الوقت- باتت الأزمة الاقتصادية وضغوط أهالي الأسرى لإطلاق سراح أبنائهم تشكل عبئا إضافياً على تل أبيب في ظل مهلة زمنية محددة في حربها على غزة، الأمر الذي جعل كيان الاحتلال يواجه واقع الحرب على عدة جبهات في حين أن الحرب على غزة كشفت أن كيان الاحتلال الاسرائيلي ضعيف إلى حد الدفاع عن الذات، ليتمكن من إدارة أكثر من جبهة في وقت واحد.
ذلك ما جعل بنية المجتمع داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي في حالة من الغليان والتفكك تحت وقع مجريات الحرب على غزة وفشل الحملة في تحقيق أهدافها واستمرار المعارك التي تسبب شللاً اقتصادياً جراء استمرار استدعاء جنود الاحتياط وسحبهم من سوق العمل وتعطل قطاعات عديدة، في وقت تقدر فيه تكلفة الخسائر الاقتصادية الأولية بأكثر من 50 مليار دولار، وازدحام المطارات بالراغبين في الرحيل، إشارة إلى فقدان اليقين في مشروع "إسرائيل" ذاته.
في هذا السياق قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية: “إنّ حرب (عدوان) الكيان الإسرائيلي المتسارعة على قطاع غزّة أدّت إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع”، مُعتبرةً أنّ ذلك بالإضافة إلى الأعباء الاقتصادية التي تضيفها الحرب ومطالب عائلات الأسرى الإسرائيليين تزيد من الضغط على حكومة الكيان الإسرائيلي لإيقاف الحرب.
وحسب الصحيفة فإنّ تكثيف الضربات الجوية والقتال من مسافاتٍ قريبة في كلّ من شمال وجنوب قطاع غزة أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية التي كانت تتكشّف بالفعل منذ شهرين، ما أثار مخاوف متزايدة لدى الإدارة الأمريكية.
و أوردت الصحيفة أنّه “مع تزايد الضغوط في الداخل والخارج، تتسابق “إسرائيل” لتحقيق أهدافها”، مشيرةً إلى أنّ “الاندفاع نحو تحقيق نوع ما من النصر يتسبب في دمارٍ أكبر”.
ولفتت الصحيفة إلى أنّه “بينما قال القادة الإسرائيليون إنّهم لن ينهوا الحرب حتى يدمّروا حماس، فإنّ مسؤولين أمنيين سابقين قالوا إنّ الضغوط الاقتصادية والدعوات للإفراج عن الأسرى تضع قيودًا زمنية على هذه المرحلة النشطة من الحرب".
ملف الأسرى كابوس يأرق حكومة الحرب المصغرة
من الملفات الساخنة التي تصعد الأمور داخل كيان الاحتلال أن أعضاء حكومة الحرب المصغرة ليسوا على كلمة سواء بشأن الأسرى؛ فغانتس وايزنكوت وضعا استعادة المخطوفين في الصدارة، في حين يرى غالانت والجيش أن الهدف الرئيس هو "ضرب حماس"، ونتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب ما وجد إلى ذلك سبيلًا لإنقاذ نفسه من المقصلة.
وكانت صحيفة وال استريت قد أشارت إلى أنّ عائلات الأسرى الإسرائيليين كثفت دعواتها للحكومة بإعطاء الأولوية لإخراج الأسرى المتبقين، مُشدّدةً على أنّ “استدعاء “إسرائيل” لما يقرب من 400 ألف جندي احتياط، يؤثّر سلبًا في عجلة الاقتصاد، ويُلقي بثقله على الحكومة".
وتابعت الصحيفة بالقول إنّه “في حين يرى القادة الإسرائيليون أنّ الغارات الجوية في خان يونس أداة رئيسية للضغط على حماس لاستئناف محادثات إطلاق سراح الأسرى، فإنّ بعض الأسرى الذين تمّ إطلاق سراحهم مؤخرًا وأقارب أولئك الذين ظلوا في غزة، يشعرون بالقلق من أنّ الهجمات قد تقتلهم عن غير قصد".
يُشار إلى أنه قبل أيام، أكّد الإعلام الإسرائيلي أنّ حكومة كيان الاحتلال وصلت إلى طريق مسدود وخسرت وقتًا ثمينًا”، مشيرًا إلى أن “137 إسرائيليًا محتجزون في الأسر في غزة، فيما هم معلقون بين الحياة والموت، والوعود بإطلاق سراحهم أقوال دون أفعال".
و كانت “تل أبيب” شهدت الأسبوع الفائت تظاهرة ضخمة لأهالي الأسرى ضد حكومة بنيامين نتنياهو بمشاركة عشرات آلاف الإسرائيليين، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “نحن نموت بسبب سياسة نتنياهو.. اخرج من حياتنا”، مطالبين بوقف الحرب والإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
تقتل رعاياها و تتاجر بمآسيهم – تناقضات صهيونية
هل حقاً يقيم كيان الاحتلال الصهيوني وزناً لأسراه أم هي مقاولة فحسب ؟
من خلال إضاءة بسيطة على مفهوم الأسرى لدى الكيان الصهيوني لا بد من الإشارة إلى أن الكيان الاسرائيلي وحسب الراحل اليهودي المغربي المعارض للصهيونية أبراهام السرفاتي- لها تاريخ في قتل رعاياها والاتجار بمآسيهم دون اعتبار لأي قيم.
فالصهاينة ساهموا في قتل يهود المغرب (إغراق السفينة إيكوز)، وفي العراق (عملية فرهود)، وغيرهما لحمل اليهود على الهجرة إلى "إسرائيل" ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا ما جعل الكاتب اليهودي المغربي يعقوب كوهين يقول: "أشعر أني أكثر قربًا من ابن بلدي المغربي مني إلى يهودي أشكنازي".
يكشف لنا تاريخ صفقات تبادل الأسرى مع حكومة الكيان الاسرائيلي أنها دفعت أثمانًا باهظة؛ فقد اضطرت لفك أسر الجندي جلعاد شاليط -الذي أسرته حركة المقاومة الإسلامية حماس في 2006- إلى الإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني، وبرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقتها، إبرام الصفقة بالقول: إن شعب إسرائيل "فريد في نوعه"، إنها "الخصوصية اليهودية"، وهي من الخرافات الصهيونية.
فأي تفرد لشعب يقصفه جيشه حتى يتفحم؟ وأي تفرد لشعب وضع جيشه "بروتوكول هانيبال" لجنوده، فوفقًا لهذا البروتوكول فإن "جنديًا قتيلًا أفضل من أسير"، أي إن البروتوكول يخوّل للجيش قتل أي جندي وقع في الأسر، وهذا ما جرى للملازم هدار غولدين الذي أسرته المقاومة في غزة سنة 2014. وما يجري حاليًا في الحرب التي تدور رحاها على الأسرى في يد المقاومة.
إنّ البروتوكول يعكس جانبًا من التناقضات الأخلاقية التي تعانيها إسرائيل، فهي تحاول أن تفهم شعبها والعالم أن أرواح جنودها مقدسة ومستعدة لتقديم الغالي والنفيس لفك أسْرهم، والقيام بما يلزم لحمايتهم من الوقوع في الأسر ولو بقتلهم. إنها روح "المقاولة".
يمكن لذلك أن يفسر المأزق الصعب الذي تعيشه حكومة الاحتلال الصهيوني بشأن ملف الأسرى و الذي يعمق الخلافات في الداخل.
ضغوطات اقتصادية
فعدا عن تكلفة الحرب الأولية التي تقدر بنحو 50 مليار دولار، ألقت الحرب تداعيات وتأثيرات على مختلف القطاعات الاقتصادية بالسوق الإسرائيلي، وهي تأثيرات أسهمت بتعطيل عديد من المرافق بدرجات مختلفة، وأبرزها، فروع البناء، والسياحة، والضيافة، والترفيه، والمقاهي والمطاعم، الأمر الذي انعكس بتعطيل مئات الآلاف من القوى العاملة. وفي ظل هذه التداعيات تشير بعض التقديرات إلى تراجع كبير في النمو الاقتصادي، فيرى كبير الاقتصاديين في وزارة المالية، شموئيل أبرامزون، أن "إسرائيل" سينخفض نمو اقتصادها إلى 2% فقط.
أما للعام المقبل فيرجح أن النمو سيصل إلى 1.6% فقط، بعد أن كانت التقديرات قبل الحرب تشير إلى نمو 3.4%
أن استدعاء أكثر من 300 ألف إسرائيلي إلى قوات الاحتياط أسهم في تعطيل عجلة الاقتصاد وسوق العمل، علما أن حوالي 20% من قوات الاحتياط هم أصحاب مصالح تجارية وشركات، ناهيك عن أن وزارة المالية رصدت الميزانيات من أجل الصرف على هذه القوات ودفع المخصصات لجنود الاحتياط من أجل تدبير وإدارة شؤون حياتهم اليومية.
ليس هذا وحسب، فكيان الاحتلال الاسرائيلي يشهد ولأول مرة حالة نزوح للمدنيين من الجنوب ومن شمالي البلاد، حيث تم إجلاء حوالي 300 ألف إسرائيلي من البلدات القريبة من خط المواجهة والحرب"، وهذا يثقل كاهل الموازنة العامة.
إلى جانب ذلك، تم وبسبب الحرب تأجيل انتخابات الحكم المحلي في كيان الاحتلال والتي كانت مقررة في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو التأجيل الذي يمنع إقرار أي ميزانيات للبلدات ويتسبب بتعطيل كل برامج ومخططات العمل ومشاريع البنية التحتية والبناء والإعمار، ما يعني تعطيل المقاولين والشركات التي تقدم الخدمات للحكم المحلي.
أما فيما يتعلق بمسألة صرف الشيكل مقابل العملات الأجنبية وخصوصا الدولار، سجل الشيكل تراجعا في بداية الحرب وهو ما دفع بنك "إسرائيل" للتدخل وبيع جزء من احتياطه من الدولار، بهدف منع تفاقم التضخم المالي، حيث إن التضخم المالي سيسهم بارتفاع الأسعار، كما أن للحرب دورا في ارتفاع نسبة الفائدة وتعطل المشاريع التجارية، وهي عوامل تؤثر سلبا على النمو الاقتصادي، حيث إنه في ظل الحرب سجل الاقتصاد حالة من الركود والتباطؤ، وأجلت العائلات مشاريعها الاقتصادية والتنموية والتجارية والاستثمارية، وهو ما يعتبر ضربة للنمو الاقتصادي وسط تراجع لمدخولات الدولة من عائدات الضرائب، علما أن 90% من مدخولات خزينة كيان الاحتلال تعتمد على الضرائب و10% من التجارة الخارجية.
و بطبيعة الحال إن كيان الاحتلال الاسرائيلي الذي يعتمد في اقتصاده على صناعة التكنولوجيا وتجارة الأسلحة ما كان بمقدوره أن يحمل وحيداً نفقات الحرب على غزة، حيث حصل على دعم أمريكي أولي قدره 14 مليار دولار.
وعود كاذبة ومأزق الداخل
يتصاعد الرفض الداخلي للحرب، حيث يرى جزء من الرأي العام في داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي أن الهدف كان يفترض إطلاق الأسرى والمحتجزين دون ورطة عسكرية وأخلاقية تكثفت بشكل يومي خلال المعارك في غزة، لكن السقف العالي للحرب الذي وضعه نتنياهو وحكومته شكّل عنصر أزمة وانقساما داخل المجتمع الإسرائيلي.
ومع توقف مفاوضات الهدنة وتبادل الأسري تصاعد الغضب الشعبى المتزايد ضد حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي ودعوات استقالة نتنياهو، الذى فشل فى إستعادة جميع الأسرى لدى الفصائل وخاصة أن تل أبيب لم تتمكن من إعادة أي من جنودها الأسري لدى الفصائل الفلسطينية او تتعرف على مكانهم حتى الأن، ما دفع بالمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاجاري،أن يزعم بأن "حماس" هي من خرقت الهدنة.
وتحت عنوان "مستقبل نتنياهو السياسي أكثر هشاشة في خضم الحرب بين كيان الاحتلال والفصائل الفلسطينية"، قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية فى تحليل لها إن الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فى الداخل يتراجع وسط تزايد الغضب الشعبى والدعوات لاستقالته.
وقالت الصحيفة إنه لأكثر من عقد من الزمان، كانت هناك دعوات تطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاستقالة ــ لأسباب عديدة منها: تزايد مستويات عدم المساواة، وأزمة الإسكان في "إسرائيل"، وميله إلى الشعبوية القبيحة، وفضائح الفساد المتعددة التي تورط فيها، ولا يزال قيد المحاكمة، ومؤخراً، محاولات لإجراء إصلاح قضائي. ولكن بعد الهجوم الذي شنته الفصائل على البلاد في 7 أكتوبر ، يبدو مستقبله السياسى في "إسرائيل" هشاً بشكل خاص، حتى في خضم حرب جديدة في غزة.
فيما تستمر الخلافات فى حكومة الاحتلال الإسرائيلي، منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي، بعد أن فشلت في اقناع الرأي العام في الكيان الاسرائيلي، بالانتصار على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وعدم القدرة على إعادة الأسرى المحتجزين فى القطاع، فضلا عن فشلها في تقديم الدعم المالى الكافي للمتضررين من الحرب، بما في ذلك مئات الآلاف الذين تم إجلاؤهم من منازلهم.