الوقت- لقد قاد نتنياهو وحكومته اليمينية النظام الصهيوني الآن إلى واحدة من أحلك أوقاته، وقد تدهور الوضع الداخلي لهذا النظام بشكل كبير بسبب الخلافات الداخلية الناجمة عن الإصلاحات القضائية، وعانت البنية العسكرية لهذا النظام من مشاكل بسبب رفض قوات الاحتياط المشاركة في برامج الجيش احتجاجا على الإصلاحات القضائية، وأيضا في مجال القضايا الاقتصادية، لم تظهر حكومة نتنياهو أداء إيجابيا، كما أن تدهور العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني يعد أحد الجوانب السلبية الأخرى لحكومة نتنياهو بالنسبة للصهاينة، وبسبب التصرفات والسياسات المتطرفة التي تنتهجها حكومة نتنياهو، وصلت العلاقة بين الولايات المتحدة والحكومة الصهيونية إلى وضع غير مناسب على نحو غير مسبوق، حيث لم يقم جو بايدن بدعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، ونتنياهو لا يعير اهتماما لاحتجاجات البيت الأبيض بشأن التطورات الداخلية في الأراضي المحتلة.
في المقابل، في مجال القضايا الخارجية، لم تحقق حكومة نتنياهو أي إنجازات تذكر، والكيان الصهيوني في حالة سلبية في مجال القضايا الإقليمية، وخلافاً لجهود نتنياهو، توقف مشروع التطبيع مع الدول الإسلامية ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في مسألة الكشف عن اللقاء بين وزيري خارجية النظام الصهيوني وليبيا. وفي الأسابيع الأخيرة، أعلنت وزارة خارجية النظام الصهيوني في بيان لها أن كوهين وزير الخارجية الصهيوني، والمنقوش وزيرة الخارجية الليبي، التقيا في روما وناقشا القضايا ذات الاهتمام، ولم يمر وقت طويل حتى قوبل نشر هذا الخبر بردود فعل واسعة لدى الرأي العام الليبي.
وبعد فترة قصيرة من الكشف عن هذا اللقاء، شهدت مناطق مختلفة من ليبيا احتجاجات حاشدة ردا على اللقاء بين وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش ووزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين. كما بدأ الشعب الليبي مظاهرات في أنحاء مختلفة من البلاد ردًا على هذا الحادث، وتجمع متظاهرون غاضبون أمام مبنى مقر الحكومة الليبية في طرابلس وهتفوا بشعارات تدين بشدة أي تطبيع للعلاقات مع النظام الصهيوني، وردا على هذه الحادثة، أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، إيقاف وزيرة الخارجية الليبية عن العمل وإحالة قضيتها إلى التحقيق القضائي.
وأصدر عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية قراراً يقضي بإيقاف وزيرة الخارجية الليبية عن العمل وإحالتها للتحقيق، وبدورها، قالت وزارة الخارجية الليبية في بيان، إن “ما حدث في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير معد مسبقا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي"، ويحظر القانون الليبي رقم 62 الصادر عام 1957 على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في "إسرائيل" أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو مع من ينوب عنهم، ويعاقب كل من يخالف ذلك بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، ويجوز الحكم بغرامة مالية.
وأيضا ردا على هذه الحادثة أصدر البرلمان الليبي بيانا أعلن فيه أنه سيتم عقد اجتماع استثنائي بحضور أعضاء البرلمان للتحقيق في التصرف غير الدستوري وغير الأخلاقي الذي قامت به وزيرة الخارجية الليبية خلال اجتماعها مع وزير خارجية النظام الصهيوني.
وأثار الكشف عن لقاء وزيرة الخارجية الليبية مع نظيرها الصهيوني في روما العاصمة الإيطالية غضب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذكر موقع "والا" الصهيوني أن حكومة بايدن قدمت احتجاجا حادا للنظام الإسرائيلي بسبب الكشف عن اللقاء بين "إيلي كوهين" و"نجلاء المنقوش" وزيرة خارجية ليبيا.
لقد ارتكبت “المنقوش ” حسب المتابعين خطيئة لا يمكن لأحرار ليبيا أن يقبلوها أو يصبروا عليها، وهم الذين صبروا على تدهور الأوضاع الأمنية والظروف الاجتماعية الصعبة، لقد تحمّلوا انشطار ليبيا إلى نصفين واحدة مركزها طرابلس والأخرى تتمركز في بنغازي، ولكنّهم لا يمكن أن يصبروا على مسؤول، فقط التقى مسؤولا صهيونيا، ولهذا كان الهجوم على مقر وزارة الخارجية، كتعبير عن التنديد بما قامت به المنقوش، ولأنّ “الغضبة الشعبية” كانت كبيرة، فقد نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن مصدر أمني قوله إنّ “ثلاثة مهاجمين فتحوا النار باتجاه المبنى قبل أن يتمكن اثنان منهم من دخوله وتفجير نفسيهما بداخله، وقتل حرس الوزارة المهاجم الثالث”، ردة الفعل هذه جاءت رغم نفي الخارجية الليبية لقاء المنقوش بوزير الخارجية الصهيوني في إيطاليا، وأعلنت في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك "أنّ الوزيرة نجلاء المنقوش رفضت عقد أي لقاءات مع أي طرف ممثل للكيان الصهيوني وما زالت ثابتة على ذلك الموقف بشكل قاطع".
إن رد الفعل الواسع والقوي من الشعب والأحزاب والسلطات الليبية على مسألة التطبيع مع النظام الصهيوني، كان له في الواقع رسالتان مهمتان، رسالة واحدة للصهاينة، والتي أشارت إلى انتهاء عملية التطبيع مع الدول الإسلامية في المنطقة، والرسالة الأخرى، تحذير لقادة المجتمعات الإسلامية الأخرى من أي ارتباط مع النظام الصهيوني.
والآن يعلم قادة ومسؤولو الدول الإسلامية، بعد متابعتهم للأحداث في ليبيا، أن أي تطبيع رسمي مع النظام الصهيوني ستكون له عواقب وخيمة عليهم، ومن خلال مراقبة ما حدث في ليبيا فيما يتعلق بالكيان الصهيوني، يمكن أن نفهم أن مشروع التطبيع للكيان الصهيوني قد فشل إلى حد كبير.
ويحاول الصهاينة منذ نحو تسعة أشهر التخلص من الأوضاع السلبية في المنطقة من خلال التطبيع مع الدول الإسلامية، لكن الصهاينة يجدون أنفسهم الآن في حفرة لا مخرج منها، إن الرأي العام في الدول الإسلامية ليس مع الصهاينة، ولا يستطيع الصهاينة إخفاء جرائمهم في فلسطين المحتلة وتطهير صورتهم في الدول الإسلامية بأدوات الدعاية.
إذا مررنا بقضية ليبيا سنأتي إلى قضية السعودية، حيث تحاول سلطات الكيان الصهيوني منذ سنوات تطبيع العلاقات مع السعودية، ويقدر الصهاينة أن التطبيع مع السعودية يمكن أن يكون إنجازا كبيرا جدا وتطبيعا سلسا مع الدول الإسلامية الأخرى، لكن رغم الجهود التي بذلتها حكومة نتنياهو في الأشهر القليلة الماضية، لم يحدث شيء محدد وملموس في مجال التطبيع مع السعودية، ويبدو أن الصهاينة ليس لديهم أمل في التطبيع مع السعودية في المستقبل القريب.
وبصرف النظر عن شروط السعوديين للتطبيع مع النظام الصهيوني، فإن القضية الليبية جعلت السعوديين يفهمون أن تطبيع العلاقات مع الصهاينة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة عليهم، إن القضية الفلسطينية حساسة للغاية حيث لا يمكن لحكام السعودية تجاهلها، لذلك، لن يكون أمام السعوديين مهمة سهلة للتطبيع مع النظام الصهيوني، ولم تجلب حكومة نتنياهو الحالية للصهاينة سوى الفشل في السياسة الخارجية والخلاف والتوترات الداخلية، وعندما فاز نتنياهو بالانتخابات قبل تسعة أشهر، قدر المحللون أنه مع عودة نتنياهو سيتم إحياء الاتفاقيات الإبراهيمية وإكمال مسيرة التطبيع مع الدول الإسلامية في المنطقة، لكن اليوم لم يتم إحياء الاتفاقيات الإبراهيمية فقط، بل توقف قطار التطبيع لدى الصهاينة.