الوقت- لاشك أن العالم العربي كان ولايزال يعاني من العديد من التحديات والصعوبات التي أعاقت من إمكانية العمل المشترك بين أعضائه؛ والتي كان لها أشد الأثر في إضعاف موقفه والعمل على توسيع الفجوة بين أنظمته؛ انطلاقا من سياسة فرق تسد ومروراً بزرع الكيان الصهيوني في قلبه؛ والمحاولات العديدة والمتكررة التي ساهمت في هدم أركان التعاون والعمل الجماعي المنظم بين الدول المنتمية له، ومن منطلق الإيمان بأهمية العمل العربي المشترك فقد كانت هناك العديد من النداءات التي ظهرت بشكل واضح وجلي والتي كانت تدعو للوحدة العربية وضرورة التعاون الفعلي من أجل مواجهة التحديات المشتركة وخلق كيان عربي يحتل مكانة بارزة في سلم القوى العالمي.
ومن الجدير بالذكر أن تاريخ عقد القمم العربية يرجع إلى بداية تأسيس جامعة الدول_العربية عام 1945 ، كأقدم منظمة إقليمية في العالم تنشأ بعد الحرب العالمية الأولى. وشكل تأسيس هذه المنظمة العربية، نقطة تحول مهمة في تاريخ العرب المعاصر وانضوت تحت مظلتها وحدة الهدف والمصير المشترك، فكانت منذ أكثر من سبعة عقود "بيتاً للعرب" للالتئام والتشاور وتوحيد الصف تجاه مسرح الأحداث إقليميا ودوليا.
الجزائر تستضيف أول قمة عربية منذ 3 سنوات
خلال الاسبوع الماضي استضافة الجزائر القمة العربية على ارضها حيث تعتبر الأولى منذ ثلاث سنوات، فقد كان آخر اجتماع لجامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، في آخر قمة في مارس 2019 في تونس، قبل تفشي وباء كوفيد-19. في ختام أعمال مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في الجزائر أكد الرؤساء العرب ، ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بالشرق الأوسط.وشدد الرؤساء العرب على تمسكهم بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكل عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي. في نفس السياق أكد "إعلان الجزائر" على الالتزام بمبادئ عدم الانحياز وبالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلي لمجموعة الاتصال الوزارية العربية.
من جهةٍ اخرى دعا الرؤساء العرب إلى حل ليبي ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا والوصول إلى انتخابات في أسرع وقت، مع التأكيد على رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، وافتتحت أعمال القمة بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى "تجاوز الخلافات" و"لم الشمل" من أجل الانتصار على من يشنون "حربا ضروسا لإسقاط الدول" سلم بعدها رئاسة الدورة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
تطورات معقدة يشهدها العالم
لا يخفى على أحد أن القمة العربية التي عقدت موخراً في الجزائر عُقدت في ظل تطورات يشهدها العالم وهي معقدة جداً وفي هذا السياق تم التصريح خلال القمة العربية بالقول إن هذه التطورات "لا يجب أن تنسينا هموم أمتنا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تمر اليوم بأصعب مراحلها في ظل جمود العملية السياسية وتمادي المحتل في فرض سياسة الأمر الواقع"، وعليه فقد تم التأكيد والإشادة بالفلسطينيين على انخراطهم في مبادرة المصالحة التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون مطلع هذا العام بالتنسيق مع الرئيس محمود عباس والتي توجت بالتوقيع على +إعلان الجزائر+ المنبثق عن مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية". وفي هذا السياق تم التطرق إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن حيث تم الذكر أنها مدرجة على جدول أعمال القمة، وتم التأكيد أن الرؤساء العرب والوفود المشاركة سيعملون على إيجاد مخارج دبلوماسية معقدة في صياغة القرارات النهائية - التي يتم تبنيها بالإجماع.
بوتين يوجه رسالة إلى القمة العربية
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لا تزال مستعدة لتطوير التعامل مع جامعة الدول العربية بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي.وقال بوتين في رسالة بعثها إلى قادة الدول ورؤساء الحكومات للدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بمناسبة انعقاد القمة العربية بالجزائر، في وقت لاحق الثلاثاء “يشهد العالم تغيرات سياسية واقتصادية مهمة، إذ يتزايد تشكيل نظام العلاقات الدولية المتعدد الأقطاب، وهو قائم على مبادئ مساواة الحقوق والعدالة واحترام المصالح الشرعية المتبادلة”.وفي هذا الصدد أضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “في هذه العملية تؤدي بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -التي يقرب عدد سكانها من نصف مليار نسمة- دورًا أكثر أهمية”.
من جهةٍ اخرى أشار بوتين إلى أن “مهام تصحيح الوضع الدولي ومواجهة التهديدات والتحديات للعصر الراهن، تجعل الهياكل التمثيلية المتعددة الأطراف مثل جامعة الدول العربية أكثر استدعاء”.
وتابع “روسيا الاتحادية لا تزال مستعدة لأن تطور التعامل مع جامعة الدول العربية وكل أعضائها تطويرًا كاملًا، بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي”. وأضاف “نعتقد أن القضايا العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها الأزمات في ليبيا وسوريا والنزاع في اليمن والقضية الفلسطينية، ينبغي تسويتها على أساس القانون الدولي المعترف به من الجميع مع الاحترام الصارم لسيادة الدول وسلامة أراضيها”. وأكد بوتين أن “التعزيز المتواصل لعلاقات الشراكة بين روسيا الاتحادية والدول العربية يخدم مصالحنا المشتركة، ويجري في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في العالم”.وكان بوتين قد انتقد، الخميس الماضي، سياسات الدول الغربية وسعيها الدائم إلى الهيمنة العالمية.وقال في كلمة مصورة خلال مشاركته في الجلسة العامة لمنتدى فالداي “الدول الغربية تريد السيطرة على العالم، وخضوع الجميع لها من دون الاهتمام بمصالح الدول الأخرى”.وفي المقابل، أكد أن أغلب الدول حاليًا “تطالب بالديمقراطية ولا تقبل الإملاءات المفروضة عليها”.
في الختام يبدو أن الرسالة الخاصة التي وجهها بوتين للمشاركين في قمة الجزائر العربية تحمل الكثير من الدلالات فمطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعالم متعدد الأقطاب هي رسالة لها مضمون استراتيجي وفي هذا السياق تفهم الدول المشاركة في القمة أن العالم متعدد الأقطاب أفضل حل للتخلص من الهيمنة الأمريكية الغربية التي تدمر الدول، وهل سينجح العالم متعدد الأقطاب في إنهاء الهيمنة الأمريكية التي تتدخل في شؤون الآخرين وتفرض الوصاية عليهم .