الوقت_ التوتر في المنطقة سيظل قائما ما لم تتوقف "إسرائيل" عن بناء المستوطنات وتغيير طابع القدس وحصارها لغزة، ولا يجوز أن يكون دور العرب اقتراح التسويات ودور الإسرائيليين رفضها، إنّ اتفاقيات التطبيع أو ما تُسمى إسرائيليّاً “اتفاقية أبراهام” لا تتلاءم مع سياسة بلادهم لأنّها لا تقدم أيّ أفق لإنهاء الاحتلال، كما أنّه لا يمكن الاعتماد على التطبيع الاقتصاديّ مع اسرائيل ما دام الاحتلال قائماً، تصريحات قطريّة سابقة جاءت على لسان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لكنّها لا تتوافق مع الأنباء التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية تفيد بأنّ "إسرائيل" وقطر اتفقتا على فتح مكتب دبلوماسي موقت في الدوحة خلال مباريات كأس العالم، وتأتي تلك الأخبار بعد عامين أو أكثر على دخول بعض العواصم العربيّة في حظيرة التطبيع الأمريكيّة (أبو ظبي، المنامة، الخرطوم، الرباط)، وتأكيد قطر عبر مسؤوليها رفضها للتطبيع بشكل كامل.
بالتزامن مع منهج العدو الإسرائيليّ المتطاول على حقوق الشعب الفلسطينيّ ومقدساته وثرواته، أفاد موقع i24NEWSمؤخراً أنّ "إسرائيل وقطر توصلتا إلى اتفاق لفتح مكتب دبلوماسي موقت في الدوحة خلال مباريات كأس العالم 2022"، مبيناً أنّ التوقيع عليه رسمياً سيجري خلال الأيام المقبلة، حيث يقول البعض إنه في عالم السياسة لا تقام اعتبارات للتصريحات بقدر الأفعال، فعلى سبيل المثال إنّ السعوديّة بلا شك ومنذ أشهر طويلة طبّعت علاقاتها مع الإسرائيليين لكن تصريحاتها تنافي ذلك تماماً، كذلك هو الحال مع التصريحات القطريّة على الرغم من أهميّتها البالغة في دعم فلسطين، إلا أنّها الواقع السياسيّ الذي تنتهجه الدوحة مع العدو الصهيونيّ، حيث تتحدث تقارير كثيرة أنّ أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، بعد عام واحد من انقلابه على أبيه وتوليه الحكم، سارع إلى إقامة علاقات مع تل أبيب، وافتتح المكتب التجاريّ في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الصهيونيّ آنذاك، شمعون بيريز، عام 1996، وكان رئيس المكتب يحوز على رتبة سفير في الخارجيّة الصهيونيّة.
ويشار إلى أنّ بموجب الاتفاق المرتقب بين الدوحة وتل أبيب، سيكون مسؤولون من وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي فعلياً في قطر لتقديم خدمات قنصلية للإسرائيليين الذين سيزورون الدولة الخليجية لحضور مباريات كأس العالم، وهذا التواصل ليس الأول من نوعه، بل تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطريّ إلى العدو الغاشم، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلاميّ على مدار الساعة وفتح شاشاتها لاستقبال رموز الصهاينة، وفقاً لمراقبين، رغم انتقاداتها بين الفينة والأخرى لممارسات الكيان، وقد كشف عضو “الكنيست” أو البرلمان الصهيونيّ، إيلي أفيدار، والذي تولى رئاسة مكتب التمثيل التجاريّ التابع للعدو في قطر خلال الفترة بين عامي 1999 و 2001 أن قطر تنتهج أسلوب الخداع والكذب في طبيعة علاقاتها القوية مع الكيان الصهيونيّ، مبيناً أنّ النظام الحاكم حاول إيهام شعبه بعدم وجود أي علاقات مع الصهاينة، وروج بأنّ قطر لا توافق على العلاقات مع تل أبيب، في حين أن النظام هو من طلب عقد اتفاق معها، وافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي بالعاصمة القطريّة.
أيضاً، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية في 7 أيلول/سبتمبر، وجود اتصالات مباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي وقطر لإقامة مكتب قنصلي لـ"تقديم المساعدة إلى الإسرائيليين الذين يريدون حضور كأس العالم المرتقب في قطر"، ومن المرجح أن يحضر آلاف الصهاينة من مشجعي كرة القدم الحدث الدولي في قطر، الذي سيقام في الفترة الممتدة من 20 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 18 كانون الأول/ديسمبر، ووفقاً لقواعد الفيفا، القطريون ملزمون بالموافقة على دخول أي إسرائيلي يقدّم تأشيرة لحضور المباريات، "لكنهم ذهبوا أبعد من ذلك، وألغوا الحاجة إلى هذا الإجراء"، وفق ما نقلت القناة الإسرائيلية الرسمية.
وبالعودة إلى الماضي قليلاً، تُحافظ السياسة القطريّة على منهج رئيس وزراء قطر الأسبق وأحد المتحكمين في سياستها حتى اليوم، حمد بن جاسم، التي تلعب على الجبهتين، حيث أكّد الأخير في حوار مع محطة “cnn” يوم مايو/أيار 2013، أنّ بلاده قد تفكر في توقيع اتفاقية “سلام” مع العدو الصهيونيّ إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحتها، فيما كشفت القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، أنّ ابن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية العدو السابقة، تسيبي ليفني، في أحد الفنادق بمدينة نيويورك الأمريكيّة، وأكّد التقرير رغبة قطر في إقامة علاقات دبلوماسيّة مع الصهاينة عبر إنشاء سفارات وتمثيل تجاريّ، دون شرط قامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس.
كذلك، اعترف حمد بن جاسم في حوار مع التلفزيون القطريّ يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 ، بأنّ بلاده أقامت علاقات مع الكيان الغاصب تزلفاً وتقرباً من الولايات المتحدة، وأنّه كان من المهم إقامة علاقة مع تل أبيب كي تفتح لهم أبوابا كثيرة في واشنطن، وبعد تولي تميم بن حمد الحكم في يونيو/حزيران 2013، واصل السير على نهج أبيه، واستمرت قطر في تطبيعها السريّ مع الكيان الصهيونيّ، وفقاً لتقارير إعلاميّة موثقة.
في النهاية، لم يكن في الأساس ثقة بين المواطن العربيّ وحكامه، لكي يُصدق تصريحاً أو خبراً على وسيلة رسميّة أو حتى أجنبيّة، بات المواطنون أدهى من أيّ محلل استراتيجيّ من الناحيّة السياسيّة، بحكم تجاربهم وقناعاتهم، وإنّ الواقع خير برهان على أنّ العلاقات القطريّة – الإسرائيليّة ليست جديدة، والدليل طريقة تعاطي المسؤولين ووسائل الإعلام معه، وإن كانت الدوحة قد أزالت "إسرائيل" ظاهراً من قائمة الموجودين، إلا أنّها أبرز الحاضرين بالنسبة للمسؤولين القطريين، بغض النظر عن نوايا الدوحة المفضوحة أمام الجميع.