الوقت- في خطوة لافتة للانتباه، انتشرت معلومات من داخل جلسة لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، وهي واحدة من أهم اللجان وأكثرها سرية، على يد أحد المسؤولين الكبار في كيان الاحتلال الإسرائيلي، وقد أكّد هذا المسؤول بأنه في هذه الجلسة، شارك أيضاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحسب يارون أبراهام، مُراسِل الشؤون السياسيّة في القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، أفاد أحد المشاركين في الجلسة السريّة بأن "السلطة الفلسطينيّة في رام الله حيوية بالنسبة لنا، ونحن بحاجةٍ ماسة إليها، ويجب علينا ألّا نسمح لها بالانهيار، نهائياً"، وفقاً لتعبير المسؤول الإسرائيلي البارز الذي طلب عدم الكشف عن اسمه وفقاً للتلفزيون، ما يكشف حقيقة الدور الخطير والسلبيّ الذي تلعبه السلطة الفلسطينية ضد الشعب والبلاد المحتلة.
دعم إسرائيليّ غير مسبوق للسلطة
بشكل أوضح من المعتاد، أوضح أبراهام أن الجلسة عُقدت في وقتٍ سابقٍ، حيث تمت مناقشة الخلاف الإسرائيلي الداخلي بشأن نقل معدات مصفحة وأسلحة وطائرة شخصية لرئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، محمود عباس (أبو مازن)، إضافة إلى ذلك، استشهد أبراهام بتصريحٍ من محضر جلسة المجلس السياسي والأمني المُصغَّر (كابينيت) حيث ورد: "في ظلّ عدم وجود تغييرٍ في تقديرات إسرائيل الوطنيّة، فإنّ إسرائيل ستعمل على منع انهيار السلطة في رام الله"، أما أور هيلر، المحلل العسكري في القناة الـ 13 بالتلفزيون الإسرائيليّ، أشار في تقريره حول الحادثة إلى أنه "إذا كانت المركبات المصفحة توفر الدعم لدخول الأجهزة الأمنية التابعة لرام الله إلى مخيم جنين وأماكن أخرى، فإن هذا سيكون مكسبًا صافيًا بالنسبة لنا"، وفقًا لتعبيره، وختم تقريره بالقول: "إذا لم يكن هذا لنا، إذا لم يكن هذا لأمننا، على ما يبدو فإنّنا كنّا سنضحك منذ وقت طويل"، وفقًا لأقواله.
إلى ذلك، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المواجهة مع الفلسطينيين لم تعد تقتصر على عبوات ناسفة موجهة ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة فقط، بل امتد التهديد إلى قلب تل أبيب، وفي صباح الجمعة الماضي، وقع انفجار في حديقة (هيركون) في تل أبيب، ما يشير إلى تصاعد التوترات والأماني المستهدفة، وعلّق يوسي يهوشع، محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، على الانفجار بقوله إن عبوة ناسفة تم وضعها في حديقة "هيركون".
وأشار إلى أن هناك تقارير من المؤسستين الأمنية والعسكرية في الكيان تشير إلى أن "التهديد الفلسطيني يبدو جديًا"، وأضاف يهوشع أن التهديد الفلسطيني لم يعد يتعلق بعبوة ناسفة موجهة ضد قوات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بل امتد التهديد إلى قلب تل أبيب نهاية الأسبوع الماضي.
إضافة إلى ذلك، أفاد المراسل العسكري، الذي يعتمد على مصادر أمنية موثوقة في تل أبيب، بأن القوات الإسرائيلية قامت بتوقيف فلسطينيين اثنين يمتلكان بطاقات زرقاء ويعملان في يافا ويقيمان قرب القدس، وذلك لاتهامهما بزرع تلك العبوة الناسفة، وكانت شرطة الاحتلال قد أغلقت جزءًا من الشارع رقم 431 بالقرب من مدينة الرملة، وتم ذكر أن الشرطة عثرت على لغم داخل سيارة، ووجود خبير متفجرات في المكان، ولكن في وقت لاحق، أكدت (الشاباك) أنه لم يتم العثور على لغم داخل السيارة، وتجدر الإشارة إلى أن الشرطة الإسرائيلية قامت بنشر حوالي 5000 فرد من قواتها في الأراضي المحتلة تحسبًا لأي أعمال مقاومة فلسطينية عشية عيد رأس السنة العبرية الذي احتفل به مؤخراً، ومن المتوقع أن يستمر هذا التأهب خلال الأعياد اليهودية التي تستمر حتى شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) القادم.
وفيما يتعلق بالأحداث الأخيرة، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المستوطنين استقبلوا عيد رأس السنة العبرية في ظل صدع اجتماعي غير مسبوق، مصاحب لتوتر أمني كبير، كما تم الكشف عن أنه للمرة الأولى في تاريخ "إسرائيل"، سيتظاهر مئات من الإسرائيليين واليهود أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك خلال خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ومن ناحيته، أشار محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ 13 بالتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، إلى أنه "في هذا العام هناك أكثر من 200 تحذير قد تلقاها جهاز الأمن العام (الشاباك) بشأن نيّة تنظيمات فلسطينية لتنفيذ عمليات في الضفة الغربية"، وأشار في الوقت نفسه إلى أن العديد من هذه التحذيرات تنبه إلى تهديدات عمليات خطف جنود إسرائيليين أو مستوطنين في طرقات الضفة الغربية.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت في وقت سابق إلى أن التهديد القادم الذي يتعين على الجيش الإسرائيلي مواجهته في الضفة الغربية يتمثل في العبوات الناسفة والمسيّرات الانتحارية.
وأشار المحلل العسكري لموقع القناة الـ12 بالتلفزيون الإسرائيلي، شاي ليفي، إلى أن "المؤسسة الأمنية تراقب منذ وقت طويل محاولات منظمات مسلحة فلسطينية للحصول على أسلحة تمكنها من تنفيذ هجمات أكثر فتكًا ضد الإسرائيليين وضد قوات الأمن في الميدان"، وجاءت تلك التصريحات نقلاً عن مصدر أمني رفيع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
منع انهيار السلطة مطلب إسرائيليّ
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن عزمه منع انهيار السلطة الفلسطينية باستخدام كل الوسائل المتاحة، ويأتي هذا الإعلان في ظل التحذيرات المتزايدة من احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية، وتدهور شعبيتها بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين، حيث وصلت إلى نقطة لا رجوع عنها من حيث التأثير والقبول بين الشعب الفلسطيني.
والجدير بالذكر أن حكومة رام الله تعاونت بشكل كامل مع كيان الاحتلال واعتمدت نهج الطاعة، وهو الأمر الذي لم يؤدِ سوى إلى خيبة الأمل والهزيمة والازدراء من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وفي الوقت الحالي، تشهد الضفة الغربية تطورًا كميًا ونوعيًا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاحتلال الإسرائيلي لتلك المناطق، وقد تعرضت المقاومة لهجمات إسرائيلية متكررة ومتصاعدة منذ عام 1967، ومن الممكن أن يؤدي هذا التصاعد في التوترات إلى تفجير الوضع في المستقبل نتيجة لاستمرار تعنت تل أبيب واستمرارها في ارتكاب جرائم، لذا يُعتبر الحفاظ على قيادة السلطة الفلسطينية أمرًا ضروريًا.
وحول العلاقة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، يُلاحظ توجيه انتقادات للسلطة الفلسطينية واتهامها بالتعاون مع المحتلين، وأيضًا التأكيد على عدم تمثيلها لمطالب الفلسطينيين، وتجدر الإشارة تاريخيًا، أن هناك اتفاقاً كبيراً في وجهات النظر حيال علاقة السلطة الفلسطينية مع "إسرائيل" والتحالفات السياسية والاقتصادية التي قد تكون سرية وقائمة بينهما، وتظل هذه القضايا موضوع نقاش دائم ومعقد في السياق الإقليمي والدولي، وتتأثر بالتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولفهم الوضع بشكل أعمق وشامل، يجب النظر في مصادر متعددة ومتنوعة والتحليل بعناية لفهم مختلف وجهات النظر والتحالفات في المنطقة والتاريخ السياسي والاجتماعي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، باعتبار أن التعاون مع المحتل لا يجلب سوى الدماء.
ولا شك أن مساعي تل أبيب لمنع انهيار السلطة الفلسطينية من خلال مجموعة من الإجراءات والشروط، وهذه الإجراءات تتضمن وقف الأنشطة المعادية للاحتلال في الساحة القانونية والسياسية الدولية، ووقف التحريض في وسائل الإعلام ونظام التعليم، ووقف دفع رواتب عائلات المشتبه بهم في الأعمال المقاومة التي تعتبر "إرهابية" من قبل "إسرائيل"، وتلك الإجراءات تمثل جزءًا من محاولات الكيان للتحكم في الوضع في الضفة الغربية والحفاظ على الاستقرار الأمني.
ويُلاحظ أيضًا أن الإجراءات التي تقوم بها قوات الاحتلال توصف دوليا بأنها "عنصرية" و"فاشية"، وتلك التصريحات تعكس وجهات نظر متعددة ولا تختلف من شخص لآخر في فلسطين رغم السياق والآراء السياسية والاجتماعية المختلفة، وهذا يعكس أيضًا استدراكًا للحاجة إلى دور أكبر للسلطة الفلسطينية في حماية مصالح الفلسطينيين وتحقيق أهدافهم، ورفض الاعتماد على سلطة تحكم من قبل "إسرائيل".
ختاماً، في الواقع الراهن، تنبثق تساؤلات حول تصرفات السلطة الفلسطينية والحاجة الماسة لتغييرها، هل يجب أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن الاستسلام والانخراط في مواجهة أكثر حزمًا مع الاحتلال الإسرائيلي؟، فمن الواضح أن استعادة السيادة الفلسطينية لا تمكن أو تحقق إلا من خلال تبني استراتيجيات المقاومة والصمود في وجه الاحتلال، وإن تطبيق قاعدة أن "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها" يظل ساري المفعول، وهو ما يشجع على البحث عن سبل فعّالة لتحرير الأرض والشعب الفلسطيني من وطأة المحتلين، وتجدر الإشارة إلى أن مخاوف "إسرائيل" تتزايد بشأن الوضع الأمني في الضفة الغربية، وذلك رغم الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لتحسين الأوضاع، ويعزز هذا التوتر من التحديات التي تواجهها تل أبيب، وخصوصًا في مواجهة المقاومة الفلسطينية والعمليات الشجاعة التي تقوم بها.
وفي الوقت نفسه، تبين الإشارات عجز المسؤولين الإسرائيليين عن تقديم حل فعال لمواجهة هذه المقاومة الجديدة والمتنوعة، ويبدو أن المقاومة الفلسطينية قادرة على فرض معادلات جديدة على الأرض والتصدي للجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، ومع انخفاض قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم في مناطق متعددة في الضفة الغربية، تزداد مخاوف الكيان من تفاقم الأوضاع الأمنية.
وإن تحقيق الاستقرار يتطلب فهم واحترام وجهات نظر الفلسطينيين حول المقاومة واستجابة لمطالبهم بالحرية والعدالة، ويتبقى أمام الفلسطينيين خيار الصمود والمقاومة، لأن السلطة الفلسطينية تعرقل تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني. وستبقى الضفة الغربية كما غيرها تحمل رسالة قوية عن رغبة الشعب في تحقيق الحرية والعدالة، وهذا سيظل محورًا لثورتهم التي لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها.