الوقت- في الوضع الذي يشن فيه الکيان الصهيوني، بدعم كامل من الغرب، أشد قصف جوي ضد شعب غزة، ويجري فيه القتل الجماعي للفلسطينيين، زادت الدول التي تدعم الشعب الفلسطيني أنشطتها الدبلوماسية كالعادة، وعبر التحذيرات المتكررة تحاول إجبار الکيان الصهيوني على التراجع.
وتزامناً مع الهجمات المتفرقة التي يشنها الکيان الصهيوني على أراضي سوريا ولبنان، واحتمال نشوب صراع بين هذه الدول مع جيش الاحتلال، توجّه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى العراق ولبنان في إطار جولته الإقليمية، لمناقشة التطورات الإقليمية مع مسؤولي هذه الدول.
في المحطة الأولى من جولته الإقليمية، وصل أمير عبد اللهيان إلى بغداد يوم الخميس الماضي، والتقى برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وقاسم الأعرجي مستشار الأمن الوطني العراقي. وحسب مسؤولين في بغداد، فإن زيارة أمير عبد اللهيان جاءت لبحث الوضع في فلسطين وتنسيق العالم الإسلامي لدعم الفلسطينيين، إضافة إلى الاتفاقية الأمنية الثنائية.
تجدر الإشارة إلى أن فصائل المقاومة العراقية في حالة استنفار لمساندة أهل غزة، وحذرت أمريكا من أنها إذا تدخلت في المعركة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الصهيوني، فإنها ستستهدف كل قواعد هذا البلد في المنطقة.
حالياً يعتبر الحشد الشعبي من أقوى أذرع المقاومة في المنطقة، نظراً لقدراته العسكرية الواسعة واكتسابه خبرةً كبيرةً في مواجهة الجماعات الإرهابية، وإذا اقتضت الظروف فيمكنه توجيه ضربات قاصمة للکيان الصهيوني وداعميه الغربيين في المنطقة.
وبعد العراق، توجه أمير عبد اللهيان إلى بيروت، وبينما كان في استقباله مسؤولون رفيعو المستوى من الفصائل الفلسطينية في المطار اللبناني، التقى الجمعة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، ونجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان.
وقال بيان حزب الله إنه تم في هذا اللقاء الوقوف على الأحداث والتطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، وخاصةً بعد عملية طوفان الأقصى واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والقتل الوحشي للناس في المسجد الأقصى والضفة الغربية وقطاع غزة.
كما تم في هذا اللقاء تقييم الأوضاع والمواقف الدولية والإقليمية والنتائج المحتملة، ومناقشة المسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع، والمواقف التي ينبغي اتخاذها إزاء هذه الأحداث التاريخية والتطورات الخطيرة.
وقال أمير عبد اللهيان: "المهم بالنسبة لنا هو أمن لبنان والحفاظ على السلام هناك، وهذا هو هدف زيارتي"، وأضاف "أقترح عقد اجتماع لزعماء المنطقة لبحث الوضع الحالي".
کما شدد نجيب ميقاتي خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني، على ضرورة بذل كل الجهود الدبلوماسية من قبل كل الأطراف، لوقف الاعتداءات على غزة وحماية لبنان.
جاءت زيارة أمير عبد اللهيان إلى بيروت في حين أنه بعد بدء عملية طوفان الأقصى من قبل حركة حماس، قامت قوات حزب الله، وبمبادرة منها والتحذيرات التي سبق أن أطلقتها لمغامرات المحتلين في مزارع شبعا والضفة الغربية وغزة، بشنّ عدة هجمات صاروخية على مناطق ومراكز عسكرية في الأراضي المحتلة.
رسالة إلى تل أبيب والغرب
لا شك أن زيارة أمير عبد اللهيان إلى العراق ولبنان، تحمل رسائل مهمة للكيان الصهيوني وداعميه الغربيين، مفادها بأنهم إذا واصلوا إثارة الحرب فإن محور المقاومة سيردّ وفقاً لذلك، ولن يبقى مکتوف الأيدي حيال المذبحة الوحشية التي يتعرض لها سكان غزة.
وفي هذا الصدد، أكد أمير عبد اللهيان بوضوح في بيروت أنه مع استمرار جرائم الکيان الصهيوني في غزة، فإن احتمال فتح جبهات جديدة ضد "إسرائيل" أصبح احتمالاً حقيقياً.
وفي رسالة مباشرة من بيروت، قال أمير عبد اللهيان: "نحن هنا لنعلن بصوت عالٍ مع الدول والحكومات الإسلامية، أننا لن نتسامح مع جرائم الکيان الصهيوني ضد أهل غزة".
رغم أن الجمهورية الإسلامية أعلنت أن كل هذه العمليات الأخيرة نفذها الفلسطينيون، إلا أنها حذرت أيضاً من أنها لن تبقى صامتةً أمام جرائم الاحتلال ضد فلسطين وفصائل المقاومة في المنطقة. وحتى التهديدات الأمريكية الفارغة لا يمكنها أن تُبقي محور المقاومة صامتاً، إزاء العدوان الغاشم الذي يمارسه الاحتلال في غزة.
وفي الأيام الأخيرة، حذر مسؤولون في واشنطن إيران وحزب الله من التورط في الصراعات في غزة، لأنه في هذه الحالة، ستعمل واشنطن أيضًا على دعم تل أبيب.
وفي هذا الصدد، حذر وزير الخارجية الإيراني من بيروت قادة البيت الأبيض: "الأمريكيون يدعون الجميع إلى ضبط النفس، لكنهم يقدمون الأسلحة والمساعدات لـ"إسرائيل" ويتركون يد نتنياهو حرة لمواصلة الجرائم، أمريكا تريد إعطاء "إسرائيل" فرصة لتدمير غزة، وهذا خطأ أمريكي كامل، وإذا أرادوا ألا تتطور الحرب في المنطقة، فعليهم السيطرة على "إسرائيل".
تبدو هذه الزيارة مهمةً لأن طهران تحاول إيصال هذه الرسالة إلى الکيان الصهيوني، بأن أطراف محور المقاومة في المنطقة متحدة تماماً ومستعدة للسيناريوهات المختلفة، وبينما زعم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أنه سيغير شكل الشرق الأوسط بهجوم بري على غزة، فإن الرسالة المركزية للمقاومة بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني هي أن اتخاذ خيار الهجوم البري على غزة، كما قال نتنياهو، سيؤدي إلى تحول في الشرق الأوسط، ولكن في شکل شرق أوسط من دون الاحتلال الصهيوني!
وقد وجهت هذه الرسالة الواضحة للصهاينة، في حين كان قادة تل أبيب قلقين للغاية من فتح الجبهة الثانية على الحدود اللبنانية منذ بداية الصراع الأخير، ولهذا السبب تم إرسال آلاف القوات العسكرية إلى الجبهة الشمالية، حتى لا يفاجؤوا في حال حدوث صراع مثل التطورات في غزة.
ومن ناحية أخرى، هناك حدث آخر يدل على أن قادة الصهاينة استوعبوا رسالة زيارة أمير عبد اللهيان بشكل جيد وكانوا يشعرون بالقلق منها، لذلك نفذ الکيان هجمات صاروخية على مطاري دمشق وحلب قبل هبوط طائرة وزير الخارجية الإيراني، حيث إن الطائرة التي تقل أمير عبد اللهيان لم تتمكن من الهبوط في مطار دمشق بسبب الأضرار، واضطرت للمغادرة إلى بيروت.
خلق حملة دولية ضد الاحتلال
من خلال تطوير الدبلوماسية الإقليمية لدعم الشعب الفلسطيني، تحاول إيران خلق حملة دولية لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم وإدانة الجرائم التي يرتكبها الصهاينة في غزة، وجاءت الجهود لعقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي والتحدث مع مسؤولي الدول الإسلامية في الأيام الأخيرة، في هذا الاتجاه أيضًا.
ودعا أمير عبد اللهيان في بيروت كل الحكومات الإسلامية إلى الإعلان بصوت عال والمطالبة بإنهاء جرائم الحرب التي يرتكبها الکيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ووقف حصار النساء والأطفال والمدنيين في غزة.
إن التقارب الإقليمي بين الدول الإسلامية، يمكن أن يضغط على الاحتلال للتراجع عن قتل المزيد من الناس في غزة، لأن نتنياهو راهن على تطبيع العلاقات مع الدول العربية في الأشهر الأخيرة، وسوف يؤدي تزايد الجرائم في غزة إلى توقف عملية التسوية، كما قالت السعودية التي كانت على طريق التطبيع، بعد بدء هجمات تل أبيب على غزة، إنها ستنهي كل المفاوضات حول التطبيع مع الکيان الإسرائيلي.
ولذلك، إذا تصرفت الدول الإسلامية بشكل متماسك ومتناغم ضد الاحتلال الإسرائيلي، فلن يكون أمام الصهاينة خيار سوى الاستسلام.