الوقت- رغم أن الصهاينة اعتمدوا على استراتيجيتهم التجسسية ضد حزب الله (المقاومة في لبنان)، إلا أن تجارب مرتزقة الموساد في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية تظهر فشل "إسرائيل" الكبير في هذا الصدد، حيث أفادت عدة تقارير إعلامية عن اكتشاف وتدمير شبكات تجسس تابعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، خلال العامين الماضيين، ومؤخراً، تم إلقاء القبض على جاسوسين جديدين للموساد في مطار بيروت، وتصدر ذلك الأخبار والمؤسسات اللبنانية، وهما زوجان روسيان، واتخذ الكيان الصمت إزاء اكتشاف شبكة تجسس جديدة تابعة له في لبنان، فما هي قصة مرتزقة الموساد الجدد في لبنان، والأهم من ذلك، لماذا يفشل معظم الجواسيس الإسرائيليين في لبنان في العصر الجديد ويتم التعرف عليهم واعتقالهم على الفور تقريباً.
فشل تجسسيّ لـ"إسرائيل"
صحيفة الأخبار التي تنشر دائماً تقارير تفصيلية عن اكتشاف عصابات جواسيس للعدو الصهيوني في لبنان، كتبت في تقرير جديد لرئيس تحرير هذه الصحيفة إبراهيم أمين، ويبدو أن العدو الإسرائيلي تحت سيطرة ضغوط شديدة على مختلف المستويات، وخاصة على مستوى الأمن الاستراتيجي، ما يضطره إلى القيام بعمليات لم تعد احترافية كما كانت من قبل، وكانت أحداث العام الماضي شهادة واضحة على فشل كيان الاحتلال في تحقيق أهدافه، وبدأ هذا الكيان بتنفيذ عمليات جديدة بهدف كسب النقاط، وأحد الأحداث الأخيرة التي كشفت تحديات وإخفاقات كيان الاحتلال الإسرائيليّ، وكان استخدام الرعايا الأجانب من قبل جهاز التجسس التابع لهذا الكيان مقابل المال، وكان الموساد يخدع مواطني الدول الأخرى بإغراءات مالية للدخول إلى لبنان واستهداف المقاومة في هذا البلد، ولكنهم أدركوا أن جهاز أمن المقاومة الإسلامية اللبنانية كان في انتظارهم وكان يراقب تحركاتهم حتى اللحظة الأخيرة.
وإنّ القصة الجدية لجاسوس الموساد الجديد في لبنان، تكشفت قبل أيام مع اعتقال مواطن روسي من قبل الأمن العام اللبناني في مطار بيروت أثناء مغادرته لبنان، وقبل أن يتمكن من إكمال المهمة التي أوكلها إليه الموساد، وحسب المعلومات المسربة فإن هذا المواطن الروسي دخل لبنان برفقة امرأة ادعت أنها زوجته وطفل رضيع يبلغ من العمر سبعة أشهر وأقاما في أحد فنادق بيروت، وبعد أيام قليلة من دخوله لبنان، كان يقوم بأنشطة مشبوهة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهناك، اكتشف جهاز أمن المقاومة، الذي كان يراقب هذا المواطن الروسي، أنه كان يبحث عن أحد المكاتب الخاصة لحزب الله في الضاحية الجنوبية، لكن قوات المقاومة لم تعتقله على الفور، بل تركته لترى ماذا يريد أن يفعل وما هي مهمته الأساسية.
وحسب هذه المعلومات فإن المواطن الروسي المذكور، الذي كان يتجسس لصالح كيان الاحتلال الإسرائيليّ، كان يتنقل بكثرة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت خلال شهر محرم الحرام، وخاصة عشية عاشوراء الحسيني؛ لأن تقييم المخابرات الصهيونية كان أن يتم إخلاء مكاتب ومقرات المقاومة في ساعات معينة خلال أيام محرم لإقامة مراسم عزاء الحسيني، وكان عملاء الموساد قد زودوا هذا المرتزق بخريطة، تمكن من خلالها بسهولة الوصول إلى المكان المحدد بالضبط، وعندما فتح باب المكتب، أدرك أن هناك بابًا ثانيًا لن يفتح على الإطلاق.
ولذلك، عاد مرتزق الموساد المذكور، بعد فشله في الدخول إلى المكان المطلوب، إلى مقر إقامته في أحد فنادق بيروت، وبعد ذلك، قامت الجهات المعنية في حزب الله، التي كانت تراقب هذا المواطن الروسي وتبينت نيته الدخول إلى أحد المكاتب الخاصة لهذا الحزب، بالاتصال على الفور بالمديرية العامة للأمن العام في لبنان وطالبت باعتقاله، كما أكد جهاز الأمن العام اللبناني بعد فحص ملابسات دخول هذا المواطن الروسي إلى لبنان بهدف التجسس على حزب الله لصالح الكيان الصهيوني، ولهذا السبب، كلف جهاز الأمن العام اللبناني فريقاً لاعتقال جاسوس الموساد هذا، واعتقلته القوى الأمنية في هذا البلد في مطار بيروت أثناء مغادرته لبنان مع زوجته وطفله، وبعد نقل هذا المواطن الروسي وزوجته إلى مركز الأمن العام في لبنان، بدأت التحقيقات والمراجعات حول هويته والأنشطة التي كان يقوم بها في هذا البلد، وفي البداية، بدت العلاقة بين هذا الرجل والمرأة الروسية غامضة، لكن تبين فيما بعد أن هذا الجاسوس الإسرائيلي استخدم زوجته وطفله كغطاء لأنشطة التجسس في لبنان.
كيف وقع المواطن الروسي في فخ الموساد؟
نفى هذا المرتزق التابع لكيان الاحتلال الإسرائيليّ في البداية أي صلة له بالموساد أو أي محاولة للتجسس في لبنان وأصر على القول إنه دخل بيروت كسائح واقترب بالخطأ من مقر حزب الله ولم يكن يعلم أن لحزب الله مكتبا هناك، وكما أنكرت زوجته كل شيء في الجولة الأولى من التحقيق، إلا أن محقق القضية أخبرها أنها إذا صمتت فهذا يعني أنها تتجسس لصالح "إسرائيل" في لبنان وسينتظرها عقاب شديد، وسيتم إرسال طفلها الى احد مراكز رعاية الاطفال في لبنان، فخافت المرأة التي كانت مع هذا الجاسوس الإسرائيلي واعترفت بأن زوجها يعمل في الموساد وأن هذه ليست المرة الأولى التي يأتي فيها إلى لبنان وقد سبق أن حضر إلى بيروت في عامي 2021 و2022، وقال أيضًا إنه في البداية لم يكن لديه أي فكرة عما كان يفعله، وبهذه الطريقة، كان على جاسوس الموساد المذكور أن يعترف بأنه كان يتجسس لصالح الإسرائيليين.
وكانت نتيجة هذه الاعترافات كما يلي: هو مواطن روسي متخصص في صناعة وإصلاح الأقفال وقد نشر سيرته الذاتية في هذا المجال على شبكات التواصل الاجتماعي، وعادة ما يتلقى عروض عمل من جهات مجهولة، وذات مرة قدم شخص لم يحدد هويته عرضًا مغريًا بمال كبير، وطلب هذا الشخص المجهول من المواطن الروسي المذكور التوجه إلى بيروت مطلع عام 2021 وتصوير بعض الأماكن المميزة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وطبعا ادعى أنه لا يعرف أن هذه الأماكن تابعة لحزب الله وأنه لا يعلم أنه يتجسس على حزب الله لصالح "إسرائيل"، وسافر إلى بيروت للمرة الثانية عام 2022 وطلب منه الذهاب إلى منطقة تجارية في هذه المدينة والتأكد من وجود مولد كهربائي في هذه المنطقة ومن ثم إشعال النار فيه، لكنه لاحظ وجود العديد من كاميرات المراقبة في هذه المنطقة، ولهذا السبب لم يتمكن من القيام بمهمته.
وقبل الرحلة الأخيرة لهذا المواطن الروسي إلى بيروت، كان عملاء الموساد قد حولوا إليه مبلغاً من المال ووعدوه بأنه إذا تمكن من القيام بمهمته على النحو الصحيح فسوف يحصل على أموال كثيرة، وصمت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية إزاء اكتشاف فريق التجسس الصهيوني في بيروت، واعتقال أعضاء شبكة تجسس في لبنان، كما اعترف المواطن الروسي بأن عملاء الموساد أعطوه معلومات عن الهدف الذي كان من المفترض أن يصل إليه، وحددوا له وقتا، وأظهروا له صورا لنوع من القفل وطلبوا منه فتحه، وتدرب بطريقة محددة وفي وقت قصير، وبهذه الطريقة، وبعد وصوله إلى باب المكتب المذكور، التابع لحزب الله، اتصل بعملاء الموساد وأخبرهم أنه غير متأكد من قدرته على تنفيذ مهمته بشكل صحيح.
إضافة إلى ذلك، شرح عميل الموساد كيف تنقل في الضاحية الجنوبية وكيفية استخدام الخريطة التي زوده بها الموساد، وقال إنه بعد وصوله إلى المكان المطلوب بدأ بفتح القفل واستغرق الأمر أكثر من ساعة، ولكن عندما تمكن من فتح الباب، أدرك أن هناك بابًا آخر، وعندما حاول فتح الباب الثاني، سمع صوت الحراس وهرب على الفور؛ فيما لم يكن يعلم أن جميع أنشطته كانت تحت مراقبة رجال الأمن اللبنانيين وكانوا ينتظرون إلقاء القبض عليه قبل صعوده إلى الطائرة.
استراتيجيّة جديدة للكيان
أفادت مصادر مطلعة على قضية مكافحة التجسس الإسرائيلي في لبنان، بأن "إسرائيل" تستخدم استراتيجية "الإغراق" في الفترة الأخيرة لتحقيق أهدافها التجسسية في لبنان، والإغراق هو مصطلح تجاري وهو نوع من استراتيجيات البيع التي تعرض سلسلة من المنتجات للبيع بسعر أقل كميزة تنافسية، ويعني الإغراق كسر السوق، وهو ما له مكانة خاصة وقانونية، وخاصة في التجارة الدولية؛ وهو يعني بيع أو تصدير منتج بسعر أقل من التكلفة الإجمالية، أو بمعنى آخر بيع المنتج في الخارج بسعر أقل من السعر المحلي، وانطلاقاً من هذه الاستراتيجية، ووفقاً للبحث الذي أجراه جهاز الأمن العام اللبناني بعد اعتقال العشرات من جواسيس الموساد في هذا البلد، فإن معظم الذين كانوا يتجسسون لصالح الصهاينة في السنوات القليلة الماضية تم تجنيدهم على نطاق واسع وفي إطار حملة كبيرة تقوم بها أجهزة التجسس الصهيونية، والتي أصبحت لاحقا الموساد.
وبعد تحقيق شامل أجرته الأجهزة الأمنية اللبنانية وكذلك الأجهزة الأمنية للمقاومة في هذا البلد، تبين أن كيان الاحتلال الإسرائيلي قد رسم سياسة جديدة لتحقيق أهدافه التجسسية في لبنان، وتتلخص أبعادها في توفير الغطاء الإنساني الأكبر للمرتزقة الإسرائيليين في لبنان وعقد دورات تدريبية مكثفة وضمان قدرة الفرد على أداء المهمة المطلوبة، وخلال السنوات الخمس الماضية، كان تركيز الموساد الأساسي في تجنيد الجواسيس ضد المقاومة اللبنانية على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع العمل، والضحايا معظمهم من الشباب الذين يبحثون عن وظائف وأموال جيدة.
في المرحلة المقبلة، سيبدأ كيان الاحتلال الإسرائيلي في استثمار الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى مواقع ومقرات حزب الله في لبنان؛ وخاصة الشباب الذين يعيشون في مناطق المقاومة أو الذين لهم علاقات بقوات أو مسؤولين في حزب الله، وكذلك الشباب الذين كانوا أعضاء في هذا الحزب سابقاً، وتشير الأدلة إلى أن الكيان في المرحلة الجديدة لم يعد يهتم كثيراً بثقل ونفوذ مرتزقته؛ لأن اعترافات الجواسيس المعتقلين تشير إلى أن أجورهم قليلة جداً مقارنة بالمبالغ التي كانت "إسرائيل" تدفعها لمرتزقتها، لكنهم في المقابل طلبوا منهم الحصول على معلومات مهمة للموساد، والحقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي في هذه المرحلة يهتم بكمية الجواسيس أكثر من اهتمامه بنوعيتهم، وسرعان ما يتحول هؤلاء المرتزقة إلى جوز محروق.
الخلاصة، من الواضح تماماً أن الصهاينة في حيرة من أمرهم في إدارة قضية تجسسهم في لبنان؛ وعلى وجه الخصوص، فقد لاحظوا مرات عديدة أن الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة أو جهاز الأمن العام اللبناني تستخدمهم ضد "إسرائيل" نفسها بعد اعتقال هؤلاء المرتزقة، كما يرى الإسرائيليون أن هناك تنسيقا عاليا بين المقاومة والقوى الأمنية اللبنانية، وخاصة في مجال كشف جواسيس الموساد واعتقالهم، لكن حول الهوية الدقيقة للجاسوس الجديد للاحتلال في لبنان، تظهر المعلومات التي حصلت عليها صحيفة الأخبار أنه شخص يدعى يوري ريناتوفيتش تشيكين، من مواليد 13 آذار 1977، وهو مواطن روسي، والمرأة التي كانت معه هي أيضًا شخص يُدعى ليليا ألكساندروفيا تشيكين، ولدت في 3 أغسطس 1979، وبعد إلقاء القبض عليهما، اتصل جهاز الأمن العام اللبناني بالسفارة الروسية في بيروت وتأكد من أوراق هوية هذين الشخصين، وبعد مفاوضات بين السفارة الروسية وجهاز الأمن العام اللبناني، وتقرر استكمال التحقيق، وفي حال ثبتت براءة ليليا ألكسندروفيا، فسيتم إطلاق سراحها وتعود مع طفلها إلى موسكو.