الوقت - عندما بدأت الأزمة في سوريا في آذار 2011، ربما كان قليلون يتصورون أن يأتي يوم تتنافس فيه الدول العربية الداعمة للمعارضة والإرهابيين على التقرب من دمشق وتفرش السجادة الحمراء لبشار الأسد في العواصم العربية. لكن هذا الأمر أصبح حقيقة اليوم وجلوس بشار الأسد على مقعد سوريا في جامعة الدول العربية دليل على ذلك.
وصل بشار الأسد إلى المملكة العربية السعودية مساء الخميس لحضور اجتماع جامعة الدول العربية وحظي باستقبال رسمي من قبل المسؤولين السعوديين. وشارك الأسد في اجتماع جامعة الدول العربية في جدة يوم (الجمعة 29 مايو) إلى جانب رؤساء دول عربية أخرى. جاء ذلك فيما وصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدة يوم الاثنين للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية. وقال المقداد في السعودية "هذه فرصة جديدة لنا لنقول لإخواننا العرب إننا لا ننظر إلى الماضي بل إلى المستقبل".
جاءت زيارة الأسد إلى المملكة العربية السعودية بعد أن أعلن وزراء خارجية جامعة الدول العربية ، في اجتماع استثنائي، في السابع من أيار (مايو)، قرارهم برفع تعليق عضوية دمشق في هذه الجامعة، أو بعبارة أخرى، عودة سوريا إلى الجامعة. بعد ذلك، أفادت وسائل إعلام عالمية ، نقلاً عن مسؤولين دبلوماسيين من الدول العربية ، بأن بشار الأسد سيحضر الاجتماع الأول لرؤساء الدول العربية في جدة.
كانت عملية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية قد بدأت منذ سنوات من قبل بعض الدول، بما في ذلك الجزائر والعراق، ولكن طال أمد هذه العملية بسبب معارضة عدد من الأعضاء، بما في ذلك السعودية وقطر، ولكن مع تسارع التطورات السياسية في الآونة الأخيرة أتت هذه القضية بثمارها.
كما تسارعت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أن استأنفت إيران والسعودية علاقاتهما بعد سبع سنوات من التوتر، وبالتالي تحركت عملية التطورات نحو تقارب أكبر بين المجتمعات الإسلامية.
هزيمة لأمريكا
رغم تطبيع العلاقات العربية مع الحكومة السورية، تواصل أمريكا إعاقة هذا المسار الودي، وهذه المرة قالت الخارجية الأمريكية، تعليقاً على حضور بشار الأسد في اجتماع جامعة الدول العربية، إنها لن تدعم هذا التحرك من قبل حلفائها. حيث مدد البيت الأبيض مؤخرا حالة الطوارئ في سوريا وأظهر علناً أن واشنطن لا تتفق مع الدول العربية فيما يتعلق بسوريا وأنها غاضبة للغاية من تحرك حلفائها الطائش.
في عام 2011، اعتقدت الدول العربية أن المعارضة السورية ستستولي على السلطة قريبا، لذلك ساروا مع أمريكا والكيان الصهيوني، لكن تبين أن كل حساباتهم خاطئة، وتمكنت الحكومة السورية والشعب بمساعدة حلفائهم أي روسيا وإيران، من هزيمة كل المخططات الشريرة للأعداء. والآن، حررت دمشق نفسها منتصرة من الفخ الذي نصبه لها الغربيون، ولم تلق معارضة واشنطن لتطبيع العلاقات آذانا صاغية بين العرب، ووفقا للخبراء، فإن الجلوس مع بشار الأسد حول طاولة واحدة هو بمثابة صفعة لمسؤولي البيت الأبيض، الذين لن يتمكنوا بعد الآن من التخطيط لدول المنطقة. وبعبارة أخرى ، فإن تجاهل العرب للسياسات التي تمليها الولايات المتحدة يشير إلى أن هيمنة هذا البلد في غرب آسيا قد انتهت. حيث حاولت الولايات المتحدة، التي أدركت عدم ثقة حلفائها في المنطقة منذ سنوات، تعويض بعض إخفاقاتها من خلال استمرار احتلالها شمال سوريا وسرقة موارد سوريا النفطية، لكن بعد التحالف العربي السوري لن يبقى أمام واشنطن خيار سوى الفرار من سوريا، وربما ستغادر هذا البلد بشكل أسوأ من الخروج المشين من أفغانستان.
خروج سوريا من العزلة الإقليمية
تشير عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وظهور الأسد لأول مرة في اجتماعاتها بعد 12 عاما، إلى خروج سوريا من العزلة الإقليمية وزيادة تفاعل دمشق مع العالم الخارجي. وتعتبر دعوة العرب للأسد للمشاركة في اجتماع جامعة الدول العربية انتصاراً تاريخياً لسوريا وستزيد من شرعية دمشق في العالم العربي.
يمثل هذا الحدث الرمزي للغاية بداية حقبة من العلاقات السورية العربية القوية وكذلك عودة سوريا إلى موقعها الشرعي في المنطقة. لقد تم تجاهل سوريا واغفالها في المنطقة لفترة طويلة وهي في وضع اقتصادي سيء، ويأمل المسؤولون في دمشق أنه مع الانفتاح الدبلوماسي في العلاقات مع العرب، سيتم اتخاذ خطوات لإعادة البناء وتحسين الظروف المعيشية. ليتمكن هذا البلد من استعادة مكانته القوية. رغم أن الغرب يحاول منع دمشق من استغلال أجواء التهدئة الأخيرة من خلال فرض العقوبات، يمكن للدول العربية أن تلعب دورا مهما في تقديم المساعدات المالية لسوريا. مع عودة الدول العربية إلى دمشق، تتعزز العلاقات السياسية والاقتصادية لدمشق مع العرب، ومن خلال التعاون التجاري، سيتم تحييد الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية على سوريا إلى حد كبير، وقد يكون الأسد تمكن خلال اللقاءات الثنائية مع رؤساء الدول العربية في جدة من إقناعهم بالمشاركة الفاعلة في السوق السورية، وقد سبق لبعض الدول أن أبدت رغبتها في هذا الموضوع.
تُظهر زيارة بشار الأسد العلنية إلى بعض الدول العربية في الخليج الفارسي في الأشهر الأخيرة أن أسس قوته قد ترسخت في الساحتين المحلية والدولية ، والتحرك بشموخ في العواصم العربية يدل على القوة والمكانة القوية لسوريا الجديدة التي استطاعت أن تخرج منتصرة من أزمة السنوات العشر الكبرى.
أظهرت سوريا نتيجة للانتقال من الأزمة الداخلية التي لم يسبق لها مثيل في القرن الماضي، قدرتها على التعامل مع المشاكل والآن اكتسبت الكثير من الخبرة في التعامل مع الجماعات الإرهابية وإدارة الحرب الداخلية وإعادة الانضمام إلى جامعة الدول العربية يمكن أن ترفع من دور ومكانة هذه المؤسسة الدولية، وفي أوقات الأزمات، يمكنهم الاستفادة من تجارب سوريا. بالنظر إلى تاريخ سوريا ومكانتها في العالم العربي، فإن عودة هذا البلد إلى جامعة الدول العربية ستعزز صورة هذه المؤسسة الدولية ويمكن أن تلعب دورا فاعلا في صنع القرارات الإقليمية، ولا سيما في محاربة الإرهاب والدفاع عن القضية الفلسطينية.
مشاركة بشار الأسد في اجتماع جامعة الدول العربية أشبه بصفعة للمسؤولين الأمريكيين والصهاينة الذين حاولوا طوال عقد من الزمان إزاحته من السلطة وتنصيب حكومة مطيعة لهم، ولكن الآن حتى الحلفاء العرب، الذين كانوا منذ وقت ليس ببعيد في جبهة العدو، لا يعيرون أي أهمية لواشنطن ومدوا يد الصداقة نحو شقيقتهم سوريا.