الوقت - برز خلال الأيام الأخيرة الماضية خبر اعلان الجيش العراقي عن احرازه تقدماً في منطقة البو ذياب شمال الرمادي بمحافظة الأنبار في ظل اجراءات للتقدم واستعادة المدينة من جماعات الغرب الإستعماري، فيما لجأت هذه الجماعات إلى اسلوب منع سكان الرمادي من مغادرة المدينة لإتخاذهم كدروع بشرية، هذا التطور رافقه نشاط اعلامي غربي قوي ولا سيما أمريكي للإيحاء بأن قواته أيضاً مشاركة في عملية استعادة الرمادي، وبغض النظر عن واقعية ارسال أمريكا لعناصرها للمشاركة في هذه العملية، والتكثيف من الغارات التي تشنها الطائرات الأمريكية خلال الأيام الأخيرة الماضية ضد هذه الجماعات في الرمادي، إلا أن مجموعة من التطورات التي تشهدها المنطقة من جهة والساحة العراقية من جهة أخرى مضافاً إلى سلسلة من الوقائع والمعطيات والتي تضع الدور الأمريكي في هذه القضية في دائرة الشبهة، وتثير جملة من التساؤلات والنقاط، سنستعرضها في هذا المقال.
أولاً: التدخل الأمريكي في الساحة العراقية منذ صناعتها لنظام صدام حسين البائد، إلى احتلالها العراق فخلق الجماعات الإرهابية وارسالها اليه، إلى تدخلها الجوي تحت ذريعة وعنوان محاربة هذه الجماعات، لا شك أن كل هذا يصب في خانة التوجه الإستعماري ونهب خيرات هذا البلاد وصنع العوامل الكفيلة بجعله بلداً ضعيفاً والمحافظة عليها. هذا الفكر الإستعماري بدأ يستشعر الخطر والضعف نتيجة التحرك الروسي الأخير في سوريا والذي جاء داعماً للجيش السوري وشعبه، وأثبت أنه تحرك جاد ومساهم في التوجه نحو القضاء على هذه الجماعات وطردها من البلاد.
في الجانب الآخر فإن الحديث النشط عن انشاء مركز قيادة مشتركة بين كل من ايران وروسيا وسوريا والعراق مركزه الأخير لمواجهة الجماعات الغربية أقلق الجانب الأمريكي، وقد جاءت التصريحات الأخيرة على لسان المسؤولين العراقيين بالترحيب بتوجيه روسيا بضربات جوية ضد جماعات الغرب الإستعماري كمؤشر على ارتفاع القلق الأمريكي حيال مصالحها في العراق. فرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان قد اعلن أنه سيرحب بتوجيه روسيا ضربات جوية ضد الجماعات الإرهابية، فيما خرجت اصوات مؤيدة في البرلمان العراقي اتجاه خيار الطلب من موسكو شن عمليات جوية ضد هذه الجماعات، وبالتالي فإن أي دور لروسيا في العراق بل والمنطقة سيعمق المخاوف الأمريكية من ان تخسر نفوذها.
ثانياً: التحرك الشعبي المساند لقوات الجيش العراقي والذي نتج عنه الحشد الشعبي ومن ثم حشد في الأنبار جعل أمريكا تستشعر الخطر ايضاً من أن التحركات الشعبية هذه لا شك ستفشل مشروع امريكا التدميري للعراق، فهي تحركت وبوتيرة متصاعدة نحو طرد هذه الجماعات الإرهابية في العديد من المناطق العراقية، ولولا التدخل الأمريكي لكان العراق اليوم قد تمكن من طرد كل هذه الجماعات. فيما ترى أمريكا أن بقاء جماعاتها في العراق سيكون مبرراً لتواجدهم والإستمرار في التدخل بالشؤون الداخلية فيه، ليأتي مشاركة أمريكا اليوم في عمليات الرمادي في الإطار التالي. هناك حسابات أمريكية تبنيها مع بعض الجهات الكردية والسنية داخل العراق لإقامة مشروعها التقسيمي، وهي بعد أن تكون قد رتبت حساباتها تلك تأتي للتدخل بطرد الجماعات التي ما صنعتها إلا لهدف التقسيم. فتحرير سنجار مثلاً جرى بتدخل أمريكي، وقد خرجت عناصر الجماعات الإرهابية منها من دون أن تطلق رصاصة واحدة، وتحولت هذه العناصر بقسم منها فيما بين سوريا والجانب الآخر من العراق الذي دخلته الجماعات.
ثالثاً: هناك تعارض كبير في السياسة الأمريكية حيال العراق، هذا التعارض هو ما يكشف النوايا الخادعة، فيُرصد بين الحين والآخر هبوط طائرات امريكية تحمل اسلحة وعتادا في المناطق التي تسيطر عليها جماعات الفكر التخريبي، وقد كشف الجيش العراقي والحشد الشعبي عن الكثير من هذه الأسلحة بعد تحريره للعديد من المناطق. كما التحرك الأمريكي نحو تقديم المساعدات العسكرية للأكراد وبعض القبائل في الأنبار خارج التنسيق والحكومة المركزية. وهذا ما يكشف عن نوايا ومخطط التقسيم الأمريكي للعراق، وما تدخله في عملية الرمادي إلا في هذا السياق والأسباب سابقة الذكر.