الوقت- كشفت وسائل إعلام يمنية، يوم أمس الاثنين، عن توقيع اتفاق أمني سري بين الإمارات وحكومة عدن العميلة باسم مجلس الرئاسة. وتفاصيل هذه الاتفاقية التي وقعها يوم امس عبدالله بن سلطان بن عوض النعيمي وزير العدل بدولة الإمارات (نيابة عن وزير شؤون الدفاع محمد بن أحمد البواردي) والفريق محسن الداري وزير الدفاع في حكومة عدن لم يتم تسريبها بعد وإنما تم الاكتفاء فقط بنشر بيان عام حول التعاون الأمني والحرب المشتركة ضد الإرهاب. وأدى ذلك الأمر إلى إثارة عدد من التساؤلات والشكوك المختلفة حول أبعاد الاتفاقية وصلاحيتها القانونية وخطورتها على مصالح الشعب اليمني، والتي تم عرضها على أبو ظبي من قبل حكومة عدن المستقيلة. ويشار إلى أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي سافر إلى أبوظبي في رحلة عمل استمرت عدة أسابيع في أواخر نوفمبر، وبعدها غادر محسن الضاري وأحمد عرمان وزيرا الدفاع والشؤون القانونية من حكومة عدن، إلى الإمارات العربية المتحدة وهذه الزيارات تكشف جهود الإمارات لتجنب نشر مضامين تلك الاتفاقيات في وسائل الإعلام.
العصر الجديد للعسكرة الإماراتية في اليمن
من الأهداف والنتائج الرئيسية لتوقيع الاتفاقية الأمنية السرية مع عدن السماح لأبوظبي بإضفاء الشرعية على التدخل العسكري واحتلال الأراضي اليمنية، وخاصة أن الإماراتيين ينشرون الآن أيضًا قوات في محافظات أبين الجنوبية وحضرموت (شرق) وعدن (جنوب).) ومنطقة بلحاف النفطية في شبوة (جنوب شرق). ومن ناحية أخرى، تم إبرام هذه الاتفاقية لتغطية الوجود غير المشروع والاحتلال الإماراتي في احتلال الجزر اليمنية على الساحة الدولية.
كان يواجه تواجد الإماراتيين في التحالف السعودي لغزو اليمن في بعض الأحيان معارضة حتى من قبل حكومة الرئيس المستقيل والهارب عبد ربه منصور هادي، وخاصة في نهاية عام 2018، عندما توترت العلاقات بين الجنوبيين المدعومين من الإمارات. وصعدت القوات بقيادة منصور هادي وأدت إلى استيلاء المجلس الانتقالي على القصر الرئاسي. كما أعلنت سلطات عدن في ذلك الوقت أن طلب التدخل في اليمن لم يقدم إلا للمملكة العربية السعودية وليس للإمارات.
وهكذا، حتى نهاية عام 2019، أعلنت الإمارات أنها ستسحب قواتها بالكامل من اليمن. لكن منذ ذلك الحين، تبحث الإمارات عن صيغة بديلة لإضفاء الشرعية على وجودها للقيام بعمليات في اليمن، وخاصة ضد المعارضة، من أجل مواصلة تدخلاتها السافرة في اليمن وتعزيز اطماعها التنموية للمشاركة في الحرب. وفي فبراير 2020، قال الفريق الركن عيسى المزروعي، قائد قوات العمليات المشتركة في اليمن: "بعد خمس سنوات من بدء عاصفة الحزم، تحولت الاستراتيجية العسكرية من نهج مباشر إلى نهج غير مباشر وهذه هي الاستراتيجية التي تنفذها القوات اليمنية نفسها اليوم".
لقد سيطرت الإمارات على جزر وسواحل اليمن من خلال الميليشيات التي أنشأتها ومولتها، حيث لا يمارس اليمنيون عمليًا السيادة على بعض الجزر. ويتوجه السياح من جميع أنحاء العالم إلى جزيرة سقطري بعد حصولهم على تأشيرات دخول من الإمارات عبر الرحلات القادمة من دبي وأبو ظبي. ويتم هذا الدخول دون أن يكون للحكومة اليمنية المستقيلة أي حضور أو تمثيل وحتى دون تنسيق مع عدن.
لطالما سعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى وضع يدها على السواحل والجزر والموانئ والممرات المائية الدولية، وخاصة بعد خروجها من عدن في عام 2012 بعد إلغاء اتفاقية مُنحت لشركة موانئ دبي. وكان هذا الامتياز مرتبطا بحق إدارة وتشغيل ميناء عدن الذي يعد من أهم موانئ اليمن في خليج عدن، وكان من شأن هذه الاتفاقية أن تعطل تشغيل هذا الميناء بما يضر بمصالح اليمن البحرية والاقتصادية ويضر بمصالح الجمهورية اليمنية ويصب الفائدة والاستفادة في موانئ الإمارات "دبي وجبل علي".
وقبل أسبوعين، وخاصة بعد وصول وزيري الدفاع والشؤون القانونية اليمنيين إلى أبوظبي لترتيب هذه الاتفاقية، تلتها زيارة العليمي وثلاثة من أعضاء مجلس القيادة إلى هذا البلد، رفضت الإمارات إيداع مليار درهم (حوالي 300 مليون دولار) في البنك المركزي اليمني في عدن. وفي هذا السياق يرى علي الجحا الخبير اليمني في الشؤون العسكرية والأمنية أن "هذه الاتفاقية تسمح لدولة الإمارات بممارسة وصايتها على اليمن والتدخل في الشؤون الأمنية والعسكرية".
نهاية التحالفات والائتلافات
اعتبارًا من اليوم التالي، سيكون توقيع هذه الاتفاقية الخطوة القانونية الأولى لتنظيم أو تبرير التدخل العسكري والأمني المباشر للإمارات في اليمن. في الواقع، تريد الإمارات التخلص من تحديات التعاون العسكري المشترك مع المملكة العربية السعودية في اليمن وأن يكون لديها حرية التصرف وفقًا لمصالحها. وأحد أكبر التحديات هو التوقف عن مواجهة أنصار الله لأن الإماراتيين يعتقدون أن مواجهة الحوثيين لا علاقة لها بخططهم في اليمن. ويتواجد أنصار الله في شمال اليمن وبالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية ولا يعتبرون تهديدًا لدولة الإمارات العربية المتحدة.
واعتبر الكاتب والباحث اليمني مصطفى ناجي المختص في الشؤون الدبلوماسية، توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين الحكومة المستقيلة والإمارات "خطوة مهمة لتفكيك التحالف العربي بقيادة السعودية". وكتب ناجي على حسابه في تويتر: "نتوقع تفكيك التحالف العربي كقناة لشرعية تدخل مجلس التعاون الخليجي في اليمن من خلال توقيع اتفاقية ثنائية بين اليمن والإمارات في المجال الأمني والعسكري لمحاربة الإرهاب".
ومن ناحية أخرى، تسببت هذه الاتفاقية، ببنودها الغامضة للغاية بشأن مكافحة الإرهاب، في قلق حزب الإصلاح. وفي الوقت الحالي، حزب الإصلاح موجود في مجلس القيادة الرئاسي باعتباره نصف عضو، لكن هذا الامر غير مقبول من قبل الإمارات، التي حددت جماعة الإخوان على أنها عدو لها ووضعت الإخوان المسلمين بشكل عام على قائمة الإرهاب. في الواقع، تتبنى الإمارات العربية المتحدة فهمها السلس والهادف لمفهوم الإرهاب، والذي يتم تنفيذه بلا مبالاة بالأعراف والقوانين الدولية من أجل فرض نفوذها في اليمن. بل إن السلطات الإماراتية وصفت الجيش اليمني بأنه "جماعة إرهابية".
وسبق أن أدخلت الإمارات شركة أمنية أمريكية تسمى "مجموعة العمليات" المملوكة للصهيوني "أبراهام جولان" إلى الأراضي اليمنية باتفاقية تحت عنوان "محاربة الإرهاب". وهذه المجموعة كانت مهمتها الرئيسية الاغتيال السياسي للمعارضين. وحسب ما نشرته صحيفة "بزفيد" الأمريكية في بحثها في أكتوبر 2018، فإن معظم ضحايا هذه الاغتيالات كانوا من حزب الإصلاح.
الإمارات تساعد إسرائيل على التسلل إلى اليمن
وكان الشك في أن الإمارات، تحت غطاء اتفاقية التعاون الأمني والعسكري، ستوفر شروط وجود عناصر أجنبية، وخاصة الصهاينة، في اليمن، أحد مخاوف حكومة صنعاء. وفي هذا الصدد، ندد نائب وزير خارجية حكومة صنعاء بالاتفاق الإماراتي اليمني، وهدد بأنه إذا رفضت الإمارات "تصحيح" سلوكها العدائي، بما في ذلك التعاون مع إسرائيل، فسيكون هناك المزيد من الهجمات ضد الإمارات.
وتسعى الإمارات، التي وقعت مع البحرين اتفاقية تطبيع مع إسرائيل في عام 2020، إلى ربط مصالحها الأمنية والاقتصادية بالصهاينة في جميع أنحاء المنطقة للمساعدة في دفع خططها. وعلى سبيل المثال، في يناير 2021، نشرت وسائل الإعلام اليمنية خبرًا مفاده بأن أبو ظبي، تحت ستار السياحة، ستنقل خبراء عسكريين واستخباراتيين تابعين للنظام الإسرائيلي إلى جزيرة سقطري اليمنية للإشراف على بناء قواعد عسكرية ومراكز تجسس في هذه الجزيرة الإستراتيجية. وفي غضون ذلك، وبتوقيع الاتفاقية الأمنية، ستكون أيدي الإمارات أكثر انفتاحًا لتسهيل دخول الصهاينة إلى اليمن، وهذا يعني أن الأمن في اليمن هو الضحية الأولى للتعاون الأمني مع الإمارات.