الوقت – تمثل الحرب الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، الاختبار الحقيقي الأول لـ”وحدة الساحات” التي دربها محور المقاومة قبل سنوات، ورغم أن كل أطراف محور المقاومة في المنطقة من لبنان إلى سوريا والعراق، تضامنت مع أهل غزة، فقد نفذت خلال الشهرين الأخيرين هجمات على الأراضي المحتلة والمواقع الأمريكية، إلا أن جبهة المقاومة الجديدة التي استقطبت اهتمام العالم هذه الأيام، هي اليمن التي أثارت قلق أمريكا والكيان الصهيوني بشكل كبير بدخوله في التطورات في غزة.
بالنسبة لشعب اليمن، فإن قضية فلسطين والدفاع عن الفلسطينيين واجب مبدئي وديني وأخلاقي ووطني، وقد حذر عبدالملك الحوثي زعيم أنصار الله ومسؤولون آخرون في هذه الحركة مرارا وتكرارا في اليمن من عواقب استمرار العدوان على غزة، ولقد أعربوا خلال الشهرين الماضيين عن استعدادهم لفعل أي شيء للدفاع عن فلسطين، حتى إرسال قوات إلى الأراضي المحتلة.
ورداً على جرائم "إسرائيل" في غزة، احتجزت أنصار الله سفينتين تجاريتين للكيان الصهيوني، كما خططت قوات أنصار الله لنقل السفينة الإسرائيلية الثالثة إلى الموانئ اليمنية قبل أسبوعين، إلا أن هذه الخطة لم تنجح بسبب تدخل السفن الأمريكية، كما نفذ الجيش اليمني عدة هجمات صاروخية وطائرات مسيرة على ميناء إيلات جنوب الأراضي المحتلة، كان آخرها يوم السبت الماضي، والتي تمكنت حسب المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية من إصابة الميناء والأهداف المقصودة.
تعزيز الموقف والقوة الإقليمية
ومن أهم إنجازات أنصار الله من لعب دور في حرب غزة هو تثبيت وتعزيز قوة هذه القوة الجديدة في المعادلات الإقليمية، إن دخول أنصار الله في صراعات غزة حوًل خوف وقلق الصهاينة بشأن اليمن إلى حقائق ملموسة، وحوًل اليمن من دولة هامشية وضعيفة وتابعة أثناء حكم الأنظمة السابقة إلى دولة إقليمية فعالة ومؤثرة في المنطقة بل دولة قوية ودولة مركزية في الصراع بين العرب و"إسرائيل".
والآن يرسل أنصار الله رسالة إلى الدول العربية وأمريكا التي سعت إلى القضاء على هذه الحركة، مفادها بأن عليهم الاعتراف بأنصار الله كقوة فاعلة في المنطقة، وبعد عشر سنوات من سيطرتهم على صنعاء، حقق أنصار الله أهدافهم الثورية، وهي استعادة مكانة اليمن في المعادلات الإقليمية وقطع التبعية لأمريكا والسعودية.
وعندما يحذر قادة أنصار الله السلطات الصهيونية من أنه إذا استمرت الحرب في غزة فإنها ستواصل الهجمات على الأراضي المحتلة وسفنها، فهذا يعني أن اليمن، على عكس الدول العربية التي تبدو وكأنها تدعم الشعب الفلسطيني، تشكل قوة فعالة، ولقد أصبح لدى القوى الإقليمية، من الآن فصاعدا يقيناً بأن مصالح صنعاء يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أيضا في تحديد معادلات اللعبة.
إن مشاركة اليمنيين في حرب غزة تُعرض تل أبيب لخطر إقليمي جديد وهو اليمن، ويعزز فكرة وحدة جبهات المقاومة ويمنع الصهاينة من الدخول في صراع مع أحد أطراف المقاومة في المستقبل، مع العلم أن فصائل المقاومة الأخرى سيكون لها رد فعل حاد أيضاً، وتعود قوة أنصار الله إلى الإنجازات العسكرية التي حققتها في السنوات الأخيرة، والتي أثارت خوف وقلق الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
وفي السنوات التسع الماضية، لم يظهر أنصار الله أي ضعف في بعض التحالفات العدوانية المسلحة، ومن خلال وقوفه في وجه الأعداء أوصلهم إلى طاولة المفاوضات وأثبت أن أي محاولة لتدمير أنصار الله مآلها الفشل، وخططت "إسرائيل" لتوطين المستوطنين حول غزة في ميناء إيلات، لكن صواريخ أنصار الله أصابت هذه المنطقة، ما يدل على أنه لا يوجد مكان آمن في الأراضي المحتلة.
دليل على القوة المهيمنة في باب المندب
ومن الإنجازات الأخرى لدور أنصار الله في حرب غزة هو البرهنة للعالم أن هيمنة هذه القوة على مضيق باب المندب الاستراتيجي أصبحت حقيقة، وبعد الإجراءات الأخيرة ضد الأسطول البحري للكيان الصهيوني (الذي يعتبر نفسه القوة البحرية المتفوقة في المنطقة)، أظهرت أنصار الله سيطرتها الكاملة على مضيق "باب المندب" الاستراتيجي كأحد الطرق البحرية السريعة للتجارة، ويمكن، إذا لزم الأمر، إغلاق هذا المضيق، وتعطيل التجارة البحرية في البحر الأحمر، وقد أصبحت هذه القضية بمثابة كابوس لقادة تل أبيب، إن دخول اليمن رسميا في حرب مباشرة مع "إسرائيل" وضع هذا الكيان أمام تهديد استراتيجي كبير يهدد عمقه والسفن التي تمر عبر باب المندب.
وفي السنوات الأخيرة، نشرت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، قوات وسفناً في البحر الأحمر لضمان أمن هذا الممر المائي الدولي، لكن أنصار الله عطلوا كل المعادلات وأثبتوا في الأشهر الأخيرة أن الكلمة الأولى والأخيرة في باب المندب والبحر الأحمر لصنعاء وليس للسفن الحربية الأمريكية.
ويحظى مضيق باب المندب، الذي يمر عبره جزء كبير من الترانزيت البحري للنفط الخام، بأهمية كبيرة لدرجة أن الكثيرين يعتبرونه السبب الرئيسي لبدء عدوان التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن عام 2015.
لعب الورق على طاولة المفاوضات مع السعودية
يعتبر دخول أنصار الله بقوة إلى التطورات في غزة إنذاراً خطيراً للسعودية وللكيان الصهيوني، وفي السنوات التسع الماضية، حاولت المملكة العربية السعودية، من خلال شن حرب ضد الشعب اليمني، تدمير أنصار الله وإخضاع هذا البلد تحت سيطرتها، ولكن الآن طويت هذه الصفحة ولم يضعف أنصار الله فحسب، بل بإنجازاتهم العسكرية الناجحة، جعلوا السعوديين بلا نوم.
ورغم أن المفاوضات بين وفد صنعاء والرياض بدأت منذ عدة أشهر لإنهاء الصراعات وإحلال السلام، إلا أنه وبسبب غطرسة السعوديين لم تسفر هذه المحادثات عن نتائج ملموسة، لذلك يقوم أنصار الله بالهجوم على الأراضي المحتلة والاستيلاء عليها، وتوجه الاحداث في "إسرائيل" هذه الرسالة للسعوديين، إذا لم يتخلوا عن طموحاتهم ويواصلوا الاحتلال، فلن تكون لهم نهاية سعيدة.
ورغم أن "إسرائيل" مجهزة بأنظمة دفاع جوي قوية "فلاخان داود" و"القبة الحديدية"، إلا أننا رأينا أن الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية وصلت إلى الأراضي المحتلة دون أي اعتراض وذلك أيضًا على مسافة طويلة جدًا، لكن السعودية التي من حيث القدرات الدفاعية أضعف من الجيش الإسرائيلي، ولا تبعد سوى مسافة قصيرة عن حدود اليمن، لن يستطيع الصمود في وجه موجة هجمات أنصار الله.
خطوط وشعارات الاحتلال الإماراتي في الجزر والموانئ اليمنية
والوجه الآخر لتدخل أنصار الله في حرب غزة هو الإمارات، التي احتلت أجزاء من اليمن في السنوات الأخيرة وليس لديها أي نية للانسحاب منها، ولطالما أكدت أنصار الله أنها لن تسمح باحتلال قطعة واحدة من الأراضي اليمنية من قبل الإمارات والسعودية، وأنها تمتلك الأدوات اللازمة لمعاقبة الأعداء، لكنها تقوم حاليا بالتفاوض مع التحالف المعتدي، حتى أن الإمارات فتحت أبواب الصهاينة لموانئ اليمن بما فيها جزيرة سقطري البكر، ورد فعل أنصار الله القاسي على التطورات في غزة يظهر أن قادة صنعاء لن يصمتوا في وجه هذا الاحتلال، وفي حرب غزة، أثبت أنصار الله أنهم لا يخشون الأعداء، وعلى الرغم من الدعم الشامل الذي يقدمه الغرب للكيان الصهيوني، فقد تمكن رجال انصار الله من صفع هذا الكيان بشدة، ومع ذلك، لن يكون من الصعب على أنصار الله مهاجمة الإمارات، التي لا يمكن مقارنتها عسكرياً ب"إسرائيل".