الوقت - وصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى العاصمة الصينية بكين في زيارة هي الأولى لرئيس جزائري للصين منذ 15 عاماً. سيجري خلالها تبون محادثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ حول ملفات سياسية واقتصادية.
أهداف شاملة والمقصد الرئيس "بريكس"
تأتي زيارة الرئيس تبون إلى بكين بعد شهر من زيارته إلى موسكو، وقبيل اجتماع مجموعة "بريكس" الشهر المقبل والتي قدمت الجزائر طلباً رسميا للانضمام إليها.
بداية يبدو واضحا توجه السياسة الخارجية الجزائرية نحو المعسكر الشرقي بقيادة الصين وروسيا، وذلك لأسباب عديدة، منها تطوير اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين الجزائر وبكين عام 2014، خاصة بعد التطورات الإيجابية الكبيرة في العلاقات الثنائية في المجال الاقتصادي منذ تلك الفترة، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وقع البلدان على الخطة الخماسية الثانية للشراكة الاستراتيجية 2022-2026.
وتسعى الجزائر والصين إلى تفعيل مجلس الأعمال المشترك بين البلدين، والذي أسس في مارس/ آذار الماضي، وضم عددا من شركات البلدين، حيث ترغب الجزائر في انخراط مزيد من الشركات الصينية في أنشطتها الاقتصادية، لاستقطاب التكنولوجيا في قطاع الطاقة واستغلال المناجم والصناعات التحويلية، والبنى التحتية، والأشغال العمومية، وقطاعات حيوية أخرى، إذ حلّت الصين منذ عام 2019 محل فرنسا في صدارة الممولين التجاريين للجزائر.
كما ترغب الجزائر في تسريع وتيرة تنفيذ عدد من المشاريع الاقتصادية الحيوية، بتمويل وشراكة صينية، بينها مشروع استغلال منجم الحديد بغار جبيلات، ومشروع الفوسفات المدمج ببلاد الهدبة بتبسة قرب الحدود بين الجزائر وتونس، ومشروع استغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية، وتطوير حقل نفطي جنوبي الجزائر ومحطات للطاقة الشمسية.
وللزيارة أهداف ذات أبعاد عسكرية فالرئيس الجزائري يسعى إلى توسيع التعاون مع الصين في المجال العسكري، وخاصة أن الجزائر تحاول بأي شكل من الأشكال التخلص من هيمنة السلاح الروسي على ترسانتها العسكرية والحصول على منظومات دفاعية من خارج السوق الروسية، والحصول على أسلحة متطورة تعتمد التكنولوجيا الصينية، خاصة فيما يتعلق بالطائرات المسيرة لمحاولة تقليص الفارق الكبير بينها وبين المغرب في هذا المجال، إذ إن المغرب أصبحت تمتلك أسلحة نوعية بتقنيات متطورة.
كما تسعى الجزائر أيضًا للاستفادة من الخبرة الصينية في الصناعات الدفاعية والفضاء والتكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى تحقيق استقلالية أكبر في العملات وتنويع العملات المستخدمة في المعاملات التجارية والتعاون الاقتصادي الدولي.
لكن المسعى الواضح للجزائر هو الحصول على مزيد من الدعم الصيني للانضمام إلى كتلة الأسواق الناشئة "بريكس"، بصفة ملاحظ في المرحلة الأولى، ثم عضو كامل الصلاحيات، وهذا ما ستحاول الجزائر إقناع بيكين به، إذ إن الانضمام إليه يتطلب استيفاء الجزائر لمجموعة من المعايير، في نسبة النمو والناتج الداخلي الخام والالتزام بمجموعة من الإصلاحات، على مستوى البنية الاقتصادية للدولة ومؤسساتها الداخلية.
فالصين وروسيا هما الداعمان الأساسيان للجزائر في مسعاها للانضمام إلى بريكس، وقمة بريكس المقبلة في جنوب إفريقيا ستكون المناسبة المثالية لاستعراض ملف انضمام الجزائر، وهنا تتجلى أهمية الاقتصاد الجزائري وتنوعه. وفي ظل استقلالية القرار السياسي للبلاد واعتمادها على الغاز الطبيعي كأكبر منتج ومصدر في إفريقيا، فيتوجب على الجزائر تحقيق التوازن بين تعزيز اقتصادها وتنويعه، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات والتجارة الدولية، فانضمامها إلى بريكس يتطلب رؤية استراتيجية شاملة وخطط عمل واضحة.
وفي طريق الإصلاح الاقتصادي أعلنت الجزائر زيادات كبيرة في أجور العمال، واتجه الرئيس الجزائري في خطوة جريئة لمحاولة تحرير اقتصاد البلاد من الاعتماد الشديد على النفط، لأول مرة منذ استقلالها، وتنويع الاقتصاد، والبحث عن مصادر جديدة للإيرادات وتعزيز الاستقلالية المالية.
المسار الصيني الجزائري
تعد الجزائر من أول الدول العربية التي أقامت معها الصين علاقات دبلوماسية، وقد أعلنت الجزائر عن توقيعها على الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل مع الصين، للسنوات 2022-2026، تزامنا مع تقدمها رسميا بطلب الانضمام لمجموعة بريكس.
وأشار بيان للخارجية الجزائرية إلى أن الخطة تهدف إلى تكثيف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي، كما أنها تعد “تعزيزا لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة سنة 2014، واستكمالا للرغبة المشتركة للجانبين في توثيق العلاقات الجزائرية-الصينية والدفع بها إلى أعلى المراتب.
وقد أعلنت بكين دعمها اللا مشروط لانضمام الجزائر إلى “بريكس” بالإضافة إلى روسيا.
وأخذت العلاقات الاقتصادية بين البلدين منحى تصاعديا منذ سنوات، فقد أنجزت شركات صينية مشاريع مهمة مثل: السكنات (20 مليار دولار) والطريق السريع شرق غرب (11 مليار دولار)، وجامع الجزائر (نحو مليار دولار) وغيرها.
واستثمار ما قيمته 7 مليارات دولار في قطاع الفوسفات، كما ظفرت 3 شركات صينية بمشروع منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد بقيمة ملياري دولار في مرحلة أولى.
ولتعزيز التعاون تم التوقيع على “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق” و”الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الهامة 2022- 2024".
وقال الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي لـ”المستثمر": إن استثمار الصين بالجزائر سيمكنها من الولوج إلى السوق الإفريقية عبر بوابة الجزائر، فالعلاقات الصينية الجزائرية يسودها الانسجام الدبلوماسي والاقتصادي منذ قديم الزمان, كما أنها مبنية على التعاون و تبادل الخبرات ولها امتداد تاريخي جد عريق، وإن إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة كان له الفضل في إعطاء دفعة قوية للعلاقات البينية بين البلدين إضافة إلى توسع المبادلات التجارية التي انتقلت فيها الواردات الجزائرية من مليار دولار سنة 2003 إلى أكثر من 9 مليارات دولار في الفترة الممتدة بين 2019 -2020.
واوضح الحيدوسي أن هذا الانسجام سمح للجزائر بالانضمام إلى طريق الحرير الصيني، وهذا ما سيمكنها من تحقيق مشاريع استراتيجية في المستقبل، بما فيها طلبها بالالتحاق إلى مجموعة “بريكس”، مشيراً إلى حاجة الصين للاستثمارات الطاقية، التقليدية وغير التقليدية والمتجددة، والتي تتوفر عليها الجزائر نسبيا وكذا مجال البنية التحتية والإنشاءات، بما في ذلك ميناء الحمدانية ومشروع الطريق الصحراوي الإفريقي الرابط بين الجزائر ونيجيريا.
وتحدث الحيدوسي عن رغبة البلدين في زيادة معدلات التبادل التجاري، لضمان استمرار عمل سلاسل الإمداد لأسواق البلدين، والتصدير لإفريقيا عن طريق البوابة الإفريقية خاصة في ظل ما يعرفه القطاع من انقطاعات وندرة وتضخم، بسبب الأزمات المالية العالمية المتكررة والتطورات الأمنية والبيئية والتكنولوجية وانعكاساتها على الأداء الاقتصادي والاستقرار العالمي الحالي.
أما الخبير الاقتصادي مراد كواشي فيرى أن انصهار العلاقات الجزائرية الصينية يصب في صالح البلدين، فالعلاقات الاقتصادية من أهم العلاقات التي تربط بلدين اثنين, موضحا أن الصين أصبحت اليوم أكبر شريك للدول العربية والدول الإفريقية وخاصة أن فلك بكين سيصبح العاصمة الاقتصادية للعالم مشيراً إلى أن الصين بحاجة الجزائر من أجل تجسيد مشروع طريق الحرير باعتبار أن الجزائر هي البوابة الشمالية للبلدان الإفريقية والجزائر ستسمح بتوغل الصين نحو إفريقيا ولا سيما أن إفريقيا تتميز بسوق عذراء وهي محل نزاع وتنافس العديد من الدول العظمى مثل امريكا والاتحاد الأوربي.
إن الجزائر كما كل البلدان تبحث عن النهوض والتنمية والتحولات الجذرية من أنماط متهالكة على الصعد كافة، إلى أنماط ترضي الطموح، وتبعث على التقدم والازدهار، ويبدو أن الحلم الجزائري هذا خطا خطوته الأولى بمبادرة الحزام والطريق، وهو مكمل نحو الانضمام إلى مجموعة بريكس، ولعل الصين هي من سيمهد الطريق أمام الجزائر نحو هذه المجموعة.