الوقت - بينما مضی نحو شهرين علی انتهاء رئاسة ميشال عون في لبنان، لا يزال اللبنانيون غير قادرين على التوافق على انتخاب رئيس جديد، ويوم الخميس الماضي فشل ممثلو البلاد في انتخاب الرئيس للمرة العاشرة.
لفهم سبب عجز اللبنانيين بشكل أساسي عن حل هذه الأزمة السياسية، قبل الرجوع إلى العوامل والعقبات الخارجية، من الأفضل إلقاء نظرة على الترتيب السياسي لهذا البلد داخل مجلس النواب، وكذلك عملية انتخاب رئيس الجمهورية.
حسب المادة 49 من الدستور اللبناني، ينتخب رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى لمجلس النواب بأصوات ثلثي النواب، أي 86 نائباً من إجمالي 128 نائباً. وفي الجلسات التالية، يتطلب انتخاب الرئيس أغلبية أصوات النواب(النصف زائد واحد).
ولكن هذه ليست القصة كلها، حيث تخضع عملية انتخاب رئيس الجمهورية لطبيعة مجلس النواب اللبناني، الذي تقسم مقاعده حسب اتفاق الطائف عام 1989 بالتساوي بين الطائفتين المسيحية والإسلامية.
في السياق ذاته، قال طلال عتريسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيروت، إنه قبل اتفاق الطائف، كانت غالبية أعضاء مجلس النواب اللبناني في مصلحة المسيحيين، حيث إنه من بين 99 نائباً كان 45 نائباً للمسيحيين و 44 للمسلمين، وهکذا كان للمسيحيين سلطة أكبر في عملية انتخاب الرئيس.
وأضاف: لكن الوضع اليوم مختلف، وعدد الممثلين من كل مكون متساو. لذلك، هناك حاجة إلى اتفاق وتوافق بين جميع الممثلين لانتخاب الرئيس.
التركيبة السياسية في مجلس النواب اللبناني
يتألف مجلس النواب اللبناني من 128 نائباً يتوزعون على مختلف الکتل النيابية والأحزاب السياسية، ولكل من المكونين المسيحي والإسلامي 64 نائباً على النحو التالي:
المسلمون
- 28 نائباً للسنة.
- 28 نائباً للشيعة.
- 8 نواب للدروز.
المكون المسيحي
- 34 نائباً للمسيحيين الموارنة.
- 14 نائباً للأرثوذكس.
- 8 نواب للكاثوليك.
- 5 نواب للأرمن.
- نائب واحد للأقليات المسيحية. وللعلويين أيضًا نائبان في مجلس النواب اللبناني.
في المرحلة الجديدة، وفيما يتعلق بتوزيع هؤلاء النواب على الكتل النيابية من المكون المسيحي، تضم الكتلة المحسوبة على حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع 19 نائباً، وکتلة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل 17 نائباً.
ويتكون الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط من 9 نواب، وحزب الكتائب اللبنانية برئاسة سامي الجميل 5 نواب. ولحزب الطاشناق الأرمني، وهو عضو في التيار الوطني الحر، ثلاثة نواب. وفي المكوّن الشيعي أيضًا، يبلغ عدد نواب الکتل الموالية لحركة أمل وحزب الله 28 نائباً.
لكن في الآونة الأخيرة، تمت إضافة ممثلين عن ما تسمى "حركة الحرية والتغيير"، التي تشكلت خلال احتجاجات أكتوبر 2019، إلى مجلس النواب اللبناني، 13 منهم لا ينتمون إلى أي حزب ومستقلون تمامًا.
يشار إلى أن تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، وهو أكبر ممثل للمکون السني اللبناني، لم يشارك في الانتخابات النيابية في مايو 2022 بسبب قرار الحريري اعتزال السياسة، ودخل 5 نواب كانوا ينتمون سابقًا إلى هذا التيار مجلس النواب كنواب مستقلين.
أما الأحزاب اللبنانية الأخرى الأقل تمثيلاً في مجلس نواب هذا البلد، فهي كالتالي: تيار المردة نائبان، حركة الاستقلال نائبان، جمعية المشاريع نائبان، حزب الاتحاد نائب واحد، حزب الوطنيين الأحرار نائب واحد، وحزب الجماعة الإسلامية نائب واحد.
ويرى المحلل اللبناني طلال عتريسي أن هناك توازنًا بين جميع القوى السياسية تقريبًا في مجلس النواب، ولهذا السبب لا يمكن لأي حزب أن ينتخب رئيسًا بمفرده، والطريقة الوحيدة لانتخاب الرئيس هي اتفاق القوى السياسية مع بعضها البعض.
الرئيس التوافقي ورئيس التحدي
الرئيس التوافقي ورئيس التحدي مصطلحان يستخدمان في لبنان لوصف عملية انتخاب الرئيس.
الرئيس التوافقي هو الرئيس الذي توافق عليه غالبية أعضاء البرلمان، ومصطلح رئيس التحدي يشير إلى الرئيس الذي يتم تقديمه من قبل حزب معين.
الخلاف الأساسي حالياً بين نواب مجلس النواب اللبناني، هو الخلاف على انتخاب الرئيس التوافقي أو رئيس التحدي، حيث يحاول أنصار رئيس التحدي فرض مرشحهم المفضل، واستمرار الفراغ الرئاسي يصبّ في مصلحتهم لفرض خيارهم أخيرًا تحت الضغط.
يرى طلال عتريسي أن الأوضاع الحالية لمجلس النواب اللبناني لا تسمح بانتخاب رئيس التحدي، لأن أياً من الأحزاب لا يتمتع بأغلبية برلمانية.
بدوره يرى المحلل والباحث اللبناني وائل نجم، أن "ميشال معوض" هو حالياً المرشح الرئاسي الأبرز الذي حصل على أكثر الأصوات في الجلسات النيابية. حيث يدعمه حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، والأميركيون يوافقون عليه أيضاً.
ويضيف إنه علاوة على ذلك، فإن "سليمان فرنجية"، رئيس تيار المردة، رغم أنه لم يعلن ترشيحه رسميًا، إلا أنه مدعوم من حزب الله، وله علاقات واسعة وطيبة مع جميع الأطراف داخل لبنان وخارجه.
لكن المرشح البارز الثالث هو "جوزيف عون"، قائد الجيش اللبناني، الذي لم يعلن، مثل فرنجية، عن ترشحه، لكن طُرح اسمه كأحد الخيارات الرئيسية للرئيس التوافقي.
هل التوافق ممكن؟
وتابع وائل نجم قوله إن التدخلات الخارجية في عملية انتخاب رئيس للبنان، تأخذ المركز الأول، وقال: للأسف إن القرارات التي تتخذ بشأن الملف الرئاسي خارج لبنان أكثر منها داخل البلاد، وحالياً إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقيات إقليمية ودولية في الشأن السياسي للبنان، فسيستمر الفراغ الرئاسي. نتحدث هنا عن تأثير التدخلات الأجنبية، بما في ذلك أمريكا والسعودية، وإلخ."
وأوضح أن تياري 8 و 14 آذار حالياً هما الحزبان الرئيسيان في مجلس النواب اللبناني المؤثران على قضية الانتخابات الرئاسية، لكن أوضاعهما ليست كما كانت في السابق.
وأضاف: من بين تيار 14 آذار، انسحب تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، الذي كان المكون الأساسي لهذه الحركة، من عالم السياسة، والحزب التقدمي الاشتراكي لم يعد تقريباً مرتبطاً ومتعاوناً مع 14 آذار، ويمكن القول إنه ترك هذا التيار، وفي فريق 8 آذار أيضاً، لوحظت خلافات مؤخرًا بين التيار الوطني الحر وحركة أمل.
وفي هذا الصدد، قال طلال عتريسي أن 14 آذار لم يعد كما كان من قبل، وأن ما تبقى من هذه الحركة هو حزب القوات اللبنانية والكتائب وبعض الممثلين المستقلين. من ناحية أخرى، فإن الحزبين المسيحيين الرئيسيين، التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، غير قادرين على التفاهم.
وشدد في الختام على أنه إذا لم تتمكن القوى السياسية من التوصل إلى اتفاق بشأن انتخاب الرئيس، فإن الجلسات الفاشلة لمجلس النواب ستستمر، ولا يمكن رسم أفق للخروج من هذا المأزق.