الوقت - تصعيد سياسي جديد يظهر في أفق العلاقات المغربية الفرنسية وهو ما يشير إلى غياب أي مؤشرات تحسن في تلك العلاقات بالعكس بل يبدو أنها تدخل مرحلة “القطيعة الكبرى” بعدما استبعد القصر الملكي المغربي استقبال السفير الفرنسي لتقديم اعتماد أوراقه.
وأفاد القصر الملكي المغربي حسب وكالة الأنباء الرسمية باستقبال الملك محمد السادس عددا من السفراء لتقديم أوراق اعتمادهم، منهم عرب مثل السودان وقطر وغربيون مثل الدنمرك ومن مناطق أخرى مثل روسيا، وكانت المفاجأة أنه استثنى السفير الفرنسي من الاستقبال.
وأثار غياب السفير الفرنسي الجديد كريستوف لوكورتيي لدى الرباط عن الاستقبال الملكي لـ14 سفيراً جديداً قدموا أوراق اعتمادهم عدة تساؤلات حول ما إذا كان ذلك مؤشراً على أن كرة ثلج الأزمة التي تخيّم على علاقات البلدين بدأت تكبر.
حيث كان لافتا للانتباه أن غياب لوكورتيي بصفته سفيراً مفوضا فوق العادة للجمهورية الفرنسية لدى المملكة جاء بعد أيام من رفض السلطات المغربية للمساعدات الفرنسية الموجهة لضحايا زلزال الثامن من أيلول الماضي، ما أثار حفيظة الإعلام الفرنسي الذي شنّ حملات ضد المغرب ومؤسساته، وعكس حجم التوتر الذي يلقي بظلاله على علاقات الرباط وباريس.
فكان من المتوقع أن يُستدعى السفير الفرنسي إلى القصر الملكي بالرباط وخصوصا أنه أيضا سفيراً مفوضاً فوق العادة، في خطوة يُأمل منها إعطاء بارقة أمل بخصوص تحسن العلاقات المغربية الفرنسية، وخاصة بعد مشاركة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، قبل أيام، ممثلا للملك، في مراسيم تكريم الجنود المغاربة الذين ساهموا في تحرير كورسيكا، حيث التقى بالرئيس الفرنسي ماكرون وحتى اللحظة لا يزال المغرب يتجاهل سعي ماكرون لزيارة المملكة ولم يصدر أي تعليق رسمي حول سبب غياب السفير الفرنسي عن الاستقبال الملكي.
ويوصف لوكورتيي، الذي سبق له شغل منصب سفير لفرنسا لدى كل من أستراليا وصربيا، بأنه شخصية مقربة من دائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وباريس تعول عليه للمساهمة في تجاوز الأزمة التي تمر بها العلاقات بين البلدين منذ نحو سنتين، وإحياء التعاون الاقتصادي بينهما، ولا سيما الشق المتعلق بالاستثمارات الفرنسية في المغرب، وكذا في مجال التكنولوجيا والطاقات المتجددة، نظرا لخبرته المهنية الطويلة في هذه المجالات.
في المقابل، ما زال منصب سفير المغرب بفرنسا شاغراً منذ أن أنهى العاهل المغربي مهام محمد بنشعبون في ال17 من كانون الثاني الماضي، وهو يوم تصويت البرلمان الأوروبي نفسه على قرار بخصوص حرية الصحافة، اعتبر معادياً للرباط، بمبادرة ودعم نواب من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قام بتعيين كريستوفر لوكرتيي القادم من عالم المال والأعمال سفيرا لدى المملكة المغربية خلال كانون الأول الماضي، والتحق بمنصبه منذ شهور، ولم يستدعه القصر الملكي لتقديم أوراق اعتماده الرسمية أمام الملك.
وبررت السفارة الفرنسية في الرباط في تصريح لموقع هسبريس الإلكتروني الإجراء المغربي بأن السفير قد يتم استقباله مع فوج جديد من السفراء الجدد.
وفي سياق متصل وفي ظل تلك الخلافات والتوترات نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية افتتاحية تؤيد فيه موقف السلطات الفرنسية قائلة: “على الرباط أن تدرك أن فرنسا مطالبة بالتوافق مع القانون الدولي في ملف الصحراء الغربية”.
وتابعت في نقد شديد للمخزن المغربي “كما يجب على المغرب أن يدرك بأن جموده الاستبدادي في الداخل وممارساته المتطفلة في الخارج، التي كشفت عنها شركة بيغاسوس وكذلك فضيحة موركو غايت في بروكسل، تضر بصورته أكثر مما تساعده، فهناك يكمن تآكل قوة المغرب الناعمة وليس في عصابات وهمية”، وتشير بهذا إلى تجسس المغرب على القادة الفرنسيين ببرنامج بيغاسوس الإسرائيلي وشراء ذمم نواب من البرلمان الأوروبي للحصول على دعم في نزاع الصحراء والتستر على خروقات حقوق الإنسان.
ويعكس تهميش الدبلوماسية المغربية للسفير الفرنسي قلق الرباط من الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء الغربية، ويلح المغرب على فرنسا للاعتراف بسيادته على الصحراء أسوة بالولايات المتحدة وما تصعيداته الأخيرة إلا ليضغط على الفرنسي في هذا الموضوع.
يبدو أن المغرب حسم في اختياراته الابتعاد عن كل ما يخالف توجهاته وإرادته فإما أن يكون ما يريد وإما الاستغناء هو الخيار البديل.
كما أن السياسة الجديدة التي تنهجها السلطات المغربية تعتمد بشكل أساسي على موقف الدول من قضية الصحراء، وما دامت فرنسا لم تستطع إعطاء موقف واضح وصريح من قضية الصحراء المغربية فلا مجال للرباط للتعامل بإيجابية مع الفرنسيين، ما دامت فرنسا الماكرونية تميل إلى الغموض وعدم الوضوح تجاه قضية الصحراء المغربية.
الجدير بالذكر أن أصل التوتر الحاد بين المغرب وفرنسا يعود إلى قرار السلطات الفرنسية، عام 2021 بخفض عدد تأشيرات الدخول للمغاربة، على خلفية رفض المملكة إعادة مهاجرين غير مرغوب فيهم، وقد تراجعت باريس عن قرارها، في كانون الأول الماضي وسرعان ما تعمّق الجفاء، في كانون الثاني، عندما تبنى النواب الأوروبيون قراراً ينتقد تدهور حرية الصحافة في المغرب، اعتبرته الرباط مؤامرة “دبّرها” نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان الأوروبي.
أما عن مصير العلاقات بين المغرب والجزائر فيرى مراقبون أن العلاقات بين البلدين محكومة بالتاريخ والمصالح المشتركة، ومن المستبعد جداً أن يستمر الفتور في العلاقات مدة طويلة، الأزمة قائمة، لكنها لن تستمر طويلاً فمنذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، والعلاقات المغربية الفرنسية تعرف مداً وجزراً، وعاشت على وقع توتر صامت تحول إلى “مواجهة مفتوحة” دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحتى إعلامية.