الوقت - بعد تصعيد جرائم الكيان الصهيوني في الضفة الغربية وغزة، هذه الأيام وعشية يوم القدس، يتركز كل اهتمام العالم الإسلامي على الأراضي المحتلة لمعرفة الموقف الذي يتخذه القادة العرب ضد هذه الجرائم. وحتى الآن، استنكرت دول كثيرة بشدة تصرفات المحتلين في المسجد الأقصى وطالبت بإنهاء هذا الوضع، لكن في غضون ذلك، ضحى بعض العرب بدعم القدس من أجل طموحاتهم السياسية.
البحرين بلد فيه صراع كامل بين موقف الشعب ورجال الدولة من التطورات في فلسطين. عقب ردود الفعل العالمية على الجرائم التي ارتكبتها القوات الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى، نظم مواطنون بحرينيون، السبت، مظاهرة في بلدة "البسيتين" تعبيرا عن التضامن مع المسجد الأقصى والأمة الفلسطينية. وردد العشرات من المواطنين البحرينيين الذين يرفعون الأعلام هتافات تضامن مع الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى ونددوا بالجرائم الصهيونية بحق المصلين الفلسطينيين.
أعلنت الجماعات السياسية والزعماء الدينيون في البحرين، إلى جانب الدول الإسلامية، دعمهم لشعب فلسطين المظلوم. أصدر ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير البحريني بيانا أشاد فيه بمقاومة المقاتلين الفلسطينيين ضد جريمة الكيان الصهيوني في المسجد الأقصى المبارك وخاصة خلال شهر رمضان المبارك. وأكد هذا التحالف أن "شعب البحرين سيواصل مقاومته المشرفة ضد عدوان الكيان الصهيوني المستمر، وهم وقادتهم في قلب المقاومة التي تطالب بإنهاء وجود الكيان الصهيوني".
كما أدان تحالف 14 فبراير بشدة جريمة الكيان الصهيوني بحق المسجد الأقصى والمقدسات الفلسطينية، وكذلك المصلين والصائمين، وقال إن هجوم الكيان الصهيوني المؤقت على الحجاج يظهر الأزمة العميقة التي اجتاحته ولا خيار أمام هذا الكيان سوى توسيع عدوانه على الأمة، وليس لفلسطين مقدساتها.
من ناحية أخرى، وصف آية الله عيسى قاسم، الزعيم الروحي للثورة البحرينية، عدوان الصهاينة والاعتداء على الحجاج في المسجد الأقصى بأنه انتهاك لحرمة الإسلام، وعلى جميع المسلمين الرد على هذه الإهانة. وقال عيسى قاسم: "إن هجوم الصهاينة على المسجد الأقصى يعد شرًا عامًا خطيرًا ويجب ألا نسمح للصهاينة واليهود المتعصبين والجاهلين بمواصلة هذا الشر". ولطالما دعم الشعب البحريني والزعماء الدينيون الأمة الفلسطينية ضد الغزاة وقاموا باحتجاجات دعما للفلسطينيين أكثر من دول أخرى في المنطقة.
وصمة عار على جبين آل خليفة
هذه المرة كان نظام آل خليفة في مقابل الدول الإسلامية والرأي العام في الهجوم على المسجد الأقصى صامتاً ورفض إدانة هذه الجرائم، وكالعادة أغلق أعينه عنها. نظام آل خليفة البحريني، الذي طبع علاقاته مع كيان الاحتلال قبل ثلاث سنوات، أدار ظهره لقضية القدس ويلعب في ملعب الصهاينة. النظام البحريني الذي ربط اقتصاده وأمنه بتعزيز العلاقات مع إسرائيل، يحاول الحفاظ على هذه العلاقات الضعيفة، المنحازة لصالح تل أبيب بكل قوته، ولهذا السبب فهو ليس على استعداد لاتخاذ موقف دعم للفلسطينيين.
الإمارات، التي أقامت أكثر العلاقات مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، لم تستطع السكوت في وجه تعدي الصهاينة على المسجد الأقصى وحذرت سلطات تل أبيب من أن استمرار الاعتداءات على هذا المكان المقدس سيضر بالعلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب. حتى سفراء بعض الدول العربية لم يحضروا حفل إفطار وزير الخارجية الإسرائيلي ليُظهروا أنهم غاضبون من السياسات التي ينتهجها الصهاينة في الضفة الغربية. في مثل هذه الحالة، حاول حكام المنامة التزام الصمت حتى لا يحدث اضطراب في العلاقات بين البحرين وكيان الاحتلال.
في العامين الماضيين، عززت البحرين تعاونها الأمني مع الكيان الصهيوني، ووقعت اتفاقيات لشراء أسلحة ونشر طائرات مسيرة إسرائيلية في البحرين. حكومة البحرين، التي عرضت كل إمكانتها لخدمة المحتلين، حولت جزرها البكر إلى مكان استراحة للصهاينة حتى يتمكنوا من تنفيذ مشاريعهم التخريبية ضد دول المنطقة بسلام تام.
كان الهدف الرئيسي لسلطات تل أبيب لتطبيع العلاقات أن يقبل العرب علانية الوجود المزيف للكيان الصهيوني وأن يطبعوا علاقاتهم في جميع المجالات من أجل خلق شرعية في المنطقة لأنفسهم، لكن مشروع التطبيع توقف في محطتي الإمارات والبحرين. لذلك حملت البحرين على عاتقها تقاعس الدول العربية الأخرى، وأصبحت المنفذ لأوامر الصهاينة، وغرقت في هذا الدور لدرجة أنها غيرت مكان الظالم والمظلوم، وصمتت في وجه الظالم. يشير الصمت على هجوم الغزاة على القبلة الإسلامية الأولى أيضًا إلى أن آل خليفة يعترفون بشرعية الغزاة في هذا المكان المقدس.
إن نظام آل خليفة، الذي يعاني من أزمة شرعية، يحاول تعويض أزمته الشرعية الداخلية بدعم خارجي من خلال تقوية علاقاته مع الصهاينة والحفاظ على أسس عرشه المتزعزعة، لكن كلما تزداد قوة هذه العلاقات، كلما ازداد غضب الشعب البحريني على آل خليفة وأظهر البحرينيون أنهم لا يربطون هويتهم الوطنية والعربية بالهوية الصهيونية المزيفة. كما حذرت شخصيات سياسية ودينية بحرينية من عواقب تسوية آل خليفة مع الصهاينة ومحاولة تهويد البحرين.
يعتبر شعب البحرين آل خليفة حكومة دمية تنفذ السياسات التي تمليها المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني مؤخرًا وليس لها سلطة خاصة بها. بعد اتفاقات "إبراهام" في سبتمبر 2020، قام البحرينيون مرارًا وتكرارًا باحتجاجات ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأظهروا أنهم على عكس حكامهم يقفون وراء إخوانهم الفلسطينيين، ومن خلال استمرار الاحتجاجات، فإنهم يريدون الحفاظ على معارضة الموجة الصهيونية حية.
كما في رحلة رئيس الكيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، إلى البحرين العام الماضي، خلق الرأي العام في هذا البلد احتجاجات حاشدة، ما اضطر هرتسوغ إلى ترك رحلته في منتصف الطريق لتجنب التوترات. في الوقت الذي أعلنت فيه الدول الإسلامية عن دعمها الثابت للفلسطينيين، فإن صمت آل خليفة في وجه اعتداءات الغزاة على المسجد الأقصى هو وصمة عار ستبقى إلى الأبد على جباه حكام المنامة وسيشوه صورتهم أكثر بين الرأي العام في المنطقة.