الوقت - استضافت موسكو الأربعاء الماضي وزراء خارجية تركيا وسوريا وإيران، لإجراء محادثات كانت أعلى مستوى من الاتصال بين أنقرة ودمشق منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل أكثر من عقد.
تأتي جهود المصالحة بين تركيا وسوريا في الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لضغوط شديدة في الداخل لإعادة اللاجئين السوريين، وسط تراجع اقتصادي حاد وتصاعد المشاعر المعادية للاجئين.
خلال الحرب التي استمرت 12 عامًا، دعمت تركيا جماعات المعارضة المسلحة في شمال غرب سوريا التي سعت للإطاحة بالأسد من السلطة، في غضون ذلك، أدانت الحكومة السورية مرارًا سيطرة أنقرة على أجزاء من المنطقة الشمالية الغربية كان يحتلها في السابق معارضو الأسد، سيطرت تركيا على هذه المنطقة منذ عام 2016، من خلال عدة هجمات عسكرية ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
منذ سبتمبر 2015، وبالتحالف والتعاون العسكري الإيراني في سوريا، لعبت روسيا دورًا مهمًا في استعادة المناطق المحتلة في سوريا. وحافظت موسكو على وجودها العسكري في سوريا رغم مشاركة معظم قواتها في القتال في أوكرانيا، وفي هذه السنوات لم تتردد في محاولة الحفاظ على علاقات الأسد مع الدول التي لعبت دورًا مدمرًا، مثل قتل ما يقرب من 500 ألف شخص وتشريد نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة.
وإلى جانب الإجراءات المتخذة خلال سنوات الحرب في سوريا، وفرت روسيا الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، من خلال سلسلة محادثات موسكو.
في غضون ذلك، هناك مخاوف مشتركة بين إيران وسوريا وروسيا فيما يتعلق ببعض القضايا والملفات، بما في ذلك القضايا الأمنية والجماعات الإرهابية في سوريا. ويمكن لطهران وموسكو تقريب بشار الأسد ورجب طيب أردوغان من بعضهما البعض، وحل بعض القضايا والمشاكل بين تركيا وسوريا.
تؤكد طهران وموسكو رغبتهما في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وضرورة تكثيف الجهود من أجل العودة السريعة للاجئين السوريين إلى البلاد، فضلاً عن ضرورة محاربة جميع أنواع التهديدات الإرهابية، ولا سيما تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات المتطرفة في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
کما تعارض إيران بشدة الوجود العسكري للولايات المتحدة وتركيا في سوريا، وتطالب بانسحاب هذه القوات لضمان سيطرت الحكومة السورية علی كل أجزاء البلاد، وجدير بالذكر أن روسيا تمثل دعماً كبيراً للحكومة السورية، والمحرك الرئيسي للنشاط الدبلوماسي السوري لبدء عملية سياسية واتفاق جديدة لإعادة إعمار البلاد.
بالطبع، لا يقل اعتماد دمشق على إيران من روسيا. إذ لا تقوم طهران بتزويد القوات فحسب، بل تحافظ أيضًا على الاقتصاد السوري من خلال علاقاتها التجارية. تركيا بدورها احتلت عسكريًا المناطق الحدودية الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وأقامت منطقة نفوذها في شمال سوريا.
من وجهة نظر طهران وموسكو، يتطلب السلام بين أنقرة ودمشق سرعة ورد فعل سريع لضمان الأمن في المنطقة. ويأتي هذا السلام عبر التعاون الاستراتيجي بين طهران وموسكو، مثل التعاون السابق في سوريا. وهذا التعاون هو أحد سبل التأكيد على وجود روسيا وإيران في هذه المرحلة من الحرب السورية. كما أنه في الماضي، حقّق الوجود العسكري لروسيا وإيران في سوريا نجاحات كبيرة.
بعد الزلزال المدمر في شباط (فبراير) الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص في سوريا وتركيا، تسارعت وتيرة تطبيع دول المنطقة علاقاتها مع دمشق. وفي أبريل/نيسان، استضافت موسكو وزراء دفاع تركيا وسوريا وإيران لإجراء محادثات، قالت إنها ركزت على "خطوات عملية لتعزيز الأمن في الجمهورية العربية السورية وتطبيع العلاقات السورية التركية".
بالطبع، على الرغم من كل الخلافات الماضية، فإن سوريا وتركيا لديهما أهداف ومصالح مشتركة. ترى دمشق في محادثات موسكو فرصةً لكلتا الحكومتين للتعاون بمساعدة ودعم روسيا وإيران. ومع ذلك، فإن الهدف الرئيسي للحكومة السورية هو إنهاء كل الوجود العسكري "غير الشرعي" في البلاد، بما في ذلك وجود القوات التركية.
بالنسبة لروسيا، الاصطفاف مع إيران هو حل منطقي لحل مشكلة ملحة. وترمز مفاوضات موسكو الرباعية ووجود إيران في هذه الاجتماعات، إلى تنامي قوة إيران الإقليمية بين دول المنطقة.
إن محاربة الإرهاب بكل أنواعه هي رغبة كل شعوب المنطقة، ولن يتحقق هذا الهدف إلا بالجهود المشتركة والتنسيق والتعاون بين دول المنطقة. ومن أهداف هذا الاجتماع الرباعي مساعي إيران وروسيا لتطبيع العلاقات التركية السورية، وإيران جادة في الحوار المباشر بين سوريا وتركيا.
تركيا وسوريا دولتان مؤثرتان في المنطقة، وتدعم طهران وموسكو التعاون بين البلدين. وتسعى طهران وموسكو إلى توفير ظروف التقارب بين تركيا وسوريا، من خلال زيادة الدبلوماسية السياسية لإيران وروسيا في المنطقة.
لن تغير مشاركة إيران في المفاوضات الدور الحاسم لروسيا، لكنها ستعزز على الأرجح موقف سوريا فيما يتعلق بالانسحاب السريع للقوات المسلحة التركية من مناطق شمال غرب سوريا، وعودة إدلب إلى سيطرة الحكومة السورية، والقضاء على الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، وهي الجماعات التي حددتها إيران على أنها أهم هدف للمحادثات الرباعية في موسكو.