الوقت – بدأت شكوك المغرب تتأكد حول موقف واشنطن من نزاع الصحراء الغربية بدعمها مساعي الأمم المتحدة بدل الدفاع عن الحكم الذاتي والسيادة المغربية على المستعمرة الإسبانية السابقة.
ويعالج مجلس الأمن الدولي هذه الأيام نزاع قضية الصحراء الغربية، ويرتقب صدور قرار جديد يمدد عمل قوات الأمم المتحدة “المينورسو” في المنطقة، لفتح مجال أمام المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لتقريب وجهات النظر بين المغرب والبوليزاريو، في الوقت الذي يلح فيه المغرب على الحكم الذاتي، ويطالب البوليزاريو باستفتاء تقرير المصير، حيث قامت السفيرة الأمريكية بالدفاع عن قرارات الأمم المتحدة دون تفضيل الحكم الذاتي.
وكان الرئيس الجمهوري دونالد ترامب قد اعترف بسيادة المغرب على الصحراء خلال كانون الأول (ديسمبر) 2020 في إطار اتفاقيات “سلام أبراهام” التي مهدت للتطبيع بين الكيان الصهيوني والمغرب، حيث تعهد ترامب في حينها بفتح قنصلية في مدينة الداخلة أقصى جنوب الصحراء الغربية بالقرب من موريتانيا.
وعندما جاء الرئيس الديمقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض سنة 2021، لم يقم بالتراجع عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء كما رغب في ذلك عدد من الساسة الأمريكيين، بل قام بإعطاء الأولوية لمساعي الأمم المتحدة لحل النزاع وتجنبت وزارة الخارجية الحديث عن السيادة المغربية، وركزت حديثها بالترحيب بالحكم الذاتي دون اعتباره الحل الوحيد.
وإلى جانب موقفها في مجلس الأمن الدولي، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، على لسان نائب المتحدث الرسمي باسمها، فيدانت باتيل، أن مباحثات أجرتها نائبة وزير الشؤون الخارجية، ويندي شيرمان، مع ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء.
والتقت نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان، مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء ستافان دي ميستورا، بُعيد جلسة مجلس الأمن الدولي المغلقة حول الصحراء المغربية، وخلالها اطلعت الدبلوماسية الأمريكية على تفاصيل العملية السياسية التي يعتزم المبعوث الأممي الدفع بعجلتها من خلال دعوة الأطراف إلى استئناف المفاوضات السياسية.
وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، “شددت نائبة وزير الخارجية شيرمان على دعم الولايات المتحدة الكامل لجهود المبعوث الشخصي لدفع العملية السياسية الجارية بقيادة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية”.
وترحب الدبلوماسية الأمريكية برؤية المبعوث الشخصي لتكثيف مشاوراته لهذا الغرض، وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية أنه “نائبة وزير الخارجية والمبعوث الشخصي ناقشا أهمية البناء على زخم المشاورات الموضوعية التي استضافتها الأمم المتحدة في مارس لتحقيق حل سياسي دائم وكريم لسكان الصحراء”، وفق تعبيره.
يذكر أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عقد مشاورات مغلقة حول قضية الصحراء المغربية، وهي مشاورات منتظمة منصوص عليها في قرار المجلس رقم 2654 الذي تم اعتماده في 27 أكتوبر الماضي، وخلالها تلقى أعضاء مجلس الأمن تلقوا، إحاطة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، ستافان دي ميستورا، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء ورئيس بعثة المينورسو، ألكسندر إيفانكو.
وكانت أوساط مقربة من الإدارة المغربية قد نبهت إلى ضرورة تبني المغرب الحذر تجاه التطورات الحاصلة في الموقف الأمريكي من الصحراء، فهو سائر على المنهجية الفرنسية من دعم الحكم الذاتي الى الاقتصار على دعم مساعي الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمين العام.
وكانت مجلة فوراين بوليسي، قالت في مقال، إن “إلغاء خطوة ترامب يعد خطوة سهلة إذا أرادت إدارة بايدن الإشارة إلى التزامها بالقانون الدولي والتعاون متعدد الأطراف”.
وأضافت “سيكون من غير المكلف عملياً أن تسحب الولايات المتحدة اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية؛ ويمكن أن يتم ذلك بجرة قلم ودون تكلفة”.
وأوضحت أنه من الناحية النظرية، يمكن للحكومة المغربية أن ترد على الانقلاب الأمريكي بإلغاء علاقاتها الدبلوماسية الجديدة مع إسرائيل، لكنها ستدفع ثمنًا أكبر لمثل هذه الخطوة مما ستدفعه الولايات المتحدة.
وعن أسباب تراجع الموقف الأمريكي يؤكد مراقبون أن من اللافت للنظر أن التغيير الأكثر جوهرية في الموقف الأمريكي تجاه الصراع على هذه الأراضي كان ينبغي اتباعه ليس لمصلحتها الخاصة، ولكن كثمن مدفوع لإقناع المملكة المغربية بالموافقة على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
اذ يأتي هذا الدعم في الوقت الذي ينخرط فيه المغرب وجبهة البوليساريو، حركة التحرير الصحراوية، في نزاع مسلح نشط. بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار القائم منذ 29 عامًا .
كما أن الوجود المغربي في الصحراء الغربية غير قانوني – وهو حكم أكدته منذ فترة طويلة الأمم المتحدة والعديد من قرارات المحاكم الدولية. وعلى ما يبدو أن السبب الرئيسي لهذا الدعم الامريكي الجديد هو أن واشنطن لا يمكن أن تقع في تناقض مواقف حيث تدعم دور الأمم المتحدة في حل النزاع وتؤيد السيادة المغربية على الصحراء الغربية في الوقت نفسه.
لدى إدارة بايدن فرصة للاعتراف بهذا التناقض الضار وإعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالقيادة الدولية القائمة على القانون والتعاون، بدلاً من القوة المطلقة، كمبدأ حاكم لحل النزاعات الدولية.