الوقت_ في ظل محاولة الفصائل الفلسطينيّة مراراً وتكراراً لتغليب ملف المصالحة الفلسطينية على كل الملفات الأخرى، وتشديدها أيضاً في أكثر من مناسبة على عدم الرهان على العلاقات مع الكيان الصهيونيّ، أعلنت حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" أنّ نائب رئيسها في الخارج موسى أبو مرزوق اجتمع مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوض العلاقات الوطنية، عزام الأحمد، مؤخراً، في سفارة فلسطين في بيروت، بحضور سفير فلسطين لدى لبنان أشرف دبور، ورئيس دائرة العلاقات الوطنية في "حماس" في الخارج علي بركة، وذلك بالاستناد إلى أنّ الفلسطينيين لا يمكن أن يواجهوا التحديات والمخاطر التي تواجه بلادهم، والمتمثلة بتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الشعب الفلسطينيّ وتاريخه، إلا بوحدة وشراكة حقيقية من خلال الاتفاق على استراتيجيّة وطنيّة يعيدون فيها بناء مؤسساتهم، ويطلقون يد المقاومة لإنهاء الاحتلال الصهيونيّ العسكريّ والعنصريّ كما يوصف دوليّاً.
جميعنا نعلم، أنّ الفصائل الفلسطينيّة لم تألُ جهداً في التأكيد على ضرورة توحيد الصف الفلسطينيّ من أجل تحدي الاحتلال الغاصب ومقاومة التهويد والضم والاستيطان المستمر، وإنّ ترحيب حركة "حماس" بأي مبادرة لتوحيد الصف ينبع من إيمانها بضرورة إعادة ترتيب الصفوف بوجه الاحتلال، إضافة إلى أنّ ما يدور في المنطقة يستهدف وجود الفلسطينيين بأكملهم وقضيتهم، وفي خبر نشرته وسائل إعلام عدّة، قالت حماس إن اللقاء الأخير أكد على "تعزيز الجهود لتوحيد الصف الوطني، وترتيب البيت الفلسطيني، لمواجهة الاحتلال"، والتصدي لمشاريع حكومة (بنيامين) نتنياهو، اليمينية المتطرفة، في التوسع الاستيطاني الاستعماري، وتهويد القدس وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً.
ومراراً، أشارت حماس إلى أنّها ستستجيب لأيّ دعوة أو خطوة توحِّد الفلسطينيين، كما أنّ رسالة الحركة واضحة، بوضوح مطالبها من الكيان الغاصب، حيث إنّها تشير بشكل دائم إلى رفضها التنازل عن حقها المشروع في المقاومة بصورة أساسيّة، وتعلن أنّها ضد التسوية السياسية، وضد الاعتراف بالعدو الصهيونيّ القاتل، وضد التنسيق الأمنيّ بين فتح والعدو، والذي يشكل ضربة لأيّ شراكة عمل وطنيّ في عمقه ويناقض التفاهمات الداخليّة، انطلاقاً من أنّ الأمة تُسلب إرادتها وتنهب ثرواتها ليصبح الكيان الصهيونيّ سيداً في المنطقة، والدليل أنّ تل أبيب مستمرة في غيها وتغول كيانها من خلال منهجها العدوانيّ في أكثر من ملف.
ولأنّ "إسرائيل" تحاول بكل ما أوتيت من قوّة خلق أمر واقع على الأرض لإقامة الدولة العنصريّة المزعومة على أراضي الفلسطينيين وإنهاء وجودهم، تم التأكيد خلال اللقاء على "التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، ورفض مشاريع التطبيع والتوطين، وتنفيذ مخرجات حوارات الجزائر للم الشمل الفلسطيني وفق إعلان الجزائر، وهي رسالة واضحة لتل أبيب التي تغيّب كل القرارات الدوليّة بفرضها سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحتها للدم الفلسطينيّ، وخرقها الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ رغماً عنها، لخلق شرعية للكيان اللقيط.
ومع تأكيد إسماعيل هنية لرمطان لعمامرة التزام "حماس" باتفاق الجزائر، وتشديد المجتمعين على "تعزيز الوحدة الوطنية واستمرار النضال من أجل تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس"، من المعروف للقاصي والداني أنّ الكيان الصهيونيّ المعتدي، أعلن مراراً عن معارضته الشرسة لأيّ اتفاقات ترفع من احتماليّة حدوث المصالحة الفلسطينيّة، وبصورة حادة رفضت تل أبيب أيّ تعاون أو حتى لقاء أو تقاسم للحكم بين حماس والسلطة الفلسطينيّة، فيما تريد الحركتان الفلسطينيتان لفلسطين أن تنعتق من الكيان الصهيونيّ الغاشم، مع اختلاف في اختيار وسائل هذا التحرير، ولم يتوقف الأمر عند حد الاختلاف في الرؤى والتوجهات وتقييم الواقع وطرق التعامل معه، وإنما تحول الخلاف والاختلاف إلى اقتتال سالت على إثره دماء كان من المفترض أن تسيل من أجل مقدسات وطن وأرض وشعب طالت معاناته، ومنذ العام 2007 يسود الانقسام بين حركتيّ حماس وفتح، فيما أسفرت وساطات واتفاقات عديدة في السنوات المتضية عن توافق الحركتين على بعض النقاط لكن اللقاءات لم تستمر نتيجة أسباب كثيرة.
وباعتبار أنّ الرابح الوحيد من فشل المصالحة بين الأطراف الفلسطينيّة هو الكيان الصهيونيّ، الذي يحاول استغلال أيّ فرصة لتعميق الخلاف وبثّ الفرقة بين الفلسطينيين، فهمت حركة فتح ولو بشكل متأخر، أنّه لا فائدة من التعويل على أمريكا في إيجاد حلول لمآسي الفلسطينيين، ولا يخفى على أحد أنّ سرطان الكيان الصهيونيّ يحافظ على استمراريّته من خلال سياسة "فرّق تسُد"، على المستويين العربيّ والفلسطينيّ، فكلما تمكن العدو الصهيونيّ من شق الصف الداخليّ للفلسطينيين وتفريق الفصائل الفلسطينية، كلما نجح في إضعاف القضية الفلسطينيّة وتقليص مدة وتكاليف خططه لتنفيذ تلك المحاولات، والحل الأمثل اليوم هو أن تتحرك الفصائل الفلسطينية بسرعة وجديّة نحو الوحدة والتضامن وتشكيل جبهة موحدة، لإفشال مشاريع المحتل الغاشم، بالتزامن مع اتفاقات العار في المنطقة.
وفي محاولة فاشلة لشق الصف الفلسطينيّ لمنع تشكيل جبهة وطنيّة لمواجهة الكيان الصهيونيّ الغاصب، يعتبر الإسرائيليون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين، وإن الخلافات بين أبناء هذا الشعب تدفع لمواصلة إجرام العدو واستخفافه بأرواح الفلسطينيين، في الوقت الذي يثبت فيه التاريخ والواقع أنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.
خلاصة القول، لا يوفر الكيان الصهيونيّ الفاشي جهداً، لاستغلال الخلافات بين حركتي فتح وحماس، حيث إن تقوية الانقسام في أذهان هذا الشعب وإيهامه بأن التسويات مع العدو ستجلب الراحة والازدهار، وأنّ المقاومة وعدم التوافق مع الكيان المعتدي سيؤديان إلى مزيد من العقوبات وتفاقم أوضاع أهالي قطاع غزة، حيث يهدف العدو إلى خلق وتقوية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية ليتمكن بسهولة أكبر من مواصلة خططه التوسعيّة في ابتلاع الأراضي الفلسطينيّة والقدس المحتلة، ومنع كابوس توحيد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربيّة، لأنّه باختصار يهدد وجود دولة العدو التي لا يمكن أن تكون موجودة إلا عقب فناء أرض وشعب، بغض النظر عمن يرأس الحكومة فكل الإسرائيليين متطرفون تجاه أبناء فلسطين.