الوقت - تسعى تركيا للعمل على إقناع الغرب بضرورة إقامة منطقةٍ عازلة في سوريا. وهو الأمر الذي لا يبدو أن الدول الغربية وتحديداً واشنطن مقتنعة بإنجازه. وبين المحاولات التركية والرفض الغربي، إختلافٌ في وجهات النظر والمصالح. فليست المسألة حرصاً غربياً على السيادة السورية، بل سعياً لتلافي أي خطرٍ قد يكون نتيجة هذه الخطوة، والتي وصفها الإعلام الغربي بأنها مخاطرة كبيرة، فيما أشار المسؤولون الأمريكيون الى أنها خطوة غير مُجدية سياسياً وإستراتيجياً، متسائلين عن الإصرار التركي. فكيف يمكن تحليل دلالات الإختلاف التركي الغربي لا سيما التركي الأمريكي، بالنسبة لمسألة المنطقة العازلة؟
السعي التركي والرفض الأمريكي:
لا شك أن نتائج قمة العشرين والتي انعقدت في انطاليا، خيبت الآمال التركية لا سيما آمال الرئيس أردوغان، خاصة بعد تأكيد الرئيس الأمريكي أوباما على استمرار دعم القوات الكردية في سوريا والعراق في محاربتهم لتنظيم داعش الإرهابي ورفضه إقامة ما يُسمى بالمنطقة الآمنة أو العازلة في شمال سوريا. ولعل الموقف الأمريكي فاجأ الأتراك، حيث أن أنقرة كانت تنتظر دعماً أمريكياً لموقفها المطالب بإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا تحت حجة حماية الأمن القومي التركي.
وهنا فإن الإختلاف التركي الأمريكي لا ينبع من حرص واشنطن على سوريا، بل من معرفتهم بالخطر الذي يمكن أن ينشأ ويهدد المصالح الأمريكية في حال إقامة هذه المنطقة. وهو الأمر الذي يدل على أن البراغماتية الأمريكية عادت لتشكل سبباً للخلاف بين الطرفين التركي والأمريكي. لا سيما محاولة واشنطن الإستفادة أيضاً من دعمها للأكراد، بحجة الحرب على الإرهاب، فيما تسعى حقيقةً لكسبهم كطرفٍ حليفٍ في الميدان. وهنا فإن الإعلام التركي ركز بعد قمة العشرين، على مباحثات الرئيسين أردوغان ونظيره الأمريكي أوباما، حيث أشارت الى طبيعة العلاقات الأمريكية مع حزب الإتحاد الديمقراطي والذي اعتبره الرئيس الأمريكي حليفاً ولاعباً أساسياً على الساحة السورية حينها، وهو ما يُزعج الرئيس التركي.
الإعلام الغربي يحذر دوله ويرفض الطرح التركي:
لا شك أن السعي التركي يلقى رفضاً غربياً لا سيما من النخب والإعلام. وهو ما يمكن ملاحظته من متابعة الإعلام الغربي. فقد تناولت صحف أمريكية وبريطانية الشهر المنصرم، مسألة الأزمة السورية وحذرت بعضها من خطورة إقامة منطقة عازلة شمالي البلاد. فقد أشارت مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية إلى أن جهات متعددة تطالب بإقامة منطقة عازلة آمنة في سوريا لا سيما الطرف التركي. لكن هذه الخطوة ستجلب الكثير من المخاطر. وقد حذرت الصحيفة واشنطن والدول الغربية من الإنجرار الى هذا الطرح، موضحةً أن أحد المخاطر يكمن في أن الذين سيلجؤون إلى هذه المنطقة المفترضة قد يتعرضون لهجمات دامية ما لم يقم المجتمع الدولي بحمايتهم بالشكل المطلوب . وفي إشارتها لمثلٍ على ذلك، تحدثت المجلة عن المذبحة الجماعية التي تعرض لها قرابة ثمانية آلاف من المسلمين في مدينة سربرنيتشا إبان حرب البوسنة عام 1995، والذين استجاروا بموقع يفترض أنه منطقة آمنة وتحت حماية الأمم المتحدة .
بين الغرب وواشنطن نقول التالي:
تحاول أنقرة إحياء طرح فكرة المنطقة الآمنة وهو الأمر الذي يبدو أنه يصطدم بثلاث عقبات :
- العقبة الأولى: رفض أمريكي وغربي عبر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة العشرين، بقوله إن بلاده تعتبر إنشاء منطقة آمنة أو منطقة حظر طيران في سوريا، أمرا خطراً بالنسبة للمصالح الأمريكية، ويتطلب إرسال قوات برية. وبالتالي فإن واشنطن لا تجد مصلحةً لها في ذلك، وهو ما يسير به الغرب أيضاً.
- العقبة الثانية: هناك تحفظ تركي داخلي لا سيما من المؤسسة العسكرية التركية، والتي ترفض إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا. وهي تختلف برأيها مع الرئيس التركي، لما سيترتب على الدخول العسكري التركي المباشر في سوريا. إذ حذرت شخصيات تركية من انخراط الحكومة في عمليات عسكرية برية خوفاً من ردات فعل قد تحصل في الداخل التركي، كخضات أمنية إرهابية.
- العقبة الثالثة: الرفض الروسي الواضح. حيث أعلن مسؤولون روس أكثر من مرة رفضهم إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، بل إنهم لن يسمحوا بإقامتها .
إذن يبدو أن الطرح التركي لا يحظى فقط برفضٍ خارجي، بل إن المؤسسة العسكرية الداخلية في تركيا لا تجد في ذلك مصلحة. وهنا لا نقول إن رأيها هو المُلزم، إذ يبدو أن الرئيس المغامر أردوغان، سيأخذ تركيا وحلفاءها الى الهاوية. في حين ينتظر المراقبون ما ستؤول اليه الأمور لا سيما نتيجة الأحداث المتسارعة في المنطقة عسكرياً. فالثقة بأمريكا معدومة حتماً. والغرب يسير في الوجهة الأمريكية لا محال. وما ترفضه واشنطن اليوم قد تقبل به غداً. فالبراغماتية الأمريكية هي التي تحكم سياسة واشنطن. والأيام هي التي تُحدد مسارات الأمور.