الوقت- لقد أتى الطلب الذي قدمه رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو إلى إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم ومؤسس منصة "تويتر" السابقة المعروفة باسم "إكس"، دون مفاجأة.
جاء هذا الطلب بهدف التدخل والتأثير على سياسة موقع التواصل الاجتماعي الذي يمتلكه ماسك، وذلك بهدف تقليل ما يُعتبر "مُعاداةً للسامية" عبر المنصة إلى أدنى حد ممكن، وجرى هذا اللقاء بين نتنياهو وماسك في مقر شركة "تسلا" بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويُعتبر الهدف الرئيسي لنتنياهو ولوبيات اليهودية الصهيونية في هذا السياق هو استغلال تهمة "مُعاداة السامية" لكبح حرية التعبير وإخمادها بأكبر قدر ممكن، ويسعون لذلك ليس فقط في الغرب، ولكن في جميع أنحاء العالم، هدفهم الرئيسي هو حجب الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال في فلسطين المحتلة، ومنع وصول هذه المعلومات إلى الرأي العام العالمي باستخدام جميع الوسائل الممكنة.
إسكات كل من يفضح جرائم الكيان
اللوبيات الصهيونية نجحت في اختراق منصات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل "فيسبوك"، و"إنستغرام"، و"يوتيوب" بشدة، لقد جندت قوة عمل ضخمة لتحقيق هذا الهدف، وهو حذف المحتوى العربي والفلسطيني من هذه المنصات، الآن حان الوقت لممارسة الضغط على إيلون ماسك مُبكرًا، وإجباره على اتخاذ الخطوات نفسها، يجب عليه حذف المحتوى العربي وتهديده بفرض عقوبات اقتصادية على شركاته وإفلاسها، ولا سيما شركة "إكس" التي اشتراها العام الماضي بقيمة تجاوزت 44 مليار دولار.
وقامت رابطة مكافحة التشهير بالصهيونية، وهي منظمة غير حكومية تتلقى دعمًا من تل أبيب وتستغل قضية مكافحة "معاداة السامية" كذريعة لدعم الاحتلال وجرائمه، بشن حملة عنيفة ضد إيلون ماسك ومنصة "إكس"، وقامت هذه المنظمة بدعوة شركات أمريكية لعدم الإعلان على هذه المنصة، ما دفع ماسك إلى رفع دعوى قضائية ضدها أمام المحاكم الأمريكية، ويُشكِّل هذا التحرك القضائي استنكارًا للاتهامات التي لا أساس لها، مثل "معاداة السامية" والزج به بدعوى تشجيع انتشار خطاب الكراهية بسرعة عبر منصته، هذا الوضع أدى إلى تراجع حاد في حجم الإعلانات على المنصة بنسبة 60 بالمئة، قد يتوجب على ماسك المطالبة بتعويضات تصل إلى 6 مليارات دولار بسبب هذا الخسارة.
ورد إيلون ماسك على حملة اللوبيات الصهيونية جاء بقوة واستقامة، وأكّد في الوقت نفسه على مبدأ "حرية التعبير" وأهمية دعم حق الآخرين في التعبير عن آرائهم.
في مواجهة بنيامين نتنياهو الذي يعتبر واحدًا من أكبر العناصر العنصرية، وأشار ماسك إلى أن "حرية التعبير غالبًا ما تؤدي إلى خلافات، وإذا قال شخص شيئًا لا تحبه، فهذا ليس انتهاكًا لحرية التعبير إذا تم قبول ذلك الرأي والتعامل معه بشكل مناسب"، وأشار إيلون ماسك: "هذا لا يعني أنه يجب فرض السلبية على الناس، لأن منصة "إكس" لا يمكن أن تكون جذابة أو ممتعة أو خالية من تبادل وجهات النظر، وهذا سيؤدي إلى فقدان المستخدمين الذين سيتركون المنصة"، هذه الكلمات كانت صفعة قوية لبنيامين نتنياهو وأنصاره الذين يُعلنون أن كيان الاحتلال الإسرائيلي هو "الدولة" الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
واستخدام تهمة "معاداة السامية" كأداة إرهابية لقمع حرية التعبير واحتكارها، أثر بشكل سلبي على العديد من المنظمات اليهودية التي عبَرَت عن معارضتها لهذا الاستغلال، وشكلت تعريفها ومضمونها بشكل غير عادل، وليس إيلون ماسك هو الشخص الوحيد الذي تأثر بهذه الحملة، بل كان خاسرًا بشكل كبير، حيث تسببت الحملة ضده وضد منصته في خسارته تجاوزت 22 مليار دولار، وذلك من خلال انخفاض قيمة أسهم منصته.
وبمجرد أن تكتب أي كلمات معادية للجرائم الإسرائيلية، تتعرض لحملات شديدة من قبل منظمات يهودية صهيونية تهدف إلى إسكاتهم، فقد تم إغلاق حسابات على منصة "الفيسبوك" أربع مرات، ونجحوا في حذف جميع الإعلانات عن قنوات على منصة "اليوتيوب"، وتعرض البعض أيضًا للمنع من الظهور على العديد من القنوات التلفزيونية البريطانية والأمريكية، إضافة إلى بعض القنوات العربية، ولا سيما الـ"بي بي سي" بكل نسخها باللغة الإنجليزية والعربية وللغات الأخرى، ورغم أن البعض ينتمي إلى الفئة التي تتعرّض للاتهام بـ "معاداة السامية"، إلا أن هذا التهمة لا تستند إلى أي دليل واقعي، فالحملة لا تزال مستمرة، ولكن رغم ذلك، لن يستسلموا في هذا الإطار.
تحقيقٌ يصفع "إسرائيل"
البرنامج الوثائقي الرائع الذي عُرِض على قناة "الجزيرة" قبل بضعة أسابيع بعنوان "ما خفي أعظم"، قدم لقاءات مصوّرة وصوتية مع عدد من الخبراء والعاملين السابقين في منصة "فيسبوك"، أكدوا خلالها أن أجهزة الأمن الإسرائيلية نجحت في اختراق المنصة، وأن هناك عددًا كبيرًا من الموظفين الإسرائيليين العاملين فيها يقومون بحذف المحتوى الذي ينتقد الجرائم الإسرائيلية، بما في ذلك الإعدامات الميدانية للأبرياء واستهداف الأطفال، وأخص بالذكر المحتوى العربي والفلسطيني.
وأشارت الدكتورة ماريلينا ويسنياك، الخبيرة في مجال الحقوق الرقمية، إلى وجود حجب كبير للمحتوى العربي الفلسطيني على منصة "الفيسبوك"، وهذا في تناقض مع المحتوى العبري، وأكد مسؤولون سابقون في المنصة وشقيقتها "إنستغرام" أن هناك جيشًا ضخمًا تم تجهيزه من قبل "إسرائيل" ويضم أفرادًا ومنظمات يهودية لتنفيذ هذه المهمة، كما تم إطلاق تطبيق يشجع المشتركين على التبليغ عن أي محتوى ينتقد "إسرائيل".
وفي دقائق قليلة بعد بث هذه الحلقة الموثقة حول جرائم الكيان الإسرائيلي الفاشي في قمع وسائل التواصل الاجتماعي وحذف المحتوى العربي والفلسطيني، قامت شركة "ميتا"، المالكة لشركة "الفيسبوك" والتي يملكها اليهودي الصهيوني مارك زوكربيرغ، بإغلاق صفحة تامر المسحال على "الفيسبوك"، هذا يؤكد على تصاعد جهود المنظمات اليهودية الصهيونية في محاولة قمع حرية التعبير وحرية الرأي، بدعم من دولة الاحتلال الإسرائيلي، نحن نعيش في زمن تحديات كبيرة في مجال حرية التعبير على الإنترنت.
مرحلة القلق الإسرائيليّ
إن زيارة نتنياهو إلى مقر شركة "تسلا" في كاليفورنيا للقاء إيلون ماسك ومُطالبته بالتدخل لمحاربة ما تُسمى "معاداة السامية" تمثل إشارة إلى ضعف وانكسار لدولة "الأبارثايد" الصهيونية، وقد تشير إلى بداية النهاية لمحاولتها السيطرة على وسائل الإعلام الجديدة بالطريقة نفسها التي سيطرت بها على وسائل الإعلام التقليدية، ويتمنى كثيرون أن يظل إيلون ماسك قويًّا في موقفه دعمًا لـ "حرية التعبير" ومواجهة هذه الجماعات الإرهابية التي تسعى للتحكم في منصته وتحويلها عن مسارها الحالي الذي يحترم تنوع الآراء ويكرّس حرية التعبير، إن هذا الرجل، إيلون ماسك، خسر مبالغ ضخمة بسبب هذه الحملة الإرهابية التي تعرض لها وما زال يتعرض لها، وأن لديه ثروة كبيرة ما جعله يحتل مرتبة الرجل الأغنى في العالم بفضل ذكائه وإصراره.
وإذا كانت الحكومات العربية والإسلامية لا تستطيع التصدي لهذا اللوبي الإرهابي والوقوف من جانب العدالة والحريات وحقوق الإنسان، فإن أدنى ما يمكن القيام به هو دعم هذا الرجل وشركاته والمشاركة معه في شراكات اقتصادية، ويمكن فتح فروع لمصانعه في هذه البلدان، بناءً على متابعات محللين لسيرته ونجاحاته، نعتقد أن هذا الاستثمار سيحقق أرباحًا مادية ضخمة، لقد أثرت هذه الأخبار بسعادة كبيرة عندما علمنا أن المملكة العربية السعودية تستعد لاتخاذ هذه الخطوة، وأن تركيا ستسلك المسار نفسه، ونأمل أن تلتحق تركيا قريبًا بالرئيس رجب طيب أردوغان في لقاء مع إيلون ماسك لمناقشة مشاريع مشتركة في تركيا.
سر الهجمة الإسرائيلية
تطالب "إسرائيل" من خلال مسؤوليها التنفيذيين في فيسبوك بزيادة استباقيتهم في إزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين من المواقع المختلفة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الدعوة تأتي دون وجود دليل قاطع يثبت أكثر مما سبق، ما يعزز الشكوك حول التبعية الحقيقية لتلك الشركات الكبرى ودورها في القضية، يبدو أن الخطوط الحمراء لهذه الشركات قد بدأت تظهر بوضوح، وموقع فيسبوك، الذي يُعتقد أنه متواطئ مع تل أبيب في بعض القضايا، لم يتعامل معها بطريقة تحقق العدالة والمساواة في التعامل مع المحتوى على منصته، وهذا التطور يثير تساؤلات حول كيف يمكن لمثل هذه الشركات اليوم أن تدعم مثل هذه المطالبات والدعوات من جانب العدو، ويجب أن تتبنى الشركات الكبرى سياسات واضحة وعادلة تجاه جميع المستخدمين وتحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير. وينبغي أن يكون هناك مراجعة جادة للعلاقات بين هذه الشركات والحكومات والجهات السياسية لضمان عدم تواطؤها في قمع أصوات الفلسطينيين والمظلومين.
وهذا النوع من التحالفات والتعاون يساهم في تعقيد الوضع وتشويه الحقائق، ويزيد من الاستقطاب والصراع في منطقة الشرق الأوسط، يجب أن تتم مراجعة هذه السياسات والتصرفات لضمان العدالة وحقوق الإنسان وتحقيق السلام في المنطقة.
استخدام العدو الإسرائيلي لممارسات معادية لأبسط حقوق الإنسان يعكس خوفه من التضامن العربي والعالمي، وخاصةً على المستوى الشعبي، الذي قد يتجلى على منصات التواصل الاجتماعي في تعبيرات تضامن مع الفلسطينيين في أوقات يتعرضون فيها لأعمال عنف وقتل كل يوم.
في النهاية، إن كيان الاحتلال الإسرائيلي المتغطرس يواجه تحديات متزايدة بفضل المقاومة المتصاعدة في الأراضي المحتلة ودعم الجماهير العربية، على الرغم من عدم دعم معظم الحكومات له، هذا الدعم وتغيير معادلات القوة في المنطقة يشكلان تحدياً حقيقياً للكيان، وإذا كان الغالبية العظمى من موظفي شركة "تسلا" الذين التقى بهم نتنياهو يعارضون بشدة هذا اللقاء مع هذا الضيف العنصري، فإن هذا الموقف يظهر بوضوح أن المعارضة تزداد قوة وأهمية، ولقد وصف إيلون ماسك هذه المعارضة بأنها الأقوى في حياته، وهذا يشير إلى أن التغيير قد بدأ وأن النهاية قد تكون قريبة، والأيام القادمة ستكشف المزيد.