والمجتمع العراقي لدعم المقاومة البطولية في غزة ستدفع الصدر إلى التأكيد على التاريخ المناهض للصهيونية والمعادي لأمريكا وتسليط الضوء عليه وعلى أنشطة التيار الذي تحت قيادته.
وفي الأسابيع الأخيرة، برز دعم واشنطن الواضح للعمليات العسكرية الصهيونية في غزة والدور المهم للبيت الأبيض في منع الجهود الدولية لوقف الحرب، وليس فقط الحرب المتوسعة بين فصائل المقاومة في سوريا والعراق ضد استمرار وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال الأمريكي في هذه الأراضي من البلدان، بل إنه أدى إلى تشكيل سجالات سياسية ساخنة في المشهد السياسي العراقي لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي.
وفي إطار الإجراءات الرسمية، قامت الحكومة العراقية مؤخرا باستطلاع رأي الشعب العراقي بشأن وجود القوات الأمريكية في البلاد عبر إرسال رسالة نصية، ولاقى هذا الإجراء انتقادات شديدة من قبل العديد من الشخصيات السياسية العراقية، الذين اعتبروه دليلاً على عدم حسم الحكومة في التعامل مع هذه القضية.
كما انتقدت حركة النجباء بشدة الاتصال الهاتفي الذي أجراه قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي لهذا البلد، مع مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، ويقال إن الأعرجي أكد خلال هذا الاتصال التزام الحكومة العراقية بحماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين العسكريين الدوليين.
إن الهجمات العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على أراضي العراق، والتي أدت إلى مقتل عناصر رسمية من الحشد الشعبي، ضمن الهيكلية العسكرية للقوات المسلحة العراقية، قد رفعت الآن أصوات كبار المسؤولين مسؤولين في الجيش، وبعد الضربات الجوية الأمريكية الأسبوع الماضي والقبول الرسمي لهذه الهجمات من قبل البيت الأبيض والبنتاغون، حذر اللواء يحيى رسول، المتحدث باسم القيادة العليا للقوات المسلحة العراقية، من أن "هذا العمل غير المقبول يقوض سنوات من التعاون ويؤدي إلى تصعيد غير مسؤول للتوتر، في ظل الوضع الذي تعاني فيه المنطقة من خطر انتشار الصراع وتداعيات العدوان على غزة"، كما أدان اللواء رسول هذه الهجمات ووصفها بأنها "انتهاك واضح للسيادة العراقية".
ولعل تصاعد التصريحات المناهضة لأمريكا في العراق هو الشيء الذي قد يؤدي مرة أخرى إلى ظهور الصدر باعتباره بطل استقلال العراق وسيادته من التدخلات الأجنبية، وفي هذا الصدد، فمن الممكن أن يؤدي انسحاب الصدر عملياً لتزايد التوترات إلى المستويات العسكرية المختلفة للتيار الصدري وانضمامها إلى التيارات الناشطة في ساحة القتال والجهاد؛ أي مع حركات المقاومة العراقية البارزة اليوم، مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء، والذي قد يؤدي إلى الانقسام الداخلي لـ "جيش المهدي".