الوقت - شهد العقد الأخير توجهاً إسرائيلياً حثيثاً لإقامة علاقات متقدمة مع دول في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بهدف تقوية النفوذ الإسرائيلي والبحث عن دور فيها، والدفع بها من مجرد علاقة اقتصادية إلى علاقة استراتيجية.
حيث كشف النقاب في تل أبيب عن أنّه خلال الأيام القليلة الماضية قامت وفود من عدد من الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، وهي: كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان، بزياراتٍ إلى كيان الاحتلال بتنظيمٍ من وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، الأمر الذي يشكل اختراقًا إسرائيليًا جديدًا في عمق العالم الإسلاميّ.
وطبقًا للمصادر السياسيّة في الكيان، كما أفاد موقع YNET الإخباريّ-العبريّ، فقد زارت هذه الوفود التي جاءت من دول معظم سكانها مسلمون، قيادة جيش الاحتلال في المنطقة الجنوبية على حدود قطاع غزة، ومقر صناعة الطيران، ومناطق أخرى.
وتابع الموقع تقريره، الذي تمّ فيه نشر صورٍ لأعضاء الوفود، بالقول إنّ “الوفد الأول زار إسرائيل منذ أسبوعين، وضم ثلاثين شخصًا دون سن الثلاثين، ممن يعتبرون قادة المستقبل، وضمّ مدونين وقادة شبابًا”.
ولفت الموقع الإسرائيليّ إلى أنّ “الوفد الثاني المحترف والرئيسيّ وصل هذا الأسبوع بالتعاون مع وزارة الخارجية مع المكتب الإقليمي لمنظمة UNDOC في آسيا الوسطى، وهو مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومؤلف من 25 من كبار المسؤولين من دول آسيا الوسطى الخمس لبحث مسائل حماية الحدود ومكافحة المخدرات والإرهاب والجريمة، بزعم رغبتهم بتعلم التجربة الإسرائيلية في هذا المجال، والحصول على الأدوات التي طورتها لهذا الغرض”.
وشدّدّت المصادر التي تحدثت للموقع العبريّ على أنّ “هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها وفد من كبار المسؤولين المسلمين ممّن جاؤوا إلى إسرائيل، كي يتعلموا منها عن محاربة الإرهاب، وغسيل الأموال والجريمة والتهريب، وهذه القضايا مركزية بالنسبة لدول آسيا الوسطى، التي تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال في سياقات الأمن القومي والإقليمي، وكجزء من الزيارة التقى المشاركون بممثلين عن الهيئة الوطنية للإنترنت، وهيئة غسيل الأموال، وممثلين عن وزارة القضاء، وغيرهم”.
علاوة على ما جاء أعلاه، أشار الموقع في تقريره إلى أنّ “أعضاء الوفود زاروا ميناء أسدود، الذي حولّه الصهاينة إلى (أشدود) جنوب فلسطين، والتقوا بممثلين عن الجمارك ومصلحة الضرائب، وزاروا قيادة الجنوب في جيش الاحتلال، واستمعوا من الضباط حول التهديدات والتحديات الأمنية الإسرائيلية”.
كما توجّه أعضاء الوفود لمقر صناعة الطيران، وعقدوا اجتماعات بوزارة الخارجية، واستمعوا لآراء حول الأمن ، وأوجه التعاون المحتملة من كبار المسؤولين في الشعبة الاستراتيجية والشعبة الأوروبية الآسيوية وممثلي الوزارات الحكومية”، على حدّ تعبير المصادر الإسرائيليّة.
وأوضح الموقع أيضًا أنّ “أعضاء من الوفود زاروا البلدة القديمة في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، ومن بين أعضاء الوفد نائب وزير داخلية تركمانستان وكبار المسؤولين بإنفاذ القانون في الجمارك وحماية الحدود ومكافحة التهريب وغسيل الأموال والحرب على الإرهاب”.
وقال يوفال فوكس رئيس قسم أوراسيا بوزارة الخارجية الإسرائيليّة إنّ “شعور هذه الدول الإسلامية بالتهديد الأمني ينبع كثيرًا من أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكيّ، ويتعلق بالمخدرات والأصولية، وهذا بدوره يخلق نوعًا من المصالح المشتركة مع إسرائيل، وحتى الآن، كان لدينا تعاون في آسيا الوسطى بشكل رئيسي في قضايا تمكين المرأة والمياه، وعادةً لا يكون هذا التعاون متعدد الأطراف، رغم أنّ تعزيز التعاون بين الهيئات المهنية في إسرائيل ودول آسيا الوسطى مهم وحيوي لاستمرار الكفاح ضد التهديدات والتحديات التي تهدد الاستقرار”، على حدّ زعمه.
وكشف المسؤول الإسرائيليّ النقاب عن أنّه “من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بين إسرائيل وكلّ من الدول المشاركة في هذه الزيارة، ستتم دراسة سبل وإمكانيات تعميق واستمرار العمل المشترك، وتأمل إسرائيل أنّه بعد عودة أعضاء الوفد لبلدانهم، وتقديم انطباعاتهم، ستبدأ عملية تعميق التعاون من خلال موائد مستديرة وندوات مشتركة”، على حدّ قوله.
واعتمدت الاستراتيجية الإسرائيلية لاختراق دول آسيا الوسطى على التركيز في المرحلة الأولى على التغلغل الاقتصادي، من خلال إقامة المشروعات العملاقة وتقديم المساعدات وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية معبِّدةً الطريق أمام الشركات الإسرائيلية التابعة للقطاعين، العام والخاص، ورجال الأعمال الإسرائيليين للاستثمار في تلك الجمهوريات، وعبر تقديم نفسها وسيطًا نشيطًا لجذب رؤوس الأموال الغربية والأميركية إلى تلك البلدان، وفتح أبواب واشنطن وغيرها من العواصم الغربية أمامها.
جميعنا يعلم أنه من أقذر ما يدعيه الاحتلال الصهيوني هو حجته بأنه يحارب الإرهاب في فلسطين ويقصد بذلك المقاومة وأبناءها الذين يدافعون عن أرضهم المغتصبة ضد هذا العدو المحتل، فالفلسطينيون من وجهة نظر الكيان إرهابيون.
والمثير للجدل أكثر هو تأييد العديد من الدول الإسلامية لهذا العدو والاصطفاف لجانبه ضد أصحاب الحق والأرض الحقيقيين ، فمن وجهة نظر بعض المحللين أن هذه الدول الإسلامية التي تزور اسرائيل لتتعلم منها مكافحة الإرهاب تبني تعليمها على دماء الفلسطينيين، حيث سالت دماء غزيرة في فلسطين ، وكان أحرص الناس عليها هم المقاومون. فهي دماء أبنائهم وأمهاتهم وآبائهم.
أما السلوك المزدوج الذي برعت فيه هذه الدول حيث تدعم فلسطين ظاهريا ، لكنها في السر تتعاون مع عدو فلسطين، أي الصهاينة، فاليوم هذه الدول الخمسة لم تكتف بمساندة “اسرائيل” على حساب الفلسطينيين بل قامت أيضا بفتح أبوابها للمشاريع الصهيونية التي اخترقت العمق الإسلامي، من بوابة العسكر والأمن والتجسس مستخدمة حججا كثيرة لتمرير تغلغلها بهذه الدول.
يبدو أن نظم الحكم في آسيا الوسطى ترى أن تدشين العلاقات مع إسرائيل والتعاون معها تحديدا في مجال مكافحة "الإرهاب" يمثل بحدِّ ذاته وسيلة لتعزيز صورتها في الغرب نظمًا "معتدلة".