الوقت - في حين أن هجمات جيش الکيان الصهيوني المتواصلة على قطاع غزة، والتي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، أثارت استياء الرأي العام العالمي، وهم ينظمون كل يوم احتجاجات مليونية ضد محتلي القدس، لكن صمت مجموعات إدلب الإرهابية في شمال غرب سوريا، التي تتظاهر بأنها إسلامية، يفضح المشهد الذي ظل محور المقاومة ينادي به منذ سنوات، وهو أن هذه العناصر هي أداة تنفيذية لأمريكا والكيان الصهيوني.
هذه الجماعات التكفيرية بقيادة هيئة تحرير الشام، والتي تدعي منذ 12 عاماً أن جرائمها في سفك دماء المسلمين هي الجهاد في سبيل الله، لم تتخذ حتى الآن أي موقف تجاه جرائم الكيان الصهيوني، الذي هو العدو الرئيسي والمشترك لجميع المسلمين.
أما لو كانت هذه الجماعات جهاديةً حقاً وتريد إنقاذ العالم الإسلامي، فإن الأولوية ستكون لتحرير القدس من المحتلين، وهو ما كان الهم الأكبر للمسلمين خلال 75 عاماً الماضية، لكن الإرهابيين لا يهتمون بقضية القدس على الإطلاق.
وحتى قبل سنوات قليلة، اعترفت بعض الجماعات التكفيرية بأن تحرير القدس ليس من أولوياتها، وأن تركيزها ينصب على الدول الإسلامية.
الوجود في كاراباخ وأوكرانيا
يأتي الصمت المهين للجبهة الإرهابية التي لا تزال نشطةً في سوريا فيما يتعلق بقضية فلسطين هذه الأيام، في حين تم إرسال هذه المجموعات إلى ساحات القتال خارج سوريا عدة مرات.
في حرب كاراباخ الثانية عام 2020، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال ووكالة سبوتنيك للأنباء بأن مئات الإرهابيين السوريين ذهبوا إلى القوقاز لمساعدة الجيش الأذربيجاني ضد أرمينيا، وأكدت السلطات الروسية وجود تكفيريين في قره باغ، وأعربت عن قلقها من إرسال هذه الجماعات إلى هذه المنطقة المتوترة.
ومن ناحية أخرى، فإن لهذه الجماعات تاريخًا من القتال في صراعات خارج الأراضي الإسلامية في سجلها، ويقاتل المئات من إرهابيي إدلب ضد القوات الروسية في الحرب الأوكرانية إلى جانب الجيش الأوكراني.
وفي شباط/فبراير من العام الماضي، أفادت شبكة الميادين نقلاً عن مصادر محلية في إدلب، بأن مجموعةً أخرى من الإرهابيين الأجانب، وهم من الشيشان والأوزبك والطاجيكستان، غادروا إدلب إلى أوكرانيا ودخلوا هذا البلد للقتال ضد روسيا.
ويأتي اختيار الإرهابيين الشيشان والأوزبكيين والطاجيكيين من قبل الولايات المتحدة، في حين أن هؤلاء الإرهابيين تعرضوا لهزيمة ثقيلة على يد روسيا كداعم للحكومة الشرعية في سوريا في العقد الماضي، وكانوا يحاولون مهاجمة الروس في أوكرانيا.
وأكدت السلطات السورية والروسية إرسال تكفيريين إلى أوكرانيا، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا، كما تم الإعلان عن عدد الإرهابيين الذين تم إرسالهم إلى الجبهات الأوكرانية بأكثر من ألف شخص.
وبالنظر إلى وجود الجماعات الإرهابية في كاراباخ وأوكرانيا، وهو خارج نطاق شعاراتها وأهدافها الجهادية، إلا أن هذه الجماعات وافقت على التوجه إلى هذه المناطق بما يتماشى مع مصالح الجهات الفاعلة الأخرى من خارج المنطقة، لكن تحرير فلسطين، الذي هو أولوية العالم الإسلامي، لا يدخل في قاموس المتطرفين، بل إنهم يرفضون إدانة جرائم تل أبيب في غزة والضفة الغربية.
منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011، نُشرت العديد من الأخبار والوثائق التي تفيد بأن المجموعات الإرهابية تخضع لقيادة الجبهة العبرية الغربية، وتقوم بتنفيذ مخططاتها في المنطقة.
ونشرت في السنوات الماضية صور علاج جرحى الإرهابيين في مستشفيات الكيان الصهيوني، وحتى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، قام شخصياً بزيارة هؤلاء الإرهابيين، لأنه بعد العلاج، كان من المفترض أن يعود الإرهابيون إلى سوريا لمتابعة خطتهم غير المكتملة.
ولذلك، فإن الإرهابيين ليسوا على استعداد لإدارة ظهورهم لأسيادهم الصهاينة وإغضاب قادة تل أبيب، من خلال دعم الشعب الفلسطيني المضطهد وإدانة جرائم المحتلين.
حتی طالبان والقاعدة لم تلتزما الصمت تجاه الصهاينة
من المؤكد أن أي ادعاء من جانب الإرهابيين لتبرير تقاعس هذه الجماعات تجاه الوضع الفلسطيني ليس أكثر من هروب، وتكشف الحرب في غزة بشكل أكبر عن الطبيعة المعادية للإسلام لإرهابيي إدلب.
اليوم، سلطت قضية فلسطين الضوء علی جبهة الحق والباطل، إلى حد أن حركة طالبان التي تعتبر رائدة وعراب الجماعات الجهادية في العالم، ردت مراراً وتكراراً بحدة على جرائم الکيان الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية.
ففي بيان صدر مؤخراً، أدانت وزارة خارجية حركة طالبان جرائم المحتلين في غزة، وطالبت المجتمعات الإسلامية بالعمل ضد الکيان الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني.
حتى أن بعض مسؤولي طالبان أعلنوا على شبكات التواصل الاجتماعي، أنه إذا سمحت الدول الإسلامية بالمرور عبر أراضيها، فإنهم مستعدون للذهاب إلى الأراضي المحتلة وقتال الإسرائيليين.
وربما يمكن القول إن القضية الفلسطينية هي المعيار الأساسي لدی الولايات المتحدة لتقسيم الجماعات الإرهابية، حيث إن أمريكا تعتبر التنظيمات التكفيرية إرهابيةً وأعداءً إذا کانت لا تخدم مصالح الکيان الصهيوني فقط.
إذ إن تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي أولته أمريكا في السنوات الماضية اهتماماً خاصاً لقتل قادته، يتخذ بين الحين والآخر رد فعل حاداً ضد التطورات في فلسطين.
وفي أحد الأمثلة على هذه المواقف، قال أيمن الظواهري، الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، في مايو 2018، عندما اعترفت الحكومة الأمريكية السابقة بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني، إن الولايات المتحدة بهذا الإجراء أزالت القناع عن الوجه الحقيقي للحملة الصليبية، وأدانها بشدة.
وهکذا، فقد أظهر مشهد التطورات في فلسطين أهمية الدور السوري في الحفاظ على معقل المقاومة، في مواجهة المخططات الأمريكية الصهيونية لمحو فلسطين من الخارطة والاستيلاء على القدس بالكامل.
فمنذ احتلال الصهاينة لفلسطين، كانت سوريا أكبر داعم لفلسطين، ودافعت عن فلسطين بالوسائل الدبلوماسية وحتى العسكرية خلال العقود السبعة الماضية. ولم تهمل الحكومة السورية أبدًا قضية القدس خلال الأزمة الداخلية، وكانت دائمًا تدين جرائم تل أبيب في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد أظهرت تجربة العقد الماضي أن خلق الأزمة في سوريا وإرسال إرهابيين من جميع أنحاء العالم إلى هذا البلد، تم اختياره بشكل مقصود، لأن سوريا القوية في جوار الأراضي المحتلة، كانت أكبر تهديد لأمن الصهاينة وقاعدة دعم استراتيجية لفلسطين.
ولهذا السبب، عمل الإرهابيون كمشاة للجبهة العبرية الغربية للإطاحة بحكومة بشار الأسد وضمان أمن المحتلين، وما الادعاء باستعادة الخلافة الإسلامية والتخلص من القادة الطغاة، إلا مجرد غطاء للمشروع السري الذي أملاه الغرب والکيان الإسرائيلي.
إن تصرفات الجماعات الإرهابية ضد الدول الإسلامية المعارضة للاستكبار، وصمت هذه الجماعات تجاه القضية الفلسطينية، أزال القناع عن الوجه الحقيقي لهذه الجماعات، وأظهر أن الإرهابيين، خلافاً لادعاءاتهم، لم يكونوا يبحثون عن خلاص المسلمين فحسب، بل كانوا يعتزمون أيضاً تحقيق مخططات الغرب والصهاينة التدميرية، وخاصةً خطة إقامة "الشرق الأوسط الكبير"، وهي خطة كان من المفترض أن تجمع دول المنطقة في نظام اقتصادي حر في كتلة مركزها الکيان الإسرائيلي، تضعف فيها الدول الإسلامية وتكون المبادرة السياسية والأمنية والاقتصادية في أيدي الصهاينة.
إن صمت الجماعات الإرهابية المتمركزة في سوريا أمام جرائم الکيان الصهيوني في قطاع غزة، أظهر أن الجهاد المزعوم لهذه الجماعات لا يكون إلا ضد مصالح العالم الإسلامي، والصهاينة في مأمن من الإرهابيين.
وبما أن الرأي العام في المنطقة يعتبر من يسكت على جرائم الکيان الإسرائيلي في فلسطين شركاءً للاحتلال، لذلك يدخل الإرهابيون في هذه الفئة، ولم يعد المسلمون يقبلون ادعاءات هذه الجماعات.