الوقت - كشف الانقلاب في النيجر مرةً أخرى عن عمق المنافسة المتزايدة للقوى الدولية عبر الإقليمية، وتطور النفوذ في القارة السوداء في السنوات الأخيرة.
جاءت التطورات في النيجر، وهي دولة فقيرة ذات تأثير ضئيل في تطورات أفريقيا في غرب هذه القارة، على رأس أخبار وسائل الإعلام العالمية بعد الانقلاب، وتسببت في تشکيل جبهات مختلفة لصالح أو ضد مدبري الانقلاب.
في هذه الأثناء، فإن الکيان الصهيوني هو أحد اللاعبين في هذه المنطقة، والذي أولی اهتماماً كبيراً للعب دور فاعل في تطورات أفريقيا في السنوات الماضية، وظهر دوره بشكل خاص في عدم الاستقرار في هذه المنطقة، مثل الانقلابات والصراعات العسكرية من صحراء تيغراي إلى انقلاب السودان.
والآن، على الرغم من أن الصهاينة صامتون عمليًا بشأن التطورات في النيجر، إلا أن النيجر هي إحدى الدول الأفريقية التي حددت فيها تل أبيب مصالح مختلفة فيما يتعلق بالتطورات في هذا البلد، وبهذا المعنى فإن القادة الصهاينة يراقبون بالتأكيد عن كثب التطورات بعد الانقلاب.
استخدام النيجر لتسخين عملية التطبيع
أحد محاور اهتمام الکيان الصهيوني بالتطورات في النيجر، هو إمكانات هذا البلد الفقير لتسخين عملية تطبيع العلاقات الذي يعيش في غيبوبة منذ فترة طويلة.
يعود الاتصال الأول بين الجانبين إلى عام 1960، وهو العام الذي نالت فيه النيجر استقلالها عن فرنسا، في ذلك الوقت، كانت السياسة الخارجية للکيان الصهيوني تقوم على محاولة إقامة علاقات مع الدول الأفريقية الفقيرة المستقلة حديثًا مثل غانا وأنغولا، ليستطيع الصهاينة بهذه الطريقة الدفاع عن أنفسهم من العزلة الدولية والعقوبات العربية، وكسب التأييد لأنفسهم في الأمم المتحدة.
وهذه السياسة لم يتم التخلي عنها بالكامل حتى الآن، والصهاينة يستخدمون الدول الأفريقية الصغيرة والفقيرة لاكتساب الشرعية على الساحة الدولية، كما قال إيلي كوهين، وزير خارجية الکيان، مؤخرًا: "إن إقامة علاقات بين إسرائيل والدول الإسلامية في أفريقيا هو عمل يساعد كلا الجانبين، على الصعيدين الثنائي والإقليمي".
قطعت النيجر العلاقات مع الصهاينة مرتين، الأولی کانت بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، والتي أطلق عليها الصهاينة "يوم الغفران"، لكن مرةً أخرى أقيمت العلاقات الثنائية بعد اتفاقات أوسلو، والتي لم تدم طويلاً هذه المرة، وفي خضم الانتفاضة الثانية عام 2002، قطعت العلاقات مع الکيان الإسرائيلي مجددًا، ومن المثير للاهتمام، أنه بهذا الإجراء، كانت النيجر أول دولة قطعت العلاقات الدبلوماسية مع الکيان منذ بداية الانتفاضة الثانية في عام 2000.
على الرغم من هذا السجل المهم في دعم قضية الشعب الفلسطيني، قبل انقلاب النيجر يقال إن الحكومة بقيادة محمد بازوم أقامت علاقات خلف الكواليس مع الصهاينة بسبب ميولها الغربية، وكانت أحد خيارات تل أبيب الجديدة للدعوة إلى تطبيع العلاقات.
هذا الموضوع تم الكشف عنه بشكل جيد فيما يتعلق بالتطورات في السودان أي عندما حاولت الحكومة الجديدة بعد حكم عمر البشير تهدئة التوترات مع الدول الغربية من أجل حل المشاكل الاقتصادية المنتشرة ورفع العقوبات، كان تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني أحد الشروط الرئيسية للولايات المتحدة لرفع العقوبات عن السودان، وإعطاء الضوء الأخضر للمؤسسات المالية الدولية لمساعدة اقتصاد هذا البلد، وأخيراً كان على السودان أن يستسلم للتطبيع رغم معارضة الرأي العام للشعب السوداني المسلم.
إن أمريكا والکيان الصهيوني قلقان للغاية من تقوية محور روسيا والصين وإيران في إفريقيا حيث تُعرف بقارة الفرص، وتحليل وتقدير الصهاينة السياسي والاستخباراتي هو أنه كلما اقتربت النيجر من المحور المعادي للغرب، قل احتمال انضمامها إلى عملية التطبيع.
في السنوات الأخيرة، حاولت روسيا جاهدةً تعزيز نفوذها في أفريقيا، وفي وقت الانقلاب، استضاف بوتين مؤتمراً في سانت بطرسبرغ بحضور 17 رئيس دولة أفريقية، وأعلن عن إمداد 6 دول أفريقية صديقة بالحبوب مجاناً، ليبين أنه يهتم بالمشاكل الناجمة عن استمرار الحرب في أوكرانيا من أجل استقرار الدول الأفريقية.
تظهر إيران والصين أيضًا اهتمامًا كبيرًا بهذه القارة ففي الشهر الماضي، ذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى أفريقيا لأول مرة منذ عقد، وكانت نتيجة هذه الرحلة إبرام 21 اتفاقية مع دول المنطقة، كما زار وزير الخارجية الصيني خمس دول في إفريقيا في وقت سابق من هذا العام، في إطار جهود الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في العالم.
يأتي الانقلاب في النيجر في أعقاب سلسلة من الانقلابات التي حدثت في السنوات الأخيرة في دول بالمنطقة "الساحلية" في أفريقيا، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي والسودان، وفي معظم الانقلابات والحروب في هذه المنطقة، تورطت الدول الغربية والصهاينة، إلا أن انقلاب النيجر هو أحد الانقلابات القليلة التي لم تحظ بدعم الغربيين والصهاينة.
احتياطيات النيجر من اليورانيوم وطموحات السعودية النووية
تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر تنمية رأس المال البشري، وتحتل المرتبة الأولى في مؤشر الفقر، وعلى الرغم من أن النيجر هي واحدة من أكثر الدول تخلفًا في العالم، إلا أن وجود احتياطيات كبيرة وغنية من اليورانيوم، قد أعطى أهميةً كبيرةً لهذا البلد.
ولهذا السبب، فإن الصهاينة، الذين يُعتبرون الحائزين الوحيدين للأسلحة النووية في المجمع الأمني لدول غرب آسيا وشمال إفريقيا، لديهم أطماع مثل الآخرين في احتياطيات اليورانيوم في النيجر.
في العام الماضي، صدّرت النيجر 5٪ من إجمالي إنتاج اليورانيوم في العالم، لكن الآن وبسبب العقوبات الأوروبية، يشعر الصهاينة بالقلق من تكرار تجربة بيع اليورانيوم النيجيري إلى الدول المنافسة.
في السبعينيات، اتهمت الدول الغربية والکيان الصهيوني النيجر بنقل اليورانيوم بانتظام إلى ليبيا والعراق، بما في ذلك اتهام بيع 258 طناً من اليورانيوم لليبيا عام 1978، ومرةً أخرى بيع 1212 طناً من معدن اليورانيوم لليبيا عام 1981، وكمية غير معروفة للعراق في الفترة التي سبقت الضربة الجوية الإسرائيلية على المنشآت النووية العراقية في 1 حزيران/يونيو 1981.
في الوضع الحالي في جغرافيا غرب آسيا، وبصرف النظر عن الصناعة النووية الإيرانية السلمية، تحركت دول أخرى مثل الإمارات وتركيا وحتى السعودية أيضًا نحو الاستخدام المتزايد للطاقة النووية، الأمر الذي جعل الصهاينة قلقين للغاية من فقدان احتكارهم لقدراتهم النووية في المنطقة.
وعلى وجه الخصوص فإن قادة تل أبيب، وعلى الرغم من علاقاتهم الجيدة مع السعوديين والإماراتيين، يعارضون بشدة الخطط النووية لهذه الدول، وهم قلقون من وصول هذه الدول إلى موارد اليورانيوم في النيجر.