الوقت – صدر الأحد الماضي مرسوم أميري بتشكيل الحكومة الكويتية الجديدة، هي الـ43 في تاريخ البلاد، والرابعة برئاسة نجل أمير البلاد، الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، منذ تكليفه لأول مرة في أواخر يوليو/ تموز الماضي، بمعدل حكومة كل ثلاثة أشهر تقريباً.
واشتملت الحكومة الكويتية الجديدة التي تضمّ 15 وزيراً، على عودة 9 وزراء (من أصل 14) في الحكومة السابقة، ودخول 6 ستة وزراء جُدد.
وعلى الرغم من التغيير المحدود في التشكيل الجديد، إلا أنها حملت مفاجأة من العيار الثقيل، وذلك بعودة الشيخ أحمد فهد الأحمد الصباح، في منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، بعد غياب دام 12 عاماً.
وتُعدّ عودة الشيخ أحمد سابقة جديدة في تاريخ الحكومات الكويتية، حيث لم يسبق لوزير استقال من منصبه على خليفة استجواب وُجّه إليه، العودة إلى الحكومة من جديد. وكان عدم حصول الوزير من أبناء الأسرة الحاكمة، على العدد الكافي لتجاوز طلب طرح الثقة بمجلس الأمة بمثابة "الإعدام السياسي" لطموحه في الارتقاء على سُلّم الحكم.
وغادر الشيخ أحمد الحكومة الكويتية عام 2011، على خلفية استجواب تقدّم به كل من رئيس مجلس الأمة السابق وعضو البرلمان الحالي مرزوق الغانم، والنائب السابق عادل الصرعاوي، تضمّن 4 محاور حول تجاوزات مالية مختلفة، لكن الشيخ أحمد فهد الصباح استقال قبل مناقشة الاستجواب، بعد شعوره بعدم قدرته على الحصول على أغلبية برلمانية مريحة.
وبعد أشهر قليلة من استقالته، استقال كذلك أول رئيس وزراء من أبناء الأسرة الحاكمة في تاريخ الكويت، الشيخ ناصر المحمد الصباح، بعد اقتحام المعارضة مجلس الأمة، عقب حراك احتجاجي ضد تسريبات بأسماء نواب يشتبه بأنهم تلقوا مبالغ مالية من رئيس الحكومة، وحامت الشبهات حينها حول الشيخ أحمد، باعتباره من سربها كجزء من انتقامه من الشيخ ناصر لعدم التضامن الحكومي مع استجوابه.
وعلى الرغم من ابتعاد الشيخ أحمد عن الواجهة، لكنّه حافظ على تأثيره ووجوده في المشهد السياسي في الكويت، وتمتع بعلاقات واسعة طوال الأعوام الأخيرة مع أعضاء المعارضة في البرلمان وخارجه، الذي أطاح في النهاية خصمه التاريخي مرزوق الغانم من رئاسة مجلس الأمة، وسبقته إطاحة ثلاثة رؤساء للوزراء من منافسيه في الوصول إلى الحكم.
ويتفاءل الكويتيون بحذر مع تشكيل الحكومة الكويتيّة الجديدة، وفوز المُخضرم أحمد السعدون برئاسة مجلس الأمّة الجديد بالتزكية، وهي التوليفة التي يعتقد كثيرون أنها الأنسب، بعد تعطّل طويل، وتأرجح مجالس الأمّة بين إبطال دستوري، وحل أميري، فيما يراها آخرون بأنها انتخابات لم تُسفر عن جديد، وجلبت ذات الشخوص.
مجلس الأمّة الكويتي الجديد 2023 يتمتّع بوجود نواب المُعارضة الكبير، إلى جانب عودة النائب مرزوق الغانم، بعد إعلانه عدم الترشّح لمجلس الأمّة 2022، والذي جرى إبطاله دُستوريّاً من المحكمة الدستوريّة، ثمّة توافق بين نواب المُعارضة والحكومة الجديدة ضمن رسائل طمأنة نقلها النواب للحكومة.
الغانم كان قد رفع راية التصادم باكرًا في جلسة انتخاب الرئيس، حين أصرّ على تسجيل اعتراضه على تعيين الشيخ أحمد الفهد، مُستندًا لمُخالفة الأخير المادة 125 من الدستور.
رئيس مجلس الأمّة بالتزكية الجديد أحمد السعدون، يبدو أنه يُريد قطع الطريق على مُعطّلات العمل السياسي في البلاد، لاستقرار الأوضاع السياسيّة، والحفاظ على استمرار مجلسه، وبالتالي كان لافتاً بأنه سجّل مواقف مُعاكسة للغانم في جلسة انتخاب الرئيس، حيث رفض قبول تهنئته المُباشرة، وطلب تأجيلها حتى بعد انتخاب المُراقب، كما رفض السماح له بالكلام بخُصوص اعتراضه على تعيين الفهد نائباً لرئيس الوزراء، كما منعه من إيضاح أسبابه لعدم الترشّح لمنصب رئيس المجلس، الأمر الذي دفع الغانم للتصريح في مُؤتمر صحفي بعد الجلسة، ووصف ما تعرّض له بالمُضايقات.
التصفيق الحار اللافت حينما جرى إعلان السعدون رئيساً لمجلس الأمّة الكويتي بالتزكية، يُؤشّر إلى أن النواب موالاة كانوا أو مُعارضة، يطمئنون لوجود “المُخضرم” السعدون على رأس المجلس، فالبعض ينظر للغانم بأنه كان يُحابي الحكومة السابقة، والبعض الآخر يرى الغانم بمثابة المُعطّل الذي بدأ استعراضه منذ بداية الجلسة الأولى، وحديثه عن مُضايقات، وهي حالة اختلف عليها الكويتيون على منصّاتهم التواصليّة، فالبعض وجد أنه توجد رغبة لتهميش الغانم، والبعض الآخر يرى أن إبعاده عن المشهد السياسي يخدم الشعب الكويتي، الباحث عن الاستقرار السياسي والإنجاز الاقتصادي، وليس القيادات الشعبويّة وخطاباتها الرنّانة.
تعد عودة الفهد للحكومة بعد استقالة من الحكومة العام 2011، على خلفيّة استجواب، سابقة في الكويت العودة للحكومة كوزير بعد الاستجواب والاستقالة، ما يعني أن ثمّة من يدعم عودته القويّة والثقيلة والعلنيّة على مسامع الغانم.
يبدو أن المُواجهة بين النائب الغانم، ورئيس الوزراء الكويتي أحمد النواف آخذةٌ بالاتّساع، فرئيس الوزراء الشيخ أحمد، لن ينسى هُجوم الغانم في مُؤتمر صحفي علني حين اعتبره خطرًا على البلاد، وطالبه بوقف العبث، والتعطيل والتسويف، الذي يُمارسه كما قال “سمو رئيس الوزراء” تُجاه مصالح الشعب وأحوالهم.
وفي المُقابل، لن تكون أنباء عودة “الفهد” كنائب لرئيس الوزراء ووزير دفاع للحكومة، من الأنباء السارّة للغانم، فبدل أن يتصادم مع رئيس وزراء بلاده ونجل أميرها وحده، بات عليه التنبّه من “الفهد العائد” نائب رئيس وزراء بلاده، وانتقامه المُفترض منه، جرّاء إجبار الغانم للفهد على الاستقالة من الحكومة، هذا عدا عن قُرب الفهد من نوّاب المُعارضة، الذين سعوا في المجالس السّابقة للإطاحة بالغانم من رئاسة المجلس، حتى إعلانه عدم الترشّح لانتخابات مجلس أمّة 2022، والذي لم يَدُم طويلاً.
وتباينت الآراء على منصّات التواصل الاجتماعي الكويتيّة، حول عودة الفهد، وتواجد الغانم في مجلس الأمّة الجديد، فيما تمنّى آخرون أن يعمل الرّجلان فيما يخدم مصالح الكويت، لا المصالح الشخصيّة.