الوقت - ما زال سد النهضة مصدر خلاف بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى منذ بدء بنائه عام 2011، إذ كانت اتفاقيتا تقاسم مياه النيل اللتان وقعتا في 1929 و 1959 قد منحتا مصر والسودان حقوقاً في جميع مياه النيل تقريباً، ومنحتاهما أيضاً الحق في رفض مشروعات دول المنبع (مثل إثيوبيا) التي من شأنها أن تحرمهما من حصصهما من المياه.
وقررت إثيوبيا البدء ببناء السد خلال فترة انتفاضات ما عرف بـ"الربيع العربي"، عندما كانت هناك اضطرابات سياسية في مصر، فقامت ببنائه على فرع النيل الأزرق في الهضاب الإثيوبية الشمالية، التي يتدفق منها 85 في المئة من مياه نهر النيل، وبلغت تكلفة بنائه 4.2 مليارات دولار، بعد أن أكدت إثيوبيا أنها لن تكون ملزمة بتلك الاتفاقيات القديمة.
ويقع السد على بعد 30 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود مع السودان ويعد أكبر مشروع سد كهرومائي في إفريقيا، ويمتد بطول أكثر من ميل ويبلغ ارتفاعه 145 متراً، وقد استغرق بناؤه أكثر من 12 عاماً، وتقارب المساحة السطحية لخزان السد مساحة مدينة لندن الكبرى، إذ تتطلع إثيوبيا لأن ينتج السد الكهرباء لسد احتياجات 60 في المئة من سكانها الذين يفتقرون إلى الكهرباء حالياً، وهناك آمال بأن يتضاعف إنتاجها من الكهرباء لاحقاً بحيث توفر للشركات إمدادات مستمرة من الكهرباء، الأمر الذي يعزز التنمية، فقد يزود السد الكهرباء للدول المجاورة ومن بينها السودان وجنوب السودان وكينيا وجيبوتي وإريتريا.
وقد استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا جولة جديدة من المفاوضات بشأن السد الذي تقول مصر والسودان إنه سيؤثر بشكل كبير على حصصهما من مياه النيل، إذ صرح مصدر بوزارة الري والموارد المائية المصرية قبل المفاوضات لأن جولة المفاوضات الجديدة تستمر لمدة ثلاثة أيام، بمشاركة مسؤولين من كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بغرض التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشـأن ملء السد وتشغيله، إذ تأتي هذه المفاوضات في إطار الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيّ أحمد في يوليو/تموز الماضي على هامش قمة دول جوار السودان في القاهرة بشأن إجراء مفاوضات عاجلة للانتهاء من اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة خلال أربعة أشهر، وهي المُدة التي انتهت الشهر الماضي.
وقّع كل من مصر والسودان وإثيوبيا اتفاق مبادئ بينهم في 2015، لتحديد آليات الحوار والتفاوض لحل كل المشكلات المتعلقة بالسد بين الدول الثلاث، إلا أن جولات المفاوضات المتتالية منذ 2011، فشلت في التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاث، على آلية تخزين المياه خلف السد وآلية تشغيله، في ظل تأكيد إثيوبيا حرصها على التفاوض مع مصر والسودان من أجل إيجاد حل لأزمة السد، وخاصة في ظل هذه المرحلة التي وصفتها بـ "الحساسة " والتي تشهد اضطرابات في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط.
القلق المصري
تعتمد مصر التي يبلغ تعداد سكانها نحو 107 ملايين نسمة، على نهر النيل في الحصول على جميع احتياجاتها تقريباً من المياه العذبة، كما تحتاج لمياهه من أجل تلبية الاحتياجات المنزلية والزراعية، وخاصة زراعة القطن التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى أن مياه النيل تُستخدم لملء بحيرة ناصر في سد أسوان والتي تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية.
وكذلك السودان الذي يبلغ تعداد سكانه 48 مليون نسمة، يعتمد اعتماداً كبيراً على المياه المتدفقة من نهر النيل، وهو متضرر مباشر من إقامة السد وانخفاض منسوب المياه في النيل، إلا أن رده على موضوع السد كان مقيداً بالصراع الدائر في البلاد.
لكن مصر ترى أن الإجراءات الإثيوبية أحادية الجانب تنطوي على تجاهل لمصالح وحقوق دول المصب وأمنها المائي، وأن تخفيض كميات المياه المتدفقة في النيل بنسبة 2 في المئة سينجم عنه خسارة 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية المروية، كما أن مخاوف مصر تتعلق بمواسم الجفاف، حيث تخشى من أن تقوم إثيوبيا بملء خزان السد بالماء لزيادة طاقتها على توليد الكهرباء، بدلاً من أن تترك المياه لتتدفق في مجرى النيل باتجاه دول المصب، إذ ملأت إثيوبيا السد بالمياه خلال ثلاث سنوات رافضة الموقف المصري الذي يقول إن عملية ملء السد يجب أن تستغرق ما بين 12-21 عاماً.
وقد أعلنت مصر عن انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من مفاوضات سد النهضة بينها وبين السودان وإثيوبيا دون التوصل إلى اتفاق، إذ قال بيان لوزارة الموارد المائية والري المصرية: "لم يسفر الاجتماع عن أي نتيجة نظرا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل إليه من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة، مضيفاً "بات واضحا عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي"، ومؤكداً أنه “في ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت”.
وأكدت مصر أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر.
وقد بدأ سد النهضة رسميا إنتاج الطاقة الكهربائية في فبراير 2020، تزامنا مع ملئه 4 مرات منذ ذلك الحين، وسط تنديد من جانب مصر والسودان بوصف ذلك الموقف بالتعنت الذي تنفيه إثيوبيا التي تستعد للتخزين الخامس للمياه خلف بحيرة السد بعد الانتهاء من الأعمال الخرسانية لتعلية الممر الأوسط، بعد أن كانت قد أعلنت انتهاءها من الملء الرابع في سبتمبر الماضي.
لأثيوبيا رأي آخر
قالت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان ترد فيه على إعلان مصر انتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات الثلاثية التي عقدت في أديس أبابا بشأن السد دون نتيجة: "أجرت إثيوبيا ومصر والسودان الجولة الرابعة من المفاوضات في أديس أبابا، وكانت هذه الجولات الأربع من المفاوضات التي أجريت بعد التفاهم الذي تم التوصل إليه بين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 13 يوليو/ تموز، إذ وجه الزعيمان مسؤوليهما إلى بذل كل الجهود اللازمة لوضع اللمسات الأخيرة على القواعد والمبادئ التوجيهية بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة".
وأضافت الخارجية: ساعدت المفاوضات الدول الثلاث على إجراء مناقشات متعمقة حول القضايا الرئيسية محل الخلاف، وخلال هذه الجولات الأربع، سعت إثيوبيا وتعاونت بشدة مع البلدين لمعالجة قضايا الخلاف الرئيسية والتوصل إلى اتفاق ودي، وفي المقابل، أقامت مصر الحواجز أمام الجهود الرامية إلى التقارب.
وأشارت الخارجية إلى أنه "تهدف المفاوضات حول المبادئ التوجيهية والقواعد الخاصة بالملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة إلى بناء الثقة وتعزيزها بين الدول الثلاث، وليس حرمان إثيوبيا من حقوقها في استغلال مياه النيل"، مؤكدة أنها "توضح بجلاء أنها ستواصل استخدام مواردها المائية لتلبية احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة على أساس مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ويوفر اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 الذي وقعته الدول الثلاث الأساس لهذه المفاوضات، وعلاوة على ذلك، قام الاتحاد الإفريقي، الذي لا يزال الأمر قيد نظره منذ عام 2020، بتيسير منصة توفر للدول الثلاث فرصة لتبادل وجهات النظر من أجل التوصل إلى حل ودي".
وقال البيان: "بعد اختتام الجولة الرابعة من المفاوضات أصدرت مصر بيانا يخالف ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، وترفض إثيوبيا تحريف مصر لمواقفها"، وإن إثيوبيا "ستظل ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية وتفاوضية تلبي مصالح البلدان الثلاثة وتتطلع إلى استئناف المفاوضات".
ما دام الخلاف الذي نشأ حول السد يصب في خانة المصلحة الخاصة لكل بلد من البلدان المتنازعة، فلن يكون من السهل التوصل إلى حل مرضٍ للأطراف جميعها، فما ينفع طرف سيضر بالآخر.