الوقت - أكدت مجلة “إيكونوميست” البريطانية، في تقرير لها أن آخر حكومة صلبة متحالفة مع الغرب في منطقة الساحل سقطت في انقلاب عسكري، جاء بقائد الحرس الرئاسي في دولة النيجر، الجنرال عمر تشياني، رئيسا جديدا للبلاد.
وحذرت من أن الانقلاب في النيجر ستكون له تداعيات واسعة على المنطقة، باعتبار أن النيجر هي الحليف الغربي الحقيقي الوحيد وما أسمتها “الديمقراطية الوحيدة” في القتال ضد الجهاديين المرتبطين بالقاعدة والدولة الإسلامية، الذين شقوا طريقهم عبر معظم مالي وبوركينا فاسو إلى الغرب، وإلى أجزاء من النيجر.
وأشارت المجلة إلى أن “منطقة الساحل، منكوبة بالجهاديين، وهي حزام من البلدان الفرنكوفونية المليئة بالفقر، والتي تنتشر عبر الصحراء الكبرى في أفريقيا”.
وقالت إن الرئيس محمد بازوم، الذي تولى منصبه قبل نحو عامين في أول انتقال ديمقراطي سلمي للسلطة في البلاد، خطّط لإقالة تشياني، الذي بات الآن الرجل الجديد في السلطة.
وأشارت إلى أنه بعد إعلان الانقلاب، غرد بازوم، الذي ورد أنه محتجز، ولكنه لم يستقِل علنًا بعد قائلا “ستتم حماية الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس.. كل النيجيريين الذين يحبون الديمقراطية والحرية سيهتمون بها”.
وذكرت أنه “يمكن للفوضى السياسية والعنف في النيجر، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 26 مليون نسمة، أن يضر بشدة بالمنطقة الأوسع أيضًا، كونها تحاول صد الجهاديين من بوكو حرام، جماعة إرهابية أخرى، تمتد من نيجيريا”.
ولفتت المجلة إلى أنه “إذا استمر ما يجري في النيجر، فسيكون هذا الانقلاب هو السادس الذي ينجح في غرب أفريقيا في أقل من 3 سنوات، حيث تكرر ذلك سابقا في مالي، وبوركينا فاسو، وهو ما تبعه طرد للقوات الفرنسية التي تقاتل الجهاديين، حيث تم استبدالها بمرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية”.
وذكرت أنه في العام الماضي، قتل أكثر من 10 آلاف شخص في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهو أكثر المعدلات دموية حتى الآن، فيما تشير تقارير إلى أنه قد يكون هذا العام أكثر دموية.
وأنه مع ذلك، فإن المذبحة أقل بكثير في النيجر، حيث قُتل عدد أقل من الناس في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، مقارنة مع أي فترة مماثلة منذ عام 2018.
ونوهت “الإيكونوميست” إلى أنه يقاتل نحو 1500 جندي فرنسي إلى جانب الجيش في النيجر، كما تم نشر أكثر من 1000 أمريكي هناك، كما أن لديهم أيضًا قواعد طائرات دون طيار.
وأشارت إلى أن بازوم لم يعتمد على العضلات الغربية فقط، فالقتال بين الجماعات العرقية يخدم الجهاديين، لذلك فقد دعم صفقات السلام بين المجتمعات المحلية، وتواصلت حكومته بشكل مباشر مع الجهاديين في محاولة لإقناعهم بإلقاء أسلحتهم.
وحذرت من أن هذا الانقلاب جعل البلاد في خطر حقيقي، وأنه “حتى (في فرضية) لو استعاد بازوم السيطرة، فإن جيشه سينقسم”.
وأكدت المجلة أن هذه الانقلابات في المنطقة أضعفت جيوش هذه الدول، وهي المؤسسات المفترض أنها مؤهلة للتعامل مع انعدام الأمن، لكن هي من تقلب الأمور رأساً على عقب.
وذكرت أنه حسب الجنرال تشياني، الذي أصبح الرجل القوي الجديد في البلاد، وهو يشغل منصب قائد الحرس الرئاسي منذ 2011، فإن “النهج الأمني الحالي لم يسمح بتأمين البلاد على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب النيجر، والدعم الملموس والمقدر من شركائنا الخارجيين”.
ولفتت المجلة إلى أن النيجر دولة حبيسة ليس لها منفذ بحري وهي واحدة من أفقر دول العالم، ومنذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا في عام 1960 شهدت 4 انقلابات، إضافة إلى العديد من المحاولات الأخرى، بما في ذلك محاولتان سابقتان ضد بازوم.
من جهته أصدر المجلس العسكري في النيجر مساء السبت بيانا حول المواقف الأفريقية والغربية الداعية للعدول عن الانقلاب على السلطة، كما دخل الرئيس السابق للبلاد محمد إيسوفو على خط الأزمة، وبدأ وساطة بين قادة الجيش والرئيس المطاح به محمد بازوم.
وقد اتهم المجلس العسكري -الذي شكله الانقلابيون- في النيجر دول مجموعة غرب أفريقيا (إيكواس) بالتخطيط لتدخل عسكري في العاصمة نيامي.
وقال المجلس -في بيان له- إن القمة المنتظرة لإيكواس التي تعقد الأحد هي للمصادقة على خطة للعدوان على النيجر.
مشيرا إلى أن تلك الخطة وُضعت بمشاركة دول أفريقية من خارج المجموعة، إضافة إلى دول غربية.
وأضاف المجلس العسكري -في بيانه- إنه يذكّر دول مجموعة الإيكواس ومن وصفهم بالمغامرين بعزمهم الصادق على الدفاع عن الوطن، حسب تعبير البيان.
من جانبه دخل الرئيس النيجري السابق محمد إيسوفو على خط الأزمة من خلال وساطة لحل الأزمة في البلاد، بالتزامن مع تصاعد نبرة التهديدات الغربية والأفريقية لقادة الانقلاب.
وقال مستشار للرئيس المعزول محمد بازوم -للجزيرة- إن إيسوفو بدأ وساطة بين بازوم وقادة الجيش الذين أطاحوا به، وذلك بعد ما نفّذ العسكريون انقلابا قاده الجنرال عمر عبد الرحمن تياني.
وأثناء ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي وقف دعمه المالي للنيجر، ومن جانبها هددت الولايات المتحدة بفعل الشيء ذاته، كما قرر الأفارقة إمهال العسكريين 15 يوما لإعادة "السلطة الدستورية".
وترفض الدول الأجنبية المتحالفة مع النيجر حتى الآن الاعتراف بحكومة تياني، القائد السابق للحرس الرئاسي، والذي أعلنه قادة عسكريون رئيسا للدولة الجمعة.
ولم يتضح بعد حجم الدعم الذي يحظى به المجلس العسكري بين مواطني النيجر، حيث خرجت أعداد غفيرة لدعم بازوم -الأربعاء- لكن اليوم التالي شهد نزول أنصار مؤيدين للانقلاب إلى الشوارع أيضا.
ولم تصدر أي تعليقات من بازوم منذ فجر الخميس عندما كان محتجزا داخل القصر الرئاسي، لكن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وآخرين يقولون إنهم ما زالوا يعترفون به رئيسا شرعيا.
ولكن اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم نفت ما سمته "الشائعات والأخبار الكاذبة" التي تربط بين الانقلابيين وتلقيهم مساندة الرئيس السابق ومؤسس الحزب إيسوفو بشأن الانقلاب على الرئيس الحالي (بازوم).
وفي بيان لها، قالت هذه اللجنة إن هذه "الشائعات" تضر بوحدة الحزب، وإن إيسوفو سلم القيادة لبازوم قناعة منه بالمبادئ الديمقراطية، وإن على أنصار الحزب ومناضليه العمل من أجل استعادة القانون والنظام والحكم الشرعي.
والنيجر واحدة من أفقر الدول رغم أنها سابع أكبر منتج لليورانيوم بالعالم، وتتلقى مساعدات تنموية رسمية تقدر قيمتها بنحو ملياري دولار سنويا، وفقا للبنك الدولي.
كما أنها شريك أمني رئيسي لبعض الدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، اللتين تستخدمانها قاعدة لجهودهما الرامية لاحتواء "أعمال عنف يشنها متشددون" في منطقة الساحل غرب ووسط أفريقيا.
وكان يُنظر إلى النيجر في السابق على أنها واحدة من أكثر البلدان استقرارا بين العديد من دول الجوار المضطربة.
ويمكن اعتبار النيجر الطبق الأخير والأهم في مائدة فرنسا بمنطقة الساحل، فلا يمكن اعتبار هذه المنطقة مصدرا للطاقة الفرنسية فحسب؛ بقدر ما تمثل الملاذ الأخير للقوات الفرنسية المطاردة من دول الساحل، فقد آوت النيجر قرابة 1500 من الجنود الفرنسيين المطرودين من مالي لينضموا إلى آخرين يقيمون منذ عقود في القواعد الفرنسية بالبلاد، وفيما كان بازوم يستعد لاستقبال مئات آخرين من الجنود الفرنسيين المطرودين من بوركينافاسو، عاجله انقلاب أنهى مطامحه والآمال المعلقة عليه.
ولا تمثل النيجر قصة حب وأمل فرنسية خاصة بقدر ما تعني ذلك بالنسبة لقوى غربية متعددة، ترى في النيجر الفرصة الأخيرة للقضاء على الإرهاب، بفعل موقعها واستعداد رئيسها المطاح به محمد بازوم للخروج من "قلب إعصار الإرهاب" وفق تعبيره.
وسعى بازوم لإحداث تغييرات في الهيكلة العسكرية لبلاده، حيث أعلن عن استراتيجية لرفع تعداد الجيش ورفع سن التقاعد، وتعبئة المتقاعدين من قوات الجيش والدرك لتشكيل قوة احتياطية للجيش المنهك.
وخلال السنتين الماضيتين كانت النيجر ميدانا لإرادات دولية متصارعة، وخصوصا بين محوري الغرب الذي تمثله فرنسا بشكل خاص والولايات المتحدة، ومحاور أخرى من بينها دول ساعية لزيادة نفوذها في أفريقيا، ولا يمكن إغفال دور روسيا ومرتزقتها فاغنر، التي وصف زعيمها يفغيني بريغوجين ما جرى في النيجر بأنه "كفاح ضد المستعمرين".
وبينما تتعقد الأوضاع في النيجر، وتفرض المتغيرات الجديدة إعادة ترتيب الاستراتيجيات الدولية تجاه هذا البلد الحبيس، يشرق يوم آخر على نيامي حاملا معه كثيرا من الحر والترقب والاضطراب، ومجددا قصة إخفاق سياسي أفريقي، يتداخل فيه فساد وعجز المدنيين وعنف العسكريين، وأصابع التدخل الدولي.