الوقت - منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، وما أعقبها من هجمات وحشية للکيان الصهيوني من الجو والبر ضد المدنيين، والتي أدت إلى القتل الجماعي للأطفال والنساء، دخلت مختلف أطراف محور المقاومة في الصراع بطريقة أو بأخرى من خلال مساعدة المقاومة الفلسطينية، وعلى عكس غالبية الدول الإسلامية والعربية، لم تكتف بالإدانة اللفظية فقط.
في هذه الأثناء، فإن سوريا التي كانت على الدوام إحدى الجبهات الرئيسية ضد الاحتلال الصهيوني وخط الجبهة الداعمة لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، قد اتُهمت من خلال الدعاية الإعلامية العربية بشكل رئيسي بالصمت ورؤية ما يحدث في الأراضي المحتلة.
بل إن هذه الوسائل تتجاوز في بعض الأحيان ذلك، وتزعم أن سوريا تعارض الحرب الأخيرة والتطورات التي تجر قدم سوريا إلى الصراع.
هذه الادعاءات التي صدرت في الأسابيع الأولى من الحرب ضد حزب الله أيضًا، تقدم روايةً أحاديةً وقصيرة النظر عن عدم فتح جبهة الحرب على الحدود السورية مع الأراضي المحتلة، بحيث إنه من خلال نظرة أكثر تفصيلاً وعمقًا واستراتيجيةً، يتم الكشف بسهولة عن زيف هذه الادعاءات وقصدها.
لا شك أن الحرب الحالية تهمّ الحكومة السورية من مختلف النواحي، وتهديداتها وفرصها في البيئة الأمنية السورية لا تسمح لدمشق بالوقوف على الحياد ومن دون استراتيجية فيما يتعلق بالوضع في غزة، وخاصةً أن المقاومة الفلسطينية كانت دائماً شريكاً استراتيجياً لسورية، لخلق توازن القوى بين سوريا وحكومة الاحتلال الصهيوني.
وفي الاستقطاب الإقليمي يعتبر كلاهما جزءاً من محور المقاومة، وقد لعب هذا الاستقطاب دوراً أساسياً في إنهاء الأزمة وعودة الاستقرار إلى سوريا، وتحسين قدراتها العسكرية وموقعها السياسي.
وهناك مسألة أخرى تتم مناقشتها في الجزء الثاني من الحديث، وهي إمكانية توسيع النطاق الجغرافي للحرب ووجود قوات الاحتلال الأمريكية في سوريا، وهذا يدل على أن سوريا منخرطة بشكل كامل في الصراع، ولها دور داعم حاسم ومهم للمقاومة الفلسطينية في الحرب الأخيرة.
فتح جبهة الجولان.. كابوس الکيان الإسرائيلي
بقليل من التأمل في مسار الأحداث خلال السبعين يومًا الماضية، يمكننا أن ندرك أنه مع بدء الحرب في غزة، يشهد الجولان المحتل وضعًا غير مستقر على المستوى الأمني، وقد دارت اشتباكات بين الجيش السوري والتحصينات العسكرية للكيان الصهيوني في هذه المنطقة.
وفي أحدث حالة، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الاثنين الماضي أنه رصد إطلاق صاروخ من سوريا باتجاه "إسرائيل"، وفعّل التحذير في المناطق المفتوحة في هضبة الجولان.
وفي وقت سابق، أفادت مصادر إخبارية صهيونية، بتاريخ 14 كانون الأول/ديسمبر، بإطلاق صاروخين من الأراضي السورية باتجاه مناطق غير مأهولة في مستوطنة كيشيت في الجولان المحتل.
ومع تكرار هذا الحدث، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أي من الطرفين أكثر اهتماماً بالحفاظ على استقرار الجولان ومنعه من الانجرار إلى هاوية الانفلات الأمني وحتى الصراع العسكري، سوريا أم الکيان الصهيوني؟
الإجابة على هذا السؤال ليست صعبةً، لأن الصهاينة يحتلون منذ سنوات هضبة الجولان الاستراتيجية وأراضيها الخصبة والغنية بالمياه، متجاهلين قرارات مجلس الأمن والقوانين الدولية، ويستخدمونها لبناء المستوطنات وزيادة السكان وكسب الدخل الاقتصادي وتوفير المياه، وإنشاء خط دفاع استراتيجي ضد العدو القديم (سوريا).
ونتيجةً لاختلال التوازن السياسي والأمني غير المتوازن في الجولان وكسر نظام الاحتلال في العقود الأخيرة، الأمر الذي جعل حتى الولايات المتحدة في عهد ترامب تعترف من جانب واحد باحتلال الکيان الصهيوني للجولان، فإن هذه المنطقة باتت أحد الأهداف التكتيكية لسوريا لاستعادة السيطرة النهائية.
ومن ناحية أخرى، فإن اتساع نطاق الأزمة إلى الجولان، سيجبر الکيان الصهيوني على صرف جزء من قوته العسكرية وتركيزه القتالي على هذه الجبهة، تماماً مثل الجبهة الشمالية مع لبنان، وعدم التمكن من مواصلة حملته العسكرية على جبهة غزة بكل قوته.
طرد الولايات المتحدة من سوريا يشكل ضربةً قاتلةً لأمن الکيان الإسرائيلي
منذ بداية العملية العسكرية للکيان الصهيوني في غزة، تكثفت هجمات فصائل المقاومة على القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق، وأحياناً، مع الرد العسكري الأمريكي على قوى المقاومة، أدت الحرب في غزة فعلياً إلى تزايد المواجهة بين قوى محور المقاومة والقوات الأمريكية.
کما أن الوجود العسكري الأمريكي الذي يعتبر تهديداً مهماً للحفاظ على سلامة الأراضي ووحدتها وعودة الاستقرار الكامل إلى سوريا، هو ذراع مساعدة تحت تصرف الکيان الصهيوني للتدخل في مخططات أصدقاء سوريا، ومرتبط بشكل كامل بالمصالح الأمنية للکيان الصهيوني.
وهکذا، يأتي تزايد الضغوط العسكرية على الولايات المتحدة، عبر هجمات قوى المقاومة على القواعد الأمريكية في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، ضمن حملة الضغط التي تنتهجها هذه القوى، لجعل البيت الأبيض يوقف جرائم الصهاينة في غزة.
فمن المؤكد أن الکيان الصهيوني غير قادر على مواصلة الحرب في غزة دون دعم سياسي (وخاصةً في مجلس الأمن)، وعسكري ومالي من الولايات المتحدة، وكان سيتقبل الهزيمة بشكل أسرع مما كان عليه في الشهرين الماضيين.
وعلى هذا، فإن تعاون دمشق وتنسيقها مع تحركات فصائل المقاومة في الهجوم على القواعد الأمريكية، هو جزء من مساهمة دمشق في دعم حماس في الحرب.
لعبة مدروسة لمواجهة المصيدة الإسرائيلية
رغم أن الحكومة السورية، كما ذكرنا، أعلنت دعمها وتعاطفها الكامل مع حماس، وتعتبر أن الحرب الحالية مرتبطة بمصالحها الأمنية، لكن دمشق وحتى مركز عمليات المقاومة، على علم بالمؤامرات التي تسعى إلى جر سوريا إلى حرب واسعة جديدة.
مع عملية طوفان الأقصى، انهارت بنية الجهاز الأمني والاستخباراتي للكيان الصهيوني بشكل كامل، ومحاولة هذا الکيان إعادة بناء معادلة الأمن والدفاع القائمة على الحفاظ على التفوق العسكري على مقاومة غزة، من خلال عمليات برية واسعة النطاق في هذه المنطقة، قد باءت بالفشل حتى الآن.
ويتعرض الکيان الآن لضغوط خارجية هائلة لحمله على إنهاء هجماته العشوائية على غزة، دون أن يحقق أي شيء سوی قتل الآلاف من النساء والأطفال، ولهذا السبب، يعتقد كثيرون أن الصهاينة يحاولون جاهدين جر أمريكا مباشرةً إلى الحرب.
تخوض الحكومة السورية حرباً أهليةً مع جبهة الإرهاب الدولي المدعومة من الدول العربية والغربية والکيان الصهيوني منذ سنوات، ودُمرت الكثير من البنى التحتية الاقتصادية لهذا البلد في الحرب، ونزح عدد كبير من السكان داخلياً وخارجياً، ما جعل أولوية دمشق إعادة البناء وتسهيل ظروف عودة النازحين.
کما أن استمرار وتطبيق العقوبات الغربية على سوريا من قبل الغربيين، وحتى الاعتداءات المتكررة للکيان الصهيوني وقصف الممرات البرية والمطارات السورية، في ظل تحسين العلاقات بين دمشق والدول العربية، يظهر أن أمريكا والكيان الصهيوني يحاولان منع العودة الكاملة للسلام والاستقرار إلى سوريا، وبعد فشل مشروع الحرب الأهلية الذي دام 10 سنوات، استثمروا في الضغوط الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب لخلق الفجوة بين الشعب والحكومة.
في المقابل، من خلال تحديد دور سوريا في تقاسم الأدوار بشأن دعم غزة في الحرب، أظهرت غرفة العمليات المشتركة لمحور المقاومة أنها تدرك جيداً خطط القادة الصهاينة، واختارت طريقةً ذكيةً للاستفادة من الجبهة السورية المهمة لدعم غزة.
وفي هذا الصدد، كشف رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" مؤخراً، نقلاً عن محادثة شخصية مع مسؤولين سياسيين سوريين رفيعي المستوى، أن سوريا مستعدة للدخول في أي حرب، ولهذا الغرض فهي تنتظر الحصول على أسلحة متطورة ودعم عسكري من الدول الصديقة.
وأخيراً، قد يكون من المفيد أن نذكر بأنه قبيل عملية طوفان الأقصى، انتقد العديد من معارضي محور المقاومة "حماس" وذراعها العسكري "كتائب القسام"، بسبب عدم قيامهم بإجراءات واسعة النطاق ضد اعتداءات الکيان الصهيوني في الضفة الغربية، لكننا علمنا لاحقاً أن حماس كانت تخطط منذ ثلاث سنوات لهجوم تاريخي أكبر غيّر المعادلات، وأذلّ الجيش الصهيوني بشكل كامل، ودمّر مصداقية الکيان وأمنه واستقراره بشكل عام.