الوقت_ مرة أُخرى، يخيم التوتر على تل أبيب بسبب قضية جريمة شيرين أبو عاقلة، حيث بيّن رئيس وزراء العدو المنتهية ولايته يائير لابيد، أن تل أبيب لن تسمح بتحقيقات مع القوات الإسرائيلية من قبل جهات أجنبية ولن تقبل التشهير بهم، حيث يجري الحديث مؤخراً أنّ واشنطن –الداعم الأبرز للعدو- فتحت تحقيقاً حول جريمة قتل الصحفيّة الشهيرة، في وقت تسعى فيه تل ابيب للتنصل من جريمة إعدام الصحفيّة الشهيرة، على الرغم من أنها أُعدمت بنيران جنديّ إسرائيليّ من مسافة حوالي 180 مترا وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قبل بضعة أشهر.
زيادة النفيّ تأكيد، تنطبق هذه الحكمة بقوّة على قوات العدو الإسرائيليّ التي أطلقت الرصاص عمداً على أبو عاقلة، وهذا واضح من مقاطع الفيديو التي انتشرت عقب مقتل الصحفية، حيث أجمع العالم على شناعة الجريمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونيّة بحق الصحفيّة الشهيرة، وحملوا القوات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الجريمة بحق أبو عاقلة التي قضت خلال قيامها بواجبها الصحفي لتوثيق الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال، وإنّ حديث لابيد عن أن قواته في مواجهة "منظمات إرهابية" لا يخرج عن إطار الترهات الإسرائيلية المتكررة، متناسيّاً أن جنود الاحتلال تعودت على قتل واستهداف الصحفيين وتدمير المباني التي تحوي مكاتبهم، وقد أظهرت تلك التصريحات حقيقة إرهاب الاحتلال ووحشيته، وبينت كعين الشمس مدى استهتار تل أبيب بالإنسانيّة وبالرأي العام العالميّ وبالقيم والأعراف الدولية.
ورغم كل البراهين التي توثق تورط "إسرائيل" وعصاباتها الصهيونيّة في مقتل شيرين أبو عاقلة، يحاول جيش العدو جاهداً تبرئة نفسه من دمها، من خلال قوله إنّ الحكومة الصهيونية تقدم الدعم الكامل لمقاتليها، ولن تسمح بالتحقيقات التي تجريها الكيانات الأجنبية، ولن تقبل التشهير بجنود قوات الاحتلال ومقاتلي الشاباك (جهاز الأمن العام) وشرطة حرس الحدود، وذلك عقب أيام من تأكيد صحيفة "هآرتس" أن الولايات المتحدة أخبرت الكيان الإسرائيلي أنها ستفتح تحقيقا في مقتل مراسلة الجزيرة، وإشارتها إلى أن 57 مشرعا أميركيا بعثوا رسالة إلى مدير الشرطة الفدرالية الأميركية "إف بي آي" (FBI) ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يطالبون فيها بالتحقيق في تلك القضية، باعتبارها مواطنة أميركية لها الحق في الحماية الكاملة التي يتم توفيرها للأميركيين الذين يعيشون في الخارج.
وتأتي التصريحات الصهيونيّة في ظل لغط شهدته الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو مؤخرا حول تشكيلة الحكومة المرتقبة برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي قام بتعيين شخصيات يمينية متطرفة وتوصف بأنّها –فاشيّة- في مناصب حساسة بما في ذلك في الأمن الداخليّ، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد أوضح أن تل أبيب أبلغت الجانب الأميركي أنها لن تتعاون مع أي تحقيق خارجي، وأنها تقف خلف جنودها، زاعماً أنّ جيش احتلاله أجرى تحقيقا "مهنيا ومستقلا"، وعرض نتائجه كاملة على الجانب الأميركيّ، كما اعتبر في بيان أن "قرار وزارة العدل الأميركية التحقيق في وفاة شيرين أبو عاقلة هو خطأ فادح"، باعتبار أن التحقيق الأميركي بشأن مقتل شيرين أبو عاقلة ربما يؤدي إلى طلب التحقيق مع الجنود الذين شاركوا في الجريمة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة على يقين بأنّ "إسرائيل هي القاتل الأوحد لأبو عاقلة"، لكن أسباب فتح هذا التحقيق تبدو غامضة قليلاً، والدليل أنّه منذ ارتكاب الجريمة الشنيعة بحق شيرين حاولت تل أبيب والإدارة الأمريكية دفن هذا الأمر، وهي ليست المرة الأولى التي تُظهر فيها واشنطن لا مبالاتها في الموقف من حياة الفلسطينيين وكرامتهم، وخاصة أنّ الإدارة الأمريكيّة وعلى رأسها الرئيس الأمريكي جو بايدن، سعت بقوّة لمحاربة أيّ مساع تجاه كشف الجريمة الإسرائيليّة، وعمدت إلى دفن تقارير حول مقتل أبو عاقلة، كما اتُهمت مراراً بأنّها سعت لإنقاذ طفلها المدلل "إسرائيل" من مسؤولية مقتل الصحافية الفلسطينية - الأمريكية، في ظل اتهامات من الفلسطينين بأنّ الموقف الأمريكي من التحقيقات ومحاولتهم تبرئة جيش الاحتلال، قد فضح التعاطي الأمريكيّ مع تلك القضيّة الموقف الأمريكيّ المتواطئ على الدوام مع الاحتلال وجرائمه.
ختاماً، إنّ التهرب الإسرائيليّ من أيّ تحقيق –نتيجته معروفة- هو اعتراف إسرائيليّ صريح وواضح بجريمة قتل الصحفية شيرين أبوعاقلة، معتقدة أن ذلك سيصب في محاولة تبرئة الجناة، وهذا بالطبع يجدد التاريخ الدمويّ للاحتلال الإسرائيليّ ضد الشعب الفلسطيني، والذي كُتب بدم الأبرياء وبمساعدة لا متناهية من أميركا والدول الغربية، هذا إذا ما تغاضينا عن غطائهم السياسيّ في المؤسسات الدولية ومنع أيّ لجنة تحقيق من فضح جرائم الاحتلال، وتعطيل القرارات الدولية التي تدينه، ومن الطبيعيّ أن يكون موقف القيادات الإسرائيلية بهذه القذارة تجاه التحقيقات –المثبتة من قبل- في إعدام أبوعاقلة، باعتبارهم على قناعة تامة بأن قواتهم مسؤولة عن كل الجرائم الدمويّة، وإنّ تقديم بعض الجنود للمحاسبة سينعكس سلباً على مستقبلهم الإجراميّ الذي يندرج تحت "الحكم العسكريّ".