الوقت - بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، الخميس الماضي، أولى جلسات الاستماع لشكوى جنوب أفريقيا ضد الکيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتم تمديد الجلسة إلى الجمعة.
في نهاية ديسمبر/كانون الأول، رفعت جنوب أفريقيا هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية، وأكدت أن الکيان الصهيوني ارتكب "عملاً من أعمال الإبادة الجماعية" خلال حربه المعلنة ضد حماس في غزة، وطالبت هذه الجهة القانونية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف قوات جيش الکيان ولو مؤقتاً عن مواصلة عملياتها القاتلة في المنطقة.
ووفقاً لمسؤولي هذا البلد الأفريقي، فإن الکيان الصهيوني قد انتهك التزاماته بموجب المعاهدة الدولية "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، أو "اتفاقية الإبادة الجماعية" باختصار.
تقول شكوى جنوب أفريقيا المؤلفة من 84 صفحة ضد تل أبيب، إن الحرب التي يشنها الکيان الصهيوني في غزة، تنتهك الالتزامات والتعهدات بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.
وتعرّف هذه الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها فعل يهدف إلى التدمير الكامل أو الجزئي على المستوى القومي أو العرقي أو الإثني أو الديني، وتعتبر جنوب أفريقيا، كغيرها من دول العالم، تصرفات الکيان الصهيوني في غزة بمثابة إبادة جماعية، لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من سكان هذا القطاع.
ومن وجهة نظر المراقبين، رغم أن هذا الملف مستمر منذ عدة سنوات، إلا أنه ينبغي أيضاً توفير حل مؤقت له، ولذلك، فإن طلب جنوب أفريقيا من هذه المحكمة، هو إصدار حكم عاجل وملزم للکيان الصهيوني بالوقف الفوري لعملياته العسكرية في غزة وضدها.
آراء حول انعقاد الجلسة الرسمية الأولى لمحاكمة الکيان الإسرائيلي
لم يكن هناك شك في أن هذا العمل الشجاع الذي قامت به حكومة جنوب أفريقيا ضد الکيان الصهيوني، سيكون موضع ترحيب من قبل الشعوب والسلطات المختلفة في العالم، وسيثير بدوره غضب الکيان والولايات المتحدة.
ولذلك، من باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، إلى وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظمة العفو الدولية، أشادوا بهذا السلوك الشجاع.
حيث كتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في حسابه على موقع إكس (تويتر سابقاً): "إننا ندعم بقوة الإجراء الشجاع الذي اتخذته حكومة جنوب إفريقيا ضد کيان الفصل العنصري وقاتل الأطفال في محكمة العدل الدولية (استنادًا إلى اتفاقية عام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها)".
إضافةً إلى المواقف الداعمة من مختلف الجهات، بالتزامن مع اجتماع محكمة العدل الدولية للتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية وعمليات القتل التي ارتكبها الکيان الصهيوني بحق سكان قطاع غزة، نظّم أنصار فلسطين مظاهرات حاشدة في لاهاي بهولندا تنديداً بهذه الجرائم.
وجرت هذه المظاهرة المناهضة للصهاينة في حين تم منذ يوم الأربعاء الماضي، أي اليوم السابق لمحكمة لاهاي، فرض إجراءات أمنية مشددة في جميع أنحاء المدينة، وخاصةً أمام محكمة العدل الدولية، وتمركز المئات من عناصر الشرطة الراجلة والراكبة والمركبات في المكان.
وبالإضافة إلى رد فعل وزارة الخارجية الأمريكية التي وجدت، حسب الممارسة المعتادة، أن مزاعم الإبادة الجماعية من قبل الکيان الصهيوني لا أساس لها من الصحة، فإن رد فعل نتنياهو على محاكمة الکيان رافقه غضب كبير.
حيث ردّ رئيس وزراء الکيان الصهيوني بغضب على عقد أول محاكمة لجرائم الکيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، وذكر أن "النفاق في جنوب أفريقيا قد ارتفع بشكل كبير"، وزعم: "بينما تواجه إسرائيل الإبادة الجماعية ضد شعبها، فهي متهمة بارتكاب إبادة جماعية لشعب آخر ... وبينما نحارب الإرهابيين ونشر الأكاذيب، شهدنا اليوم انقلاباً (في القواعد) في العالم".
لاهاي تعكس جزءاً من جرائم الکيان الصهيوني
قلنا إن شكوى جنوب أفريقيا، تستند إلى حقيقة أن الکيان الصهيوني قام بأعمال تهدف إلى التطهير العرقي في غزة.
وفي الوقت نفسه، وقعت كل من جنوب أفريقيا والكيان الصهيوني على اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص القانوني للحكم في هذه القضية.
ولذلك، فإن جميع البلدان التي وقعت على اتفاقية الإبادة الجماعية، ملزمة ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل أيضاً بمنعها وإدانتها.
ومع ذلك، فقد قتل الجيش الإسرائيلي خلال جرائمه في قطاع غزة، أكثر من 23 ألف فلسطيني، وجرح نحو 60 ألف آخرين، 70% منهم أطفال ونساء.
وحاول الفريق القانوني الجنوب إفريقي لدى محكمة العدل الدولية، تصوير جزء من الإبادة الجماعية وجرائم الصهاينة خلال حرب المئة يوم هذه، وأعلن: "أن الشعب الفلسطيني في غزة محاصر ومحروم من مقومات الحياة الأساسية؛ وتتعرض المنشآت المدنية في قطاع غزة لقصف متواصل؛ وأطفال غزة محرومون من الماء والغذاء والتعليم؛ ويتم تفتيش معظم المباني والمرافق في غزة من الأرض؛ و48 امرأة و117 طفلاً يُقتلون يومياً في قطاع غزة؛ ويفقد أكثر من 10 أطفال في قطاع غزة جزءاً واحداً على الأقل من أجسادهم يومياً، إن قتل غزة وشعبها يجب أن يتوقف، ولم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن تسهيل وصول المساعدات إلى غزة".
وذكر هذا الفريق في جزء آخر، في إشارة إلى تهجير حوالي 2 مليون نازح في قطاع غزة: "يعاني قطاع غزة من حصار متواصل منذ 16 عاماً؛ ونقص الأدوية والمياه والكهرباء في قطاع غزة يهدد آلاف الأشخاص؛ وتم تشتيت عائلات في قطاع غزة ونقل أفرادها إلى أماكن مجهولة، کذلك، قُتل مئات المعلمين وأساتذة الجامعات في قطاع غزة؛ وتواصل إسرائيل إنكار مسؤوليتها عن الأزمة الإنسانية التي خلقتها في قطاع غزة".
لماذا كان عقد الجلسة الأولى للشكوى ضد الکيان الإسرائيلي مهماً؟
إن موقف نتنياهو الغاضب من عقد الجلسة الأولى بشأن اتهامات الکيان، يكشف تداعيات قرار محكمة العدل في لاهاي على تل أبيب.
وكان انسحاب نتنياهو واضحاً حتى عشية الاجتماع، حيث ادعى أن "إسرائيل ليس لديها نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين، إسرائيل تقاتل حماس، وليس الشعب الفلسطيني، ونحن نفعل ذلك مع الالتزام الكامل بالقوانين الدولية".
وكان التكتيك الآخر للکيان الإسرائيلي، هو إرسال كبار الخبراء القانونيين، بمن في ذلك أحد الناجين من المحرقة، إلى لاهاي، لمواجهة اتهامات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، لأن نتنياهو كان يعلم جيداً أن هذه المواجهة مع محكمة العدل الدولية، غير عادية بالنسبة لکيان الاحتلال، وعادةً ما يعتبر الصهاينة قرارات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية غير عادلة ومتحيزة، لكن في هذه الحالة كان عليهم أن يكونوا حاضرين، وأن يلعبوا دوراً أكثر نشاطاً.
من وجهة نظر المراقبين، فإن جلسات محاكمة الکيان الصهيوني بتهمة انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، باعتبارها الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، كانت خطوةً مهمةً. کما أن إدانة الإبادة الجماعية، لها تأثير كبير على مكانة هذا الکيان في الساحة الدولية.
وحتى لو رفض الکيان الإسرائيلي تنفيذ الحكم المستقبلي للمحكمة، يمكن لدول أخرى الضغط على تل أبيب للقيام بذلك، وفي النهاية سوف يضعف دعم الحلفاء الغربيين للکيان خلال الإبادة الجماعية في غزة تدريجياً، كما كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال": "حكم محكمة العدل الدولية بشأن وقف إطلاق النار المؤقت، يضع حلفاء إسرائيل، وخاصةً واشنطن، على مفترق طرق".
وبالطبع، قبل اجتماع محكمة العدل في لاهاي، كانت هناك بوادر خلاف بين الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي، وبينما تحدثت وسائل إعلام عبرية وأمريكية عن "توتر غير مسبوق" في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، أعلنت عن ضغوط البيت الأبيض على بنيامين نتنياهو "لإنهاء الحرب البرية في غزة"، ووصفت السبب بـ "خسارة بايدن لسمعته".
كما كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في تقرير لها عن طبيعة العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، وقالت: "يجري توتر غير مسبوق بين مسؤولي البيت الأبيض ونتنياهو؛ ويشعر بايدن أنه يدفع ثمناً سياسياً لوقوفه إلى جانب إسرائيل، وقيادة واشنطن العالمية مهددة بهذه الضربة القاسية".
وبعد زيارة مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان إلى تل أبيب، أكد مراسل "فوكس نيوز" باراك رافيد، نقلاً عن مصادر أمريكية، أن سوليفان أبلغ نتنياهو وحكومة تل أبيب الحربية، أن "القتال البري في غزة يجب أن ينتهي خلال أسابيع، وليس أشهر".
ولذلك، فإن جلسة الاستماع الأولى لشكوى جنوب أفريقيا ضد الکيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، يمكن اعتبارها بمثابة طلقة موجهة إلی جسد نتنياهو وکيانه الهش.
وهذا الحدث، بالإضافة إلى الفضيحة والإدانة القانونية للكيان الصهيوني، سيضع الحلفاء الغربيين تدريجياً في وجه أطماع نتنياهو، بسبب التكاليف الناجمة عن الدعم غير المشروط لارتكاب كارثة ضد الإنسانية.