الوقت - إذا كان التسلل غير القانوني من أفريقيا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة يهدد الكيان الصهيوني الغاصب ويقلقه ويعمل على إنهائه، فماذا يمكن أن نسمي قيام الكيان على أرض غير أرضه وتهجير شعبها وانتهاك حرمة مقدساتها.. ربما النقطة الأهم التي يجب الالتفات لها في أزمة الإريتيرين التي تشتعل في "اسرائيل" هي المصطلحات التي استخدمها رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو من حيث الهجرة غير قانونية وتهديد "دولة إسرائيل" وغيرها من الكلمات وعليه فإن كل ما يثار يعتبر تفاصيل ثانوية، ولا بد من التأكيد أولاً وقبل كل شيء أن الكيان مصطنع ولن يتحول إلى "دولة" تحت أي ظرف، وعدم القانونية عائدة بالأصل إلى قيام الكيان.
مناسبة الحديث السابق يأتي على خلفية المواجهات التي اندلعت بعد مظاهرة لطالبي اللجوء الإريتريين في "تل أبيب"، إذ أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان له أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر تشكيل فريق خاص من الوزراء لدراسة اتخاذ إجراءات ضد المتسللين غير الشرعيين الذين شاركوا في أعمال الشغب العنيفة في تل أبيب" ، لافتاً إلى أن الفريق سيجتمع في وقت لاحق اليوم في القدس، وسيبحث إمكانية ترحيل هؤلاء المتسللين".
واندلعت المواجهات بين مؤيدي الحكومة الإريتيرية ومعارضيها، أمام قاعة في جنوب تل أبيب كان من المقرر أن تستضيف حدثاً مؤيداً للحكومة الإريترية تنظمه سفارة الدولة الأفريقية في "إسرائيل" وتحولت التظاهرة ضد الحدث والتي اعتبرتها الشرطة "غير قانونية" قبل أن تأمر بإخلاء الشارع، إلى أعمال عنف أصيب خلالها نحو 140 شخصاً بينهم عشرات من طالبي اللجوء الإريتريين بنيران الشرطة الإسرائيلية التي استخدمت الرصاص الحي.
حيث قال نتنياهو في بيان إن أحداث نهاية الأسبوع تجاوزت "الخط الأحمر"، مضيفاً: طلبنا من اللجنة الوزارية الخاصة التي شكلتها اليوم اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة بما في ذلك ترحيل ألف من أنصار النظام (الإريتري) الذين شاركوا في أعمال الشغب هذه"، وتابع "لا يمكنهم أن يزعموا أنهم لاجئون، إنهم يدعمون النظام الإريتري... يمكنهم العودة إلى موطنهم".
وزعم نتنياهو أن الهجرة غير القانونية من إفريقيا تشكل "تهديدا حقيقيا لمستقبل إسرائيل"، داعيا إلى إعداد خطة لإخراج جميع المتسللين من بلاده.
حديث نتنياهو جاء عبر تغريدات على حسابه في منصة "إكس"، غداة إعلانه تشكيل لجنة وزارية خاصة للنظر في اتخاذ إجراءات ضد مَن وصفهم بـ"مثيري الشغب"، بعد الاحتجاجات.
وفي عام 2013، أقامت تل أبيب سياجا على الحدود مع مصر بطول241 كيلومترا، في محاولة لوقف التسلل من إفريقيا إلى "إسرائيل" عبر شبه جزيرة سيناء المصرية.
وأضاف نتنياهو إن "المشكلة في أولئك الذين دخلوا بالفعل قبل اكتمال السياج، وهم عدة عشرات من الآلاف من المتسللين غير الشرعيين".
وتابع: "أخرجنا 12 ألفا منهم طوعا، عبر حوافز وإجراءات متنوعة، ورغبنا بدفع المزيد منهم إلى المغادرة، لكننا جوبهنا بمعارضة المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في إسرائيل)".
وفي حصيلة المواجهات، أفادت مشفى في تل أبيب بأن 12 من المصابين في أعمال الشغب التي قام بها طالبو لجوء إريتريون في المدينة، يعانون من جروح خطيرة، فيما يتلقى 26 جريحا آخرين العلاج، بمن فيهم شرطة تتراوح حالاتهم بين الخفيفة والمتوسطة.
يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات وزيرة التعاون والتنمية البلجيكية كارولين غينيز، التي تحدثت فيها عن انتهاكات "إسرائيل" بحق الفلسطينيين والتي أثارت أزمة ديبلوماسية مع تل أبيب، في حين لاقت ترحيبا فلسطينيا، حسب وسائل إعلام بلجيكية، وتحدثت غينيز – في مقابلة مع صحيفة دي مورغن المحلية- عن قتل الأطفال الفلسطينيين ومسح قرى بكاملها من الخريطة وتدمير مدارس وأحياء ممولة من الاتحاد الأوروبي.
وحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة “إتش إل إن” البلجيكية، فإن الوزيرة غينيز تمسكت بكلامها الذي تسبب في مشكلة دبلوماسية بين بلادها و"إسرائيل" ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم الوزيرة أن بلجيكا تدعم حل الدولتين، قائلا ” إذا تعرضت الديمقراطية وحقوق الإنسان لضغوط في أي مكان بالعالم، فسنعارض ذلك”.
ومن جهتها، رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، بتصريحات الوزيرة البلجيكية، واعتبرت أن تلك التصريحات تتسق تماما مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتدعم حل الدولتين ومبادئ حقوق الإنسان.
ودانت الوزارة الهجوم الإسرائيلي البشع وغير المبرر الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية ضد الوزيرة وتصريحاتها، معتبرة أن ذلك يندرج في إطار الدعاية التضليلية وترهيب الجهات التي توجه انتقادات لدولة الاحتلال، ومحاولات لطمس حقيقة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي وعمليات قمع وتنكيل واضطهاد وتمييز عنصري تحدثت عنها عديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية ذات المصداقية، ومن بينها الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية.
كما تأتي المواجهات بالتزامن مع تقديم المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مايكل لينك تقريرا جديدا، أكد فيه أن "إسرائيل" دولة فصل عنصري وتنتهك القانون الدولي وتضم الأراضي المحتلة دون سند قانون، إضافة إلى أنها تنتهك الحقوق المدنية للفلسطينيين.
وقدم لينك في تقريره المقرر تقديمه للجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، قبل عرضه في جلسة الاستماع بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، استنتاجاته حول الوضع في الضفة الغربية، حيث ذكر أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، موصيا محكمة لاهاي بأن تأمر الجيش الإسرائيلي بالانسحاب الفوري وغير المشروط، وكذلك المستوطنين المستعمريين، وإلغاء جميع القوانين التمييزية، وتفكيك الإدارة المدنية.
وفي سياق متصل قام الأريتريون بتنظيم احتجاجات مماثلة في دول مختلفة حول العالم، مع احتفال بلادهم بمرور 30 عامًا على الاستقلال.
وفي وقت سابق من هذا العام، وصفت إريتريا المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين نظموا مسيرة ضد هذه الأحداث بأنهم "حثالة اللجوء"، ويشكل الإريتريون أغلبية أكثر من 30 ألف طالب لجوء إفريقي في "إسرائيل".
يشار إلى أن المواجهات بين طالبي اللجوء الإريتريين وقوات الشرطة في تل أبيب أعادت تسليط الضوء على العلاقات الأمنية شبه السرية بين "إسرائيل" والنظام الدكتاتوري في إريتريا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.