الوقت – أثار استمرار التوترات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا في منطقة كاراباخ المتنازع عليها، والذي فتح أقدام قوى عبر إقليمية في القوقاز، قلقًا كبيرًا للروس، ولهذا السبب، تم استدعاء سلطات البلدين إلى موسكو، حتى يتمكنوا من إيجاد حل لهذه الأزمة التي استمرت ثلاثة عقود.
وصرحت وزارة خارجية روسيا أن وزير خارجية هذا البلد، سيرغي لافروف، مع وزير خارجية جمهورية أذربيجان جيحون بيراموف، ووزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان، ناقشوا سبل تهدئة الوضع في منطقة ناغورني كاراباخ مساء الثلاثاء.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية قبل الاجتماع "أنهم يريدون أيضاً مناقشة إعداد اتفاق سلام بين يريفان وباكو، وهو اتفاق يمكن أن يكون حلاً للقضايا القائمة بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، وروسيا مستعدة لتقديم أقصى قدر من المساعدة في هذا الصدد".
أرمينيا وجمهورية أذربيجان، وهما دولتان من منطقة القوقاز، كانتا على خلاف مع بعضهما البعض للسيطرة على منطقة كاراباخ المتنازع عليها منذ عام 1992، وعلى الرغم من عقد العديد من الاجتماعات الدولية والإقليمية في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن نيران الحرب ما زالت تلقي بظلالها على هذه المنطقة، وفي العام الماضي، وبسبب طموحات إلهام علييف رئيس أذربيجان، أصبحت آفاق السلام مظلمةً.
لقد حاولت موسكو، وهي الضامن لتنفيذ اتفاقيات 2020 بشأن كاراباخ، مرارًا وتكرارًا تقليل التوترات وإحلال السلام من خلال التوسط بين باكو ويريفان.
وفي الاجتماع الثلاثي لقادة روسيا وأرمينيا وأذربيجان، الذي عقد في 29 مايو في موسكو، اعترفت سلطات باكو ويريفان بأراضي أذربيجان البالغة مساحتها 86 ألف كيلومتر مربع، وأراضي أرمينيا البالغة 29 ألف كيلومتر مربع، الأمر الذي ينبغي احترامه، واعتبروا هذا العمل خطوةً مهمةً في إرساء الاستقرار والسلام في المنطقة، ووضع اللمسات الأخيرة على نص معاهدة السلام بين أرمينيا وأذربيجان وترسيم الحدود.
لکن على الرغم من أن مواقف الجانبين تقترب من بعضها البعض، إلا أن التوترات بين أذربيجان وأرمينيا تصاعدت مرةً أخرى في الأسابيع الأخيرة، ولا توجد بوادر سلام.
يعقد اجتماع موسكو في حين عقدت عدة اجتماعات بين مسؤولي يريفان وباكو في واشنطن وبروكسل في الأسابيع الأخيرة لإنهاء التوترات، لكن حتى الآن لم تسفر عن نتيجة ملموسة، حتى إن رئيس وزراء أرمينيا قال إن المحادثات الأسبوع الماضي مع علييف وشارل ميشيل، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لم تحرز أي تقدم، مشدداً على أنه بسبب إصرار باكو على مطالبها، فمن المحتمل حدوث جولة جديدة من الصراعات بين البلدين.
باكو تتهم روسيا
رغم الاجتماع في موسكو، تصاعدت الخلافات بين موسكو وباكو في الأيام الأخيرة حول طريقة النظر في القضايا الأمنية في كاراباخ.
اتهمت جمهورية أذربيجان روسيا مؤخرًا بعدم التنفيذ الكامل للاتفاقيات الثلاثية التي أبرمتها قوات حفظ السلام الروسية في منطقة ناغورني كاراباخ، الأمر الذي أثار رد فعل موسكو.
ورداً على هذه الاتهامات، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن "روسيا تحترم دائماً وحدة أراضي جمهورية أذربيجان، لكن هذا لا ينفي الحاجة إلى حل جميع القضايا المطروحة على جدول الأعمال، بما في ذلك ضمان حقوق وأمن شعب ناغورنو كاراباخ، بالوسائل السياسية والدبلوماسية السلمية حصريًا".
تنظر جمهورية أذربيجان في التطورات في ناغورنو كاراباخ من منظورها السياسي، وتدعي أن أحكام أي اتفاقية يجب أن تُكتب لصالح هذا البلد، وقد خلق تضارب الآراء هذا عقبةً كبيرةً أمام السلام.
حكومة باكو غير مستعدة لإنهاء التوتر في المنطقة من أجل تحقيق مطالبها الطموحة، وهي بناء ممر "زانج زور"، وتحت ذرائع مختلفة واتهام أرمينيا والروس مؤخرًا، تحاول إلقاء اللوم على الآخرين في كل الخلافات، وإظهار نفسها على أنها الطرف المحق والمظلوم في هذا الملف.
كان من المفترض أن يربط بناء ممر زانج زور، الذي زعمت السلطات الأذربيجانية أنه تم الاتفاق عليه في اتفاقيات 2020، لربط الأراضي الرئيسية لجمهورية أذربيجان بمنطقة ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي.
عبر بناء هذا الممر، ستُقطع حدود إيران وأرمينيا تمامًا، لكن هذا الممر لم يكتمل بسبب معارضة أرمينيا وإيران وروسيا إلى حد ما، وقد استشاط رجال الدولة في باكو غضبًا شديدًا من هذه القضية، وبعد أن رأوا أنفسهم بمفردهم في مواجهة حاجز إقليمي قوي، حاولوا الانتقام من هزيمتهم في منطقة لاتشين.
منذ ديسمبر 2022، ومن أجل الضغط على أرمينيا، قامت أذربيجان بإغلاق معبر لاتشين، وهو السبيل الوحيد لإيصال المساعدات إلى منطقة ناغورنو كاراباخ التي يقطنها الأرمن، وأخذت أرواح 120 ألف أرمني كرهائن لتحقيق مطالبها.
وعلى الرغم من أن أرمينيا قالت إنه في حال إعادة فتح لاتشين وضمان حقوق وأمن الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ، فإنها ستعترف بهذه المنطقة بأكملها كجزء من وحدة أراضي أذربيجان، لكن مسؤولي باكو غير راضين عن ذلك، ويفكرون في أهداف تتجاوز نص اتفاقيات 2020.
من الأسباب التي دفعت أذربيجان إلی توتير الأجواء مع موسكو، هي سياسات تركيا تجاه كاراباخ، تركيا، التي كانت الداعم الرئيسي لأذربيجان في نزاع ناغورنو كاراباخ منذ البداية، وحتى قدمت الدعم العسكري لهذا البلد في حرب 2020، تواصل تأييد سياسات باكو المسببة للتوتر، وهذا الدعم من أنقرة جعل باكو أكثر جرأةً.
کذلك، تحاول تركيا، التي سلكت مؤخرًا طريق الابتعاد عن روسيا من خلال الاقتراب من الدول الغربية، تنفيذ خطط علييف في القوقاز، ويعدّ بناء ممر زانج زور أولويةً في هذا الصدد.
وكانت الحكومة التركية قد أعلنت في الأسابيع الماضية، أن إيران هي السبب الرئيسي في فشل هذا المشروع، بالقول إن هذا الممر ليس ضد دول المنطقة بأي شكل من الأشكال.
لقد حذرت إيران مرارًا وتكرارًا من أي تغييرات جيوسياسية في حدود القوقاز، وقالت إنها ستستخدم كل قوتها لمنع هذا الإجراء. وكان إجراء مناورات على حدود أذربيجان في العام الماضي، بمثابة تحذير لباكو من أن طهران مستعدة لأي سيناريو.
سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يقضي ولايته الأخيرة، إلى إقامة "العالم التركي" في العقد الماضي، وأذربيجان هي حلقة الوصل بين هذا العالم من تركيا إلى آسيا الوسطى، ولهذا السبب، يحاول تقوية موقف أذربيجان في القوقاز، وربما تحقيق حلم العالم التركي.
من ناحية أخرى، تعتقد أذربيجان، التي تسير هذه الأيام على طريق التقارب مع الكيان الصهيوني، أن بإمكانها تنفيذ خططها بمساعدة الصهاينة، لكن يتشبث علييف بحبل تل أبيب المهترئ، بينما يواجه هذا الکيان أزمةً داخليةً شديدةً.
الغرب يصطاد من المياه العکرة
استمرار التوتر في كاراباخ جرّ القوى الدولية إلى هذه المنطقة، في العقدين الماضيين، حاول الاتحاد الأوروبي إنهاء حرب ناغورنو كاراباخ بمبادرة "مينسك"، لكن على الرغم من عقد عدة سنوات من المفاوضات، لم يتمكن من إيجاد حل لتقليص الخلافات، وفي الأشهر الأخيرة عاد مرةً أخرى إلى زيادة تحركاته، ونشر بعض خبرائه العسكريين في أرمينيا بذريعة إحلال السلام والاستقرار في كاراباخ.
أمريكا أيضًا التي اعتبرت دومًا التسلل إلى البيئة المحيطة بروسيا فرصةً للمضي قدمًا في خططها، بعد استمرار التوترات في كاراباخ، اتخذت ذريعة مساعدة صانعي السلام للتسلل إلى الحدود الجنوبية لروسيا.
كما أن عقد جولتين من الاجتماعات بين المسؤولين في يريفان وباكو في واشنطن، كان أيضًا لسبب أنها تلعب دورًا مهمًا في هذه الملف المتوتر، والتظاهر بأن قضية كاراباخ الأمنية تم حلها علی يد الغربيين، وذلك من أجل تقليص دور روسيا في القوقاز.
وادعاء مسؤولي البيت الأبيض أن نتائج الاجتماعات في واشنطن كانت إيجابيةً، يأتي بهدف إظهار فعالية الجهود الأمريكية، لكن الحرب الكلامية من جانب مسؤولي أذربيجان وأرمينيا تثبت عكس هذا الادعاء، وفي الوقت الذي تتصارع فيه روسيا والغرب في أوكرانيا، تعدّ هذه القضية فرصةً جيدةً لتحدي أمن حدود روسيا، من خلال جعل منطقة القوقاز غير آمنة.
ورغم التحركات الأمريكية والأوروبية في القوقاز لضرب مصالح روسيا، فإن موسكو لا تتسامح مع أي تدخل في حدودها الجنوبية، وقد حذرت من ذلك مرارًا وتكرارًا.
من وجهة نظر موسكو، فإن الأهداف الحقيقية لواشنطن وأوروبا ليست على الإطلاق البحث عن حلول وسط أو حلول متوازنة في المنطقة، لكن أفعالهم هي دعاية وتهدف إلى تحدي المصالح الأمنية لروسيا في القوقاز، ولهذا السبب، يحاول فلاديمير بوتين إقناع حلفائه في القوقاز بإنهاء النزاعات، حتى يطمئن بشأن الحدود الجنوبية.
وتشعر روسيا بالقلق من أن تتجه أذربيجان نحو الغرب في موقف متحالف مع تركيا، ويمكن أن تعزز هذه القضية نفوذ أمريكا وأوروبا في القوقاز... حاليًا، تقع أرمينيا جزئيًا في الجبهة الغربية، وإذا انحازت أذربيجان إلى أمريكا، فسيخلق ذلك تحديًا جديدًا للأمن القومي لروسيا.
ولذلك، يحاول مسؤولو الكرملين إنهاء أزمة كاراباخ، والقضاء على أحد مخاوفهم الأمنية أثناء وجودهم في أوكرانيا، وقال الروس في وقت سابق إن الغرب يريد بدء الجبهة الثانية للمعركة ضد روسيا في القوقاز، وبالتالي لا يريدون إعطاء عذر لواشنطن من خلال استمرار التوتر بين باكو ويريفان.
تدل تجربة الاجتماعات السابقة في العام الماضي، على أن مسؤولي البلدين يظهرون موقفهم لمصلحة السلام وإنهاء التوترات عند الجلوس على طاولة المفاوضات، لكن بمجرد مغادرتهم الاجتماع، يستأنفون الحرب الكلامية ضد بعضهم البعض ويتبادلون إطلاق النار على الحدود، وهذه المرة أيضًا لا يبدو أنه يتم حل هذا الملف في موسكو.