الوقت - كانت المواقف الحازمة للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، والمعادلة التي رسمها في خطابه الأخير للأمريكيين والصهاينة، وكذلك التصريحات التي قالها عن الوضع الملتهب والظروف المتوترة للجبهة الداخلية للکيان الصهيوني، لدرجة أن الصهاينة لم يتمكنوا من الصمت حيال ذلك، وأثار رد فعل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الکيان.
في بداية جلسة مجلس الوزراء، التي تعقد كل أسبوع لتسجيل وجهات نظر ومواقف المسؤولين الصهاينة حول القضايا الداخلية والخارجية المهمة للکيان الإسرائيلي، ردّ نتنياهو على تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني مؤخرًا، وفي معرض إقراره بتأثير رسائل السيد حسن نصر الله على الإسرائيليين، قال إن "تصريحات نصر الله تأتي في سياق محاولة الإضرار بالروح الوطنية وإضعاف وحدة الإسرائيليين".
يشار إلى أن نتنياهو حاول تجاهل المعادلة الخطيرة التي رسمها السيد حسن نصر الله للأميركيين، وفي الحقيقة ضد الکيان الإسرائيلي، والتظاهر بأن هذه المعادلة هي في إطار التوترات بين واشنطن وحزب الله، وذلك من أجل تهدئة الرأي العام الإسرائيلي، لكن من الواضح أن مواقف الأمين العام لحزب الله، إضافةً إلى إثارة الرعب والقلق لدى الصهاينة، أصبحت أداةً لمعارضي نتنياهو وحكومته، الذين يستخدمون هذه الأداة للضغط على نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، حاول نتنياهو الحد من تأثير رسائل الأمين العام لحزب الله على الرأي العام الإسرائيلي، بقوله عبارات مثل "لن تكون هناك حرب في إسرائيل، والإسرائيليون أخوة ولا يقاتلون بعضهم البعض". وکان السيد حسن نصر الله قد قال إن الکيان الإسرائيلي في أزمة داخلية كبيرة، والصهاينة يتحدثون عن الحرب الأهلية لأول مرة.
لقد زادت الإشارات والتحذيرات من الصراع الداخلي بين مختلف الفصائل الإسرائيلية بشكل كبير منذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة السلطة، وبينما وصلت الانتقادات لأداء هذه الحكومة إلى مستوى الاحتجاجات المتكررة لعشرات الآلاف من الأشخاص في مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة، فإن المعسكر المعارض لنتنياهو وحلفائه يستغلون هذه الفرصة لمهاجمته والإضرار بحكومته، وهذه الانقسامات والتوترات الداخلية بين الصهاينة هي ما أشار إليها السيد حسن نصر الله.
كما أن رد فعل نتنياهو على كلام الأمين العام لحزب الله، يعود إلى القلق المعتاد لدى جميع القادة الإسرائيليين من الكشف عن الصورة المفككة للمجتمع الإسرائيلي أمام فصائل المقاومة، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، لأن هذه مسألة استراتيجية للصهاينة وتؤثر على الأمن الداخلي لهذا الکيان.
رداً على مواقف السيد حسن نصرالله، قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني "لا تعولوا على حرب الأخوة في إسرائيل، وهذا لن يحدث أبداً". هذا بينما تعتبر الدوائر الإسرائيلية نفسها تصريحات نتنياهو هذه حلمًا ووهمًا، وتعتقد أن شرارات الحرب الأهلية الإسرائيلية قد اشتعلت عندما تولى حكومة نتنياهو وأصدقائه السلطة.
إضافة إلى ذلك، أدركت كل الحركات والمؤسسات والقادة الصهاينة خطورة انهيار "إسرائيل" من الداخل، حيث لا تزال عبارة "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، كما عبَّر عنها السيد حسن نصرالله، لها وقعها في الدوائر الإسرائيلية بعد عقدين من الزمان، وهم يعتقدون أن صورة "إسرائيل" الممزقة دليل على صحة تصريح نصرالله.
وفي هذا الوضع، يحاول نتنياهو وأعضاء حكومته الفاشية، القلقين من تداعيات الانتقادات الواسعة لهم في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، احتواء سيناريوهات خطيرة حول الصراع الداخلي.
وتظهر إعادة قراءة خطاب السيد حسن نصر الله حول الأزمة الداخلية للکيان الصهيوني، أنه تحدث عن نزاعين رئيسيين للإسرائيليين. الأول يتعلق بالجبهة الداخلية للکيان، والثاني يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، وأن هذا الصراع قد يمتد إلى المنطقة بأسرها، وهذا ما تعترف به دوائر الكيان الصهيوني ومسؤولون سابقون وحاليون، وهم متفقون على أن التوترات الداخلية قد تصل إلى مستويات أكثر خطورةً مثل الحرب الأهلية، والقادم من الأيام قد يشهد إراقة دماء کثيرة في الکيان الإسرائيلي.
لذلك، يرى المراقبون في الکيان الصهيوني أن نتنياهو يجب أن يكون مسؤولاً أمام السلطات والخبراء الإسرائيليين، وليس نصرالله؛ وتشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن شاباك يتخذ إجراءات وقائية لمنع الاغتيالات السياسية.
كما حذر بيني غانتس، وزير الحرب السابق في الکيان، نتنياهو قبل أسبوعين، قائلاً: "إذا واصلت طريقك، ستكون مسؤولاً عن الحرب بين الأشقاء في المجتمع الإسرائيلي". لكن صحيفة "هآرتس" العبرية، نقلاً عن خبراء من الكيان الصهيوني، أعلنت أن الحرب الأهلية الإسرائيلية بدأت منذ فترة طويلة، ولم يتم الإعلان عنها رسميًا.
وعليه، دعا نتنياهو معارضيه وقال لهم "يجب التوقف عن الحديث عن إراقة الدماء والقتال في الشوارع وتهدئة الأجواء". في الواقع، اعترف نتنياهو بأن سبب رد فعله على كلام السيد حسن نصر الله، هو فهم جدي لرسائل الأمين العام لحزب الله. هذا بينما كان نتنياهو نفسه ومسؤولون كبار آخرون في الكيان الصهيوني، قد حذروا سابقًا من تدمير "إسرائيل" قبل دخولها العقد الثامن.
لقد تعرض الکيان الإسرائيلي لحرب أهلية عدة مرات منذ بداية احتلاله لفلسطين، والآن بعد سبعة عقود يحذر الصهاينة من تكرار التاريخ ودق ناقوس الخطر من حرب أهلية ستكون مدمرةً للغاية، وهي الحرب التي ستبدأ من جديد من بوابة الجيش.
في هذه المرحلة، يبدو أن الجيش الصهيوني يمشي علی ألغام سياسية، لأنه بعد تشكيل الحكومة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، تصاعدت التوترات بين الجيش والسياسيين، والجيش الإسرائيلي في موقف يشعر فيه أن المجتمع الصهيوني لم يعد يثق به.