الوقت_ منذ اليوم الأول لتعيين إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخليّ أو القوميّ في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، باعتباره من أشهر الإسرائيليين بعنصريّته وفاشيّته، بدا أنه يستعمل وزارة الأمن التي تعتبر من أهم الوزارات السيادية للكيان الصهيونيّ، بما تُمثله من "هيئة مشتركة" لتطبيق قانون الاستعمار الإسرائيليّ والحفاظ على النظام العام والفعاليات المتعلقة بالأمن الداخليّ، وبالفعل كان تسلم بن غفير لتلك الحقيبة الوزاريّة المهمة يحمل الكثير من التداعيات على كل المستويات وبالأخص الداخليّة، والتي كان آخرها قيامه بإغلاق مخابز “البيتا” في سجني “ريمون” و”جلبوع”، باعتبار أن الأسرى هم من يديرونها لتزويد زملائهم بالخبز الطازج في السجون، حيث إن المُستوطِن الصهيوني لا ينفّك أبداً عن التحريض ضد الفلسطينيين والأسرى، وهو واضح في تشدّده المقيت لدرجة أنّه يظهر كامل إجرامه عبر تصريحاته وإجراءاته.
تصعيد الخناق على الأسرى
"أنا أسعى لاستهداف كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ من خلال كل أنواع الجرائم"، رسالة بن غفير الوحيدة لهذا الشعب الذي يتعرض للإبادة في أرضه، وهذا يتضمن على وجه الخصوص الأسرى السياسيين الذين يقبعون خلف زنازين الكيان، والدليل أن مكتب بن غفير أوضح أن “سياسة الوزير تتمثل في حرمان الاسرى الأمنيين من المزايا "، في وقت لم يختر الكيان بن غفير لهذه المهمة عن عبث، بل إن إعطاء المساحة والصلاحيات للمتطرف الإسرائيليّ يهدف إلى تصعيد الخناق على كل الصعد، فايتمار يرغب باعترافه بتسجيل حقبة دامية بحق الشعب الفلسطيني ومناضليه داخل منازلهم ومعتقلاتهم، كما يدعو بكل وقاحة لطرد العرب من بلادهم التاريخيّة، وهو زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (القوّة اليهوديّة)، وهو حزب يمينيّ- دينيّ متطرف، وهذه المخططات تشمل كل الإسرائيليين المتشددين، وهم على قناعة تامة بأنّه لا يمكن تحقيق أيّ سلام بين اليهود والمسلمين، إضافة إلى إيمانهم بأنّ الأمّة الإسلاميّة ستبقى عدواً لليهود ما دام القرآن كتابهم، ما يعنى أن منهج العداء واضح وجلي أكثر مما تتخيلون.
“يجب حرمان الأسرى الفلسطينيين من المزايا، وبالتأكيد يجب حرمانهم من الحقوق باستثناء السجناء الجنائيين"، عبارة كان لها تأثيراتها بالتحول إلى حالة من التوتر في السجون مؤخراً بعد أن أعلنت الأسيرات في سجن الدامون التمرد واحراق الغرف، في حين أقدمت إدارة المعقل على رش الغاز المسيل للدموع وغاز الفلفل على قسم الأسيرات، بالإضافة إلى اعتداء بالضرب عليهن، وهو بالضبط ما يريده بن غفير الذي يدير وزارة يقع ضمن اختصاصها الإشراف على إدارة السجون، ما يشكّل قلقًا وتهديدًا حقيقيًا على حياة الأسرى والأسيرات الفلسطينيات، وقد بدأ العنصريّ المذكور بشكل فعلي هجمته وتحريضه على الأسرى والمعتقلين منذ أسابيع، حيث يسعى علنًا لإلغاء التمثيل الاعتقالي للفصائل والتنظيمات داخل السجون واستقلاليتهم وتوزيعهم، ومنعهم من إعداد الطعام في غرفهم، والاكتفاء فقط بما تقدمه إدارة السجون من وجبات، وتقليص كميات المياه وتشديد ظروف الأسر بشكل كامل.
وفي الوقت الذي قالت فيه هيئة الأسرى إن حالة توتر تسود كل السجون، وسط توقعات أن تكون هناك خطوات تصعيدية في كل السجون للرد على ما يحدث عند الأسيرات، يطالب الفلسطينيون المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لمواجهة وحشية بن غفير، وعدم تركه حراً في مخططاته العنصرية الإجراميّة، ولا سيما أنّه من أبرز الداعين للتطرف الصهيوني، ويمارس الإرهاب بحق المقدسات والشعب الفلسطيني بشكل ممنهج، وهو الداعم الأبرز لعصابات وجماعات المستوطنين الحاقدين، وخاصة عقب بدئه بتنفيذ خطّته القاضية بتشديد التعامل مع الأسرى الفلسطينيين السياسيين، ومصادرة الإنجازات التي حققوها على مدار سنواتٍ من النضال ضدّ سلطات السجن بالكيان، الأمر الذي من شأنه تفجير الأوضاع داخل السجون، وهو الذي سينعكِس على الشارع الفلسطينيّ برمّته.
تبعات خطرة للغاية
وفقاً لمواقع إخباريّة، يواصل نحو 120 أسيراً في سجن النقب، ولليوم الثالث على التوالي، إضرابهم عن الطعام؛ احتجاجا على الإجراءات العقابية والتعسفية التي تفرضها إدارة سجون الاحتلال بحقهم، ولليوم الخامس على التوالي، يسود التوتر سجن النقب، بعد فرض إدارة السجون عقوبات قاسية على الأسرى في قسمي 26 و27، بقطع التيار الكهربائي والمياه الساخنة، ووقف إدخال الطعام للأسرى، إضافة الى فرض عزل جماعي على 68 أسيرا في قسم 6، وهو القسم الذي جرى نقلهم إليه بعد عملية قمع تعرضوا لها في قسم 8 (قسم الخيام).
وباعتبار أن جلسة الحوار التي عقدت قبل أيام في سجن النقب بين الأسرى ومصلحة السجون التابعة للعدو قد فشلت، يبدو أن سجون الاحتلال ستعيش أياماً عصيبة للغاية في حال استمر العدوان على الأسرى الذين يعيشون في الأساس ظروفاً صعبة للغاية، وإنّ العنصريّ بن غفير ربما يدفع بقوة باتجاه انتفاضة عارمة تزلزل الساحة الفلسطينيّة، حيث توجد مؤشرات تدل على النوايا الخبيثة له بالتعاون مع إدارة سجون الاحتلال واستخباراتها ضد الأسرى، ولا يخفى على أحد أنّ العدو الصهيونيّ يمارس سياسة "القتل البطيء" مع الأسرى ويماطل بشكل سافر في حلحلة تلك القضيّة، وبغض النظر عن جرائمه التي لا تُحصى بحق الأسراى الفلسطينيين إلا أنّ وصول ابن غفير للحكومة الإسرائيلية يعني كشف اللثام عن عنصرية العصابات الصهيونيّة أمام العالم، لمحو الوجود الفلسطينيّ لصالح "لمامة" الصهاينة الذين جُلبوا من أصقاع العالم.
ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الكيان -وفقاً لمواقع إخباريّة- حتى نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2021 نحو (4600) أسير، منهم (34) أسيرة بينهم فتاة قاصر، كما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو (160) طفلاً، وعدد المعتقلين الإداريين نحو (500) معتقل، ووصل عدد الأسرى المرضى إلى نحو (600) أسير، من بينهم (4) أسرى مصابون بالسرطان، و(14) أسيرًا على الأقل مصابون بأورام بدرجات متفاوتة، في ظل التوتر في السجون عقب عمليات اقتحام العدو عدة أقسام وامتدت لفرض عقوبات على عشرات الأسرى، في عدة سجون وكان من بينها سجن النقب الذي سادت فيه حالة من التوتر الشديد، ناهيك عن اقتحام وحدات القمع التابعة لإدارة السجون السبت، كلا من سجن “مجدو وعوفر”، ونقل عشرات الأسرى للعزل الانفرادي.
في النهاية، فإنّ زيادة التطرف ضد الأسرى الفلسطينيين والاستمرار في الإرهاب بحق الفلسطينيين، سينعكس بلا شك على مستقبل "إسرائيل"، حيث تعيش الأوساط الإسرائيليّة حالة هيستيريّة مبررة، نتيجة تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل مختلف عن كل المراحل، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين أجرموا بشدّة بحق هذا الشعب منذ اليوم الأول لاحتلالهم العسكريّ، فيما أثبت الشعب الفلسطينيّ أنّه على مستوى التحديات، للانعتاق من الاحتلال وإجرامه غير المسبوق، وإنّ الإسرائيليين إن ساروا خلف مخططات بن غفير لا شك أنّهم سيسيرون أيضاً في بداية طريق نهايتهم، وخاصة أنّ التطرف والعنف لا يُولد إلا مثلهما، وقد فشلت كل أساليب الصهاينة الإباديّة من خلال استخدام القوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة.