الوقت_ عقب عام كامل من انتظار القضاء، أعلنت محكمة العمل الألمانية في العاصمة برلين أن قرار مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية (DW) بفصل الصحفي الفلسطيني زاهي علاوي بعد اتهامها له بنشر تصريحات “معادية " للكيان الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي وبحجة "معاداة السامية"، وإن المحكمة الألمانية المعنية بتلك القضية، قضت بأن الفصل كان غير قانونيّ، مؤكّدة أنّ منشورات الصحفي ليست "معادية للسامية" وبالتالي فإنّ الفصل غير جائز، حيث تكثر تلك القضايا في هذه الوسيلة الإعلامية المعروفة، نتيجة العلاقات التي توصف بالوثيقة والمستمرة بين ألمانيا والكيان الصهيونيّ العنصريّ، وقد أطلقت إذاعة DW "صوت ألمانيا" الدوليّة المعروفة، والتي تُعد واحدة من كبريات إذاعات العالم الموجهة لخارج ألمانيا، إجراءات تأديبية في عدة حالات تتعلق بمزاعم "معاداة إسرائيل والسامية" من عدد من العاملين بها مع طردهم من عملهم.
تعامل غير قانونيّ
بشكل واضح، كشف قرار محكمة برلين بطلان فصل الصحفي الفلسطيني من عمله، وإلزامه مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية (DW) إعادته إلى عمله والتعويض عما حدث، التحيز الألمانيّ تجاه الفلسطينيين واضح كعين الشمس، لصالح لتل أبيب في عدوانها على مختلف الساحات دون أيّ وجه حق، وقد شاهد العالم طريقة تعاطي برلين مع أكثر من ملف وبالأخص الجرائم الإسرائيلية ومحاربة الفصائل والفلسطينيين على أرضهم، بعد أن اتخذت "دويتشه فيله" إجراءات الفصل بحق صحفيين فلسطينيين وعرب كثر بحجة نشرهم تصريحات “معادية لإسرائيل” على وسائل التواصل الاجتماعي وبحجة "معاداة السامية" التي لا يملك الصهاينة وأعوانهم غيرها.
وفي الوقت الذي أنصف قرار محكمة العمل ببرلين الصحفي الفلسطيني، وتأكيدها أن قرار إقالة المؤسسة الإعلامية الألمانية دويتشه فيله (DW) للصحفي علاوي، والذي ينحدر من بلدة سبسطية في محافظة نابلس، لم يكن مبررة قانونياً، يبدو أنّ شبكة "دوتشه فيليه" التي فصلت عددا لا يستهان به من الصحفيين منذ سنوات، وبالتهمة نفسها "معاداة الساميّة"، تسير وقف مبدأ "الإعدام الجماعيّ المهني للصحفيين"، حيث إن قراراتها تشكل دعماً واضحاً لكيان الاحتلال الذي بات يُعرف دوليّاً بصفة "الفصل العنصريّ" رغم جرائمه المتصاعدة بحق الفلسطينيين -أصحاب الأرض والمقدسات-، وإهمالٍ فاضح لكل دعوات التحقيق في جنايات العدو الصهيونيّ، فيما تُصر الحكومة الألمانيّة التي تربطها علاقات جيدة بالإسرائيليين أن تواصل الضغط على الفلسطينيين أينما وجدوا، كما أنّ برلين لا ترغب بتعكير صفو علاقتها مع العدو الذي ينزعج بشدة من أدنى انتقاد له، وقد شهدنا مراراً على الاستماتة الإٍسرائيليّة لدفع ألمانيا للضغط على الفلسطينيين وفصائلهم المقاومة.
وعلى الرغم من أن المحكمة أيدت الدعوى الخاصة بالحماية من الفصل التعسفي وحكمت على مؤسسة DW بمواصلة توظيف الصحفي علاوي، إلا أن الشبكة الألمانية لا يمكن أن تتوقف عن إنهاء عقود عمل الفلسطينيين، بسبب حديثهم المتكرر عن انتهاكات حقوق الإنسانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، تحت كذبة (معاداة اليهود) وكيان الاحتلال الصهيونيّ، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها ألمانيا والذي أثقبت الدويتشه فيله مسامعنا بها عبر كل تغطياتها وتقاريرها وبرامجها.
ومن الجدير بالذكر أن الإعلامي زاهي علاوي غرّد على تويتر عقب قرار المحكمة: “بعد انتظار أكثر من سنة، محكمة العمل في برلين تحكم بأن قرار طردي من مؤسسة DW في شهر فبراير/شباط 2022 غير قانوني وتطالب بعودتي لمكان عملي فوراً"، وكانت القناة المذكورة أعلنت في فبراير 2022 فصل الصحفيين مرام سالم وباسل العريضي ومرهف محمود وفرح مرقة، وزاهي علاوي، وياسر أبو معيلق، وفضّ التعاقد مع داود إبراهيم بالتهمة ذاتها في تغريدات ومقالات قديمة تنتقد كيان الاحتلال الغاشم، وفي يوليو/تموز من العام الفائت، أعلنت الصحفية الفلسطينية، مرام سالم، أن محكمة العمل في مدينة بون الألمانية “لم تجد معاداة للسامية” في منشوراتها على موقع فيسبوك، وقالت إن قرار فصلها من شبكة دويتشه فيله “غير قانوني”.
شماعة محاربة السامية
تخيل، بات موقف الدفاع عن وطنك أو إحدى القضايا الأهم دوليّاً، جريمة وتهمة خطيرة بالنسبة لألمانيا ووسائلها الإعلامية، حيث تسعى DW إلى إنهاء عقود عمل الفلسطينيين بسبب حديثهم علنا عن انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، في وقت تتخذ فيه "إسرائيل" ومناصروها تهمة "معاداة السامية" شماعة لمحاربة الفلسطينيين ومن يوالي قضيتهم المحقة في مختلف الميادين، ويبدو أنّ "دويتشه فيله" تقمع حرية الصحفيين في التعبير عن آرائهم، نتيجة لمواقفهم السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية، في هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحافيين وعلى هويتهم.
وفي ظل نجاح عدة دعوات وجهها صحفيون فلسطينيون وعرب أمام القضاء الألمانيّ ضد قرار فصلهم التعسفيّ، يبدو أن أصحاب مزاعم "حرية الرأي والتعبير" أصابتهم نوبة شديدة من الضغط الإسرائيليّ لمحاربة كل ما يشكل "رأس حربة" بنظرهم في معركة الدفاع عن قضية فلسطين ضد العصابات الصهيونيّة الغازية، ومنع مساندة الفلسطينيين في ألمانيا لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة والأهالي المحاصرين بين فكي كماشة الاحتلال، ولا يخفى على أحد أنّ الدعم الألمانيّ المباشر للكيان الصهيوني يزداد يوماً بعد آخر، وقد اختارت برلين حسب مواقفها الوقوف في صف الكيان القاتل الذي باتت تؤرقه كلمات وأشخاص ومنشورات غير مرتبطة به حتى.
ومنذ عام تقريباً أثارت قرارات "دوتشه فيليه" وإجراءات التحقيق التي قامت وتقوم بها وأسفرت عن فصل الصحفيين، مخاوف الصحفيين الفلسطينيين والعرب، من توجه لملاحقة المحتوى الفلسطيني، جراء تأسيس المؤسسة الألمانية نهج الملاحقة الذي يصفه مراقبون بـ " الغيستابو الإعلامي" حسب تقرير نشره موقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، حيث يمزج بعض الألمان بين معاداة كيان الاحتلال والصهيونية ومعاداة "السامية" أي اليهود، وهذا ما تروجه بعض الأحزاب الألمانيّة الداعمة بقوّة للصهاينة كحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي الديموقراطي البافاري، واللّذان يستنفران على "دولة القانون" الألمانية للرد بحزم على المظاهرات التي عادة ما تشهدها شوارع العديد من المدن الألمانية عند كل عدوان وحشي أو مجزرة شنيعة للكيان على الفلسطينيين ومقدساتهم، كذلك بدعوى " معاداة للسامية".
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من إنصاف القرار النهائيّ للمحكمة رغماً عنها –باعتقادي- لخوفهم من تشويه سمعه القضاء الألمانيّ، إلا أن أغلب القرارات الألمانيّة متحيزة للغاية وتصب في مصلحة الكيان المجرم، لدرجة أنّ إظهار أي دعم علنيّ لأي طرف في محور المقاومة يعتبر تُهمة كافية للطرد من العمل ومخالفة كبرى للقانون الألمانيّ، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدول عن جرائم الكيان الصهيونيّ -السرطان الذي زُرع لفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه وتنفيذ المصالح الأمريكيّة والغربيّة-، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأسرى ولا المرضى حتى.
نتيجة لكل ما ذُكر، أظهرت الحكومة الألمانيّة نفسها كداعم أول للعصابات الصهيونيّة، وبدل أن تتخلى عن تاريخها النازيّ، باتت تطبقه على الفلسطينيين والداعمين لفلسطين، كما أنّ المؤسسة الإعلاميّة الألمانية -التي تدعي التحرر التام- وضعت نفسها في مأزق حرج نتيجة هذه القضية، وبالتالي ستعدل مجبرة وظاهريّاً عن نهج استهداف الصحفيين الفلسطينيين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي فشلت كل محاولات الكيان الساديّ في إضفاء الشرعية على دولته المزعومة وشرعنة جرائمها، نجد بعض الدول التي تدعي الديمقراطيّة تصطف بكل ما أوتيت من قوة لنصرة المجرم ضد الضحيّة، رغم تزايد نسبة مقاطعة "إسرائيل" في كثير من الدول، فيما لا تُعطي دولنا للأسف فرص عمل إعلاميّة كما يجب لأصحاب الخبرة والأفكار المقاومة، ما يُضطرهم للعمل تحت رحمة تلك المؤسسات الخبيثة، وفقاً للوقائع.